TOP

جريدة المدى > عام > في مفهوم الأنثولوجيا وبنية السرد في تجنيس فلان وفلتان لخضير الزيدي

في مفهوم الأنثولوجيا وبنية السرد في تجنيس فلان وفلتان لخضير الزيدي

نشر في: 16 أكتوبر, 2022: 10:09 م

محمد يونس محمد

في البداية نقف على ناصية المفهوم، فقد عرفت الأنثولوجيا على أنها هي انتقاء مواضيع أو مواد أدبية مكتوبة سيان كانت قد حددت بشكل مفرد بحد ذاتها،

أو انتقاها المؤلف من نصوص أو كتابات أوسع، ومن يقوم المؤلف يقوم باختياره وتحديد تلك النصوص المنتقاة وتنسيقها وفق إطار الكتابة، وتحديد وحدة الجنس معنويا، ففلسفة الكتابة الأدبية لا تعني أساسا بالكينونة أو إطار التجنيس كما يسمى منهجيا، بل بالماهيات فهي صيغ التعبير، والماهيات هي التي تشغل ذهن المؤلف ووعيه، فهي الصيغ التي تقابل القارئ العام أساسا، وذلك يكون من خلال لغة الكتابة وهي المدركة والمفهومة عند الجهة الأولى النص ومؤلفه والجهة الثاني التلقي وتأويله المتعدد، ومن الطبيعي اللغة هي آصرة العلاقة بين الطرف الأول والثاني وهي من تلزم تحقيق العقد المشترك، وهذا في الإطار العام.

نأتي على الأطر الخاصة والتي تتمثل في العملية الفنية، فالفن في الكتابة السردي هي الجهة المقابلة لجهة الذاكرة، ولكن وظيفته التي يسعى لتحقيقها، فالذاكرة البشرية هي من تزودنا بالمادة البسيطة، والتي تسمى منهجيا الحكاية، وتقوم جهة الفن بتعقيد تلك الجهة بعد تقطيع الحكاية إلى وحدات سردية، وهنا نشير إلى مسألة فالوظيفة الفنية هي التي تجعل تلك الحكاية ليست ذات الحكاية التي كانت في متن التاريخ والذاكرة البشرية، ودور المؤلف يكمن في إعادة إنتاج الحكاية وفق صيغ السرد، وهذا شائع إذا تمكن المؤلف بث طاقة فنية وجمالية مناسبة في الموازاة للذاكرة، لكن ما هو فني كان بخلاصة نوعية أن يقوم المؤلف بانتقاء عدة حكايات، ويقوم أنثولوجيا بلا تحديد لاختياراته، بل يتيح للاختيار التعدد والتنوع، كي تكون من جهة هناك فسحة مناسبة للقارئ، ومن جهة أخرى يخرج المؤلف من أطر الكتابة التقليدية، ومن جهة ثالثة يجعل النص المكتوب هو المسؤول الأساس، فهو النص وهو الخطاب وهو الأثر الأدبي.

في إحالة كتاب – فلان وفلتان – الذي ضم مجموعة من القصص الروائية التي انجذبت إليها الرواية في ما بعد الحداثة بعدما أرهقتها السرديات الكبرى والتاريخ والوجود والزمان، وبدأت أولى تموضع لصيرورة هذا النمط من الكتابة في بداية الخمسينيات، وقد أنجز كلود سيمون رواية قصصية، وكما أنجز أندري برايتون صيغة تنتسب أيضا للرواية القصصية، وبكيت أيضا قدم في ثلاثته نسبا واضحة، وكما كتبت ناتالي ساروت راوية قصصية للأسف أساءت لها الترجمة واعتبرتها مجموعة قصصية، وفق إشارة الترقيم المتسلسل، وبعد أكثر من نصف قرنا على بداية هذا الفن، يقدم لنا خضير الزيدي مادة جديرة بالوقوف عندها تحل للبنية الفنية وطبيعة مفرد السرد التي جاءت شاقولية، أي تخفي ما تخفي وراءها، وهذا النمط من الكتابة السردية الذي قام به خضير الزيدي هدف به توسيع مساحة التلقي، وصراحة لو كان لدينا نسبة مقبولة من الوعي الاجتماعي لدخل هذا الكتاب إلى أغلب البيوت، والذي عبر انثولوجيا السرد قدم لنا المؤلف شخوصه، والذي الهم لواقع السرد بعد جعل المتن الاجتماعي العام هامش، وجعل الهامش بديلا له، فتلك الشخصيات من فاضل الخياط الذي تحول إلى اسم – فالح – والذي أسماه في مادته بظل الرئيس، إلى خياطة الفاقة، وسميسم الصاروخ والشخصيات الأخرى، وإبدال المتن بهامش مثير للجدل والخاطر والغرابة والتندر، هو نتاج وعي يبحث في بنية المجتمع السارد لنفسه عن مادة خام لم تستهلك.

لقد قدم لنا المؤلف في كتابه السردي الصادر عن دار أبجد غير المعنون مفهوما جديدا للرواية، فالرواية لم تعد تلك الرواية التي تخلق لنا عالما من تلك التركيبة السحرية ما بين الذاكرة والخيال، بالطريقة التي تؤكد القيم المثلى والأعراف من خلال السرديات الكبرى البتي كانت تعنى بالتاريخ قيمة ووظيفة، وتلك اللعبة الدارجة لم تعد مؤهلة للقبول في الذوق الأدبي، وكان على أي مؤلف البحث عن صيغ جديدة وتطوير فن اللعب، ولا بد من مهارة مناسبة صراحة تناسب روح العصر، وكينونة الرواية سابقا بعد تطور الرواية للبوليفونية أصبحت غابة من الماهيات، وتعدد سيمياء الرواية وتطور الدلالة والمعنى، ومن ذلك التجديد جاءت سردية خضير الزيدي لتقدم لنا مادة روائية على الرغم من عدم إعلان الغلاف عن ذلك، ورغم أن التعدد الانثولوجي لم يعهد سابقا، لكن الكثير من الروايات العراقية الجديدة هي قصصية، حيث هناك فصول مسماة، وهذا تأكيد لوجود قصص في إطار روائي، ووفق تفسير أن الرواية جنس متعدي الأجناس أو يتحقق فيه تداخل الأجناس فنيا، وهي الصيغة الأمثل لمواكبة سرعة الزمن، والتجنيس على الغلاف هو ليس إلا إشارة فيما التجنيس الموضوعي داخل بنية النص هو تحقيق وتأكيد لإطار الجنس، والوعي المتواصل في تعدد الإبستمولوجيا، من الطبيعي نشاطه العقلي أجدر من الوعي المحدد أدبيا، وإذا لا تمتلك طاقة مثل تلك التي امتلكها خضير الزيدي وتلك المطاولة وبالحث والاستدلال، فأنت تعيد تعريف الواقع لنا على أنه واقع، ونشير إلى فكرة التي قد حققها بجارة ونشاط وطاقة خضير الزيدي هي توازي عملية الإحصاء العشوائي في علم الاجتماع.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

في مديح الكُتب المملة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram