ثائر صالح
4 من 4
اهتم عدد من السلاطين العثمانيين بالفنون والموسيقى، منهم السلطان مراد الرابع (1612 - 1640)، وبقي لنا عمله بشرف على مقام عزال (حجاز + عشاق). عرف بقسوته الشديدة وبحروبه مع الدولة الصفوية التي احتلت بغداد لخمسة عشر عاما واسترجاعها منهم.
لكن أشهر السلاطين من جانب حبه للفنون والآداب والخط والموسيقى على الإطلاق هو السلطان سليم الثالث (1761 - 1808) الذي اشتهر كذلك بمحاولة تحديث الإمبراطورية عبر إصلاح الجهاز العسكري وتقليص دور الانكشارية واستحداث ما عرف بالنظام الجديد، وهو جيش مشاة مدرب ومجهز وفق أحدث معايير ذلك العصر. لكنه عزل عن الخلافة بسبب معارضة الجيش النظامي القديم والانكشارية وتآمرهم عليه وعلى إصلاحاته وتنصيب مصطفى الرابع سنة 1807 وسجن في السراي لحين قتله بأمر من مصطفى. كان سليم الثالث يتقن العربية والفارسية (لغة الشعر في السراي العثماني) إلى جانب التركية والبلغارية القديمة.
افتتن سليم بالموسيقى وكان عازفاً على الناي والطنبور ومؤلفاً كتب 64 عملاً لا يزال البعض منها يقدم حتى اليوم كجزء من التراث الموسيقي العثماني الكلاسيكي. كان سليم كذلك من أتباع الطريقة الصوفية المولوية المعروفة باستعمال الموسيقى والغناء في مراسيم السماع، لذلك ألّف سليم أعمالا موسيقية مولوية (وأشكالها العين والذكر). رعى كذلك الفنون، ودعم الموسيقار الأرمني همبرسوم في جهده لابتكار نظام تدوين موسيقي ملائم للموسيقى العثمانية استعمل فيه الحروف الأرمنية وعدداً من الرموز. جمع همبرسوم ودوّن أهم الأعمال الموسيقية العثمانية في ستة مجلدات وأهداها لسليم الثالث، كما دعم دده أفندي أحد أعظم الموسيقيين العثمانيين وأهم من كتب الموسيقى المولوية، وكانت موسيقاه تؤدى في قصر السلطان.
لم يكتف السلطان سليم بدعم الموسيقى العثمانية الكلاسيكية، بل دعم تقديم الموسيقى الأوروبية، فأمر باستقدام فرقة موسيقية وقدمت أول عروض الأوبرا في باحة قصر توبكابي في اسطنبول سنة 1797، ربما بمساعدة السفارة الفرنسية هناك.
السلطان الآخر الذي عرف بحبه للفنون مثل الخط والرسم والشعر وعلى الخصوص للموسيقى، وبتأليفه مقطوعات كلاسيكية تركية وأوروبية هو عبد العزيز (1830 - 1876). كان عبد العزيز مهتماً بتحديث البلاد بالخصوص الأسطول العثماني، وبناء نظام تعليمي معاصر وسكك حديدية وصناعة. كان أول سلطان عثماني يزور الكثير من دول أوروبا سنة 1867، وقد استقبلته فكتوريا ملكة بريطانيا بفرقة موسيقية تعزف أحد أعماله، فقد كان مهتماً بالموسيقى العثمانية والأوروبية على حد سواء. من أعماله الجميلة سيرتو حجاز كار، والسيرتو هو رقصة يونانية سريعة أصبحت من القوالب الموسيقية المهمة في الدولة العثمانية. وقد عمل عدد كبير من الموسيقيين اليونانيين والأرمن وغيرهم من القوميات في الاستانة وكان لهم حضوراً كبيراً في غالبية الفنون، وهم الذين طوروا الفنون العثمانية من موسيقى وعمارة. جرى اقتلاع مليون وربع المليون يوناني من أرض أجدادهم سنة 1923 ونقلوا إلى اليونان.
ويذكر هنا أن السلطان محمود الثاني (1785 - 1839) كان أول السلاطين الذين ألفوا موسيقى أوروبية، ولديه 26 عملا موسيقيا.