علي حسين
عندما بدأ الطفل لولا دا سيلفا العمل ماسحا للاحذية لمساعدة عائلته ، لم يكن يحلم بأن يصبح تلميذاً في المدرسة ليتعلم القراءة، من أجل أن يقرأ الروايات المليئة بصور المغامرات، كان الحلم مستحيلاً على ابن عائلة تعيش تحت خط الفقر، تسكن في كوخ من الصفيح، أب مزارعا بالاجرة ، والأم خياطة،
فقرر أن يساعدهما لتحمل نفقات عائلة تتكون من عشرة أفراد، عمل في شوارع ساو باولو مرة صبياً ينظف زجاج السيارات ، ومرة بائع خضروات واخرى ميكانيكي، ثم عامل تعدين، وفي التاسعة عشر من عمره يخسر أحد أصابعه أثناء العمل في مصنع للسيارات، ولم يجد المال اللازم لإجراء عملية جراحية، فقرر أن يتحول إلى نقابي يدافع عن العمال الفقراء، وبسبب الفقر والعمل المتواصل، لم يستطع إكمال دراسته الابتدائية، لكنه يقول إنه محظوظ لأنه تعلم القراءة، فقرأ ماركس وبرتراند رسل وتولستوي، والأهم أنه استطاع أن يصبح أحد دراويش الكاتب البرازيلي الشهير جورجي أمادو الذي وصفه بأنه "رمز لقوة ومثابرة الإنسان البرازيلي". سيلتحق بصفوف النقابات العمالية، يناضل ضد سياسة تجويع العمال وسحق الفقراء. وعندما قرر أن يترك العمل النقابي، حلم بأن يجلس على مقاعد السياسيين، وكان ذلك مستحيلاً في بلد تتوالى فيها الصراعات على السلطة . عام 2002 وجد الطريق أن إلى رئاسة الجمهورية أصبح سالكاً وأنه سيصبح رئيساً لبلاد السامبا .
عندما قرر دي سيلفا أن يقاتل الفقر، لم يجعلها معركة ثأرية بل جعلها حرباً من أجل فقراء البرازيل، لم يطل "لولا" الخطب والشعارات ، بل أطال العمل والجهد وترسيخ محبة الناس. وجعل شعاره إغناء الفقراء لا إذلال الاغنياء .
في مطلع عام 2003 برنامجه الشهير "الجوع صفر"، أي "القضاء على الجوع" ، فنقل اكثر من مليون مواطن برازيلي من الفقر . ظلّ لولا في الحكم حتى عام 2010 عندها شعر أهالي البرازيل بنوع من الخيبة،لأنّ الدستور لا يسمح لـ"رئيسهم المحبوب" بالبقاء رئيساً للبرازيل، قدّم صورة أخرى للزعامات في العالم، أعطى لشعبه، ازدهاراً لم يعرفه من قبل، لم يكذب عليهم ولم يركب على أكتافهم :" أنا أغادر الرئاسة لكن لا تعتقدوا أنكم ستتخلصون مني لأنني سأكون في الشوارع للمساعدة في حل مشكلات الناس " .
يقول إن من نشأ في تلك "السنوات العصيبة كان سيتعلم أن يواجه المخاطر بروح صلبة". ظل على الدوام يؤمن بما قراه في احد كتب ماركس إن "التحرر الإنساني يعلم الانسانالتعرف على قواه الذاتية " .
يعود دي سيلفا الى الحكم ، لكنه لن ينشغل بمحاربة أعدائه الذين ادخلوه السجن والقاء خطب التخوين ، بقدر سينشغل بتحقيق حلمه بـ "برازيل بدون فقراء "، مثلما كان يحلم مواطنه جورجي أمادو .