بغداد/ تميم الحسن
يستعد محمد السوداني رئيس الحكومة الى خوض معركة جديدة مع القوى السياسية بشأن أكثر من 10 آلاف منصب وهو رقم تخميني لما يعرف باسم «الدرجات الخاصة».
ويفترض ان هذه المناصب «التي تتوزع على مستويين «(أ) وهم وكلاء الوزراء والمستشارون، و(ب) وهم المدراء العامون»، ان تقسم على الكتل التي شاركت في الحكومة وفق معادلة رياضية معينة.
وتضم هذه المواقع رئاسة الهيئات المستقلة التي تفوق اعدادها الـ25 هيئة، والدرجات الرفيعة في الوزارات، والمواقع الامنية مثل المخابرات والحشد الشعبي.
وتضخم اعداد هذه الدرجات عاما بعد اخر بسبب استخدامها «كترضية للاحزاب»، فيما تتناوب احيانا سيطرة الاحزاب عليها طبقا لقربها من رئيس الحكومة.
ووفق ذلك يحاول حزب الدعوة هذه المرة اعادة سطوته على تلك المواقع الذي تراجع بسبب صعود حظوظ التيار الصدري في الاعوام الثلاثة الاخيرة.
كما تطمح بالمقابل الاحزاب الاخرى المنضوية في الاطار التنسيقي بالحصول على جزء من الحصة خصوصا تلك التي ذاع صيتها بعد عام 2018.
ويتوقع ان يحدث «انفجار» بين تلك القوى من جهة والسوداني من جهة اخرى على اثر اشغال المناصب المهمة وخاصة الامنية التي تطمع بها «فصائل مسلحة».
وتعود جذور ازمة الهيئات المستقلة والدرجات الخاصة الى عهد حكومة نوري المالكي (بين 2006 و2014).
وحاول رئيس الحكومة آنذاك ان يكسب التأييد الشعبي والحزبي من اختراع مناصب جديدة وتوسيع الهيئات لتكفي كل الطامحين بتلك المناصب.
وبسبب التقاطع بين الحكومة والبرلمان آنذاك، فقد اضطر المالكي الى ان يسند تلك المناصب الى شخصيات بالوكالة ليتجنب الذهاب الى مجلس النواب.
وتحسب للمالكي براءة اختراع المناصب بالوكالة في كل جسد الدولة وهي مشكلة مزمنة حيث ماتزال هذه المواقع بنسبة تصل احيانا الى 100% تدار بالوكالة.
وبحسب الدستور وخبراء القانون ان المواد 61 الفقرة 5 والمادة 80 الفقرة 5، تحدثتا عن آلية تعيين الدرجات الخاصة.
ووفق تلك المواد فانه يتم اشغال المناصب الخاصة عبر اقتراح من مجلس الوزراء على ان يصوت عليها مجلس النواب.
اما التعيين بالوكالة فيمكن لرئيس الحكومة الجديد ان يلغي تلك التعيينات، بالمقابل يمكن للمتضرر اللجوء الى القضاء للطعن.
وحاول رئيسا الوزراء السابقَين حيدر العبادي وعادل عبد المهدي انهاء ملف ادارة الدولة بالوكالة لكنهما فشلا.
وحل العبادي في 2015 «لجنة التوازن» التي كان يفترض ان توزع المناصب الخاصة على الاحزاب، واستبدلها بلجان اخرى لكنها في النهاية لم تنجح في حل المشكلة.
اما عادل عبد المهدي فقد اعلن في 2019 بانه توصل الى حسم «نصف اسماء الدرجات الخاصة بالوكالة» قبل ان يستقيل نهاية العام نفسه بسبب احتجاجات تشرين.
وبعد ذلك اعلن مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء ماقبل الاخير، في حزيران 2020 عن تشكيل لجنة لانهاء ملف «الوكالات» على ان تنتهي في ايلول من نفس العام.
وخلال هذه الفترة قام الكاظمي بتعيين بدلاء في الهيئات المستقلة ثم تراجع عن اغلبها، مثل خالد العبيدي الذي اختاره حينها لمنصب مستشار الامن القومي ثم استبدل بـ»قاسم الاعرجي».
وفي ذلك الوقت كان الحديث عن 6 آلاف وظيفة، فيما يؤكد مصدر سياسي رفيع لـ(المدى) ان «هذه الارقام تصاعدت الان بسبب التنافس على المناصب».
ويقول المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه: «لاتمكن معرفة الاعداد الدقيقة لموظفي الدرجات الخاصة».
وقدر المصدر انه «في كل وزارة (عدد الوزارات في الحكومة الجديدة 23 وزارة) ما لايقل عن 500 درجة خاصة، فضلا عن الهيئات المستقلة».
وبحسب موازنة 2021 وهي اخر موازنة اقرها البرلمان، فقد اظهرت الارقام وجود 511 موظفاً بدرجة (أ) وهي اعلى درجة وظيفية، و5030 بدرجة (ب) وهي ثاني اعلى درجة.
اما الدرجات الخاصة وهم النواب والوزراء ومن هم بدرجتهم لم تذكر اعدادهم في موازنة 2021.
وعن المتحكمين بهذه الوظائف، يقول المصدر ان «حزب الدعوة كان يسيطر من 2005 الى 2018 على نحو 70% من تلك المواقع».
ويتابع قائلا: «تراجعت حظوظ الدعوة بعد صعود عبد المهدي في 2019 وبدأ التيار الصدري يأخذ مواقع جديدة حتى بات الان يسيطر على اكثر من نصفها، مقابل اكثر من 30% للدعوة، والـ10% المتبقية متفرقة للاحزاب الاخرى».
وبحسب المصدر ان «حزب الدعوة يحاول هذه المرة العودة الى الصدارة وابعاد التيار الصدري، لكنه تنافسه ايضا الفصائل التي اسست اجنحة سياسية بعد انتهاء الحرب ضد داعش».
وقد يتسبب هذا الامر في خلافات مع رئيس الحكومة الذي يطرح فكرة «التريث 3 اشهر على الاقل» وهي مرحلة تقييم قبل استبدال المواقع.
لكن بالمقابل هناك استعجال من الاحزاب، فيما لاتوجد صيغة حتى الان في كيفية حساب توزيع الدرجات الخاصة: هل بطريقة التقسيم على غرار الوزارت (نظام النقاط)؟ ام أن هناك معادلة اخرى؟
يقول المصدر القريب من مكتب السوداني ان «الاخير يقلق الاحزاب فهو حتى الان لم يطرح معادلة للتقسيم ويبدو انه يريد كسر قيود الكتل المفروضة عليه ويختار بطريقة اكثر مهنية».
وكان التقسيم السابق للهيئات تضمن: 15 هيئة للشيعة، و11 بين السنة والكرد، وواحدة للمكون المسيحي.
وابرز الهيئات هي امانة مجلس الوزراء، النزاهة، المساءلة والعدالة (ويفترض ان تحل هذا العام بحسب اتفاق ين القوى السنية والسوداني)، الاوراق المالية وغيرها.
ويكشف المصدر ان «فصائل مسلحة تطمع بموقع المخابرات والامن الوطني والحشد الشعبي»، مبينا ان «فالح الفياض وهو رئيس الحشد ابدى اعتراضا شديدا على التنازل عن الموقع».
وبحسب نقاشات الاحزاب الشيعية، وفق ما ينقله المصدر، فانهم يتجنبون «اعطاء هذه المناصب (الامنية) لفصائل خوفا من تعكير العلاقة مع الدول الغربية التي يسعى الاطار مؤخرا الى تحسين صورته امامها».
لكن المصدر يضيف قائلا: «هناك التفاف على هذه المشكلة، فقد تتم تسمية اشخاص محسوبين على الفصائل بهذه المواقع، او يأتي الفياض برجل مقرب منه لادارة الحشد».
وكانت أكبر موجة للاستحواذ على تلك المناصب قد جرت في منتصف حزيران 2020، حين استبدلت احزاب 800 وظيفة خاصة بمؤيدين لها في وقت دخول قانون التقاعد الجديد آنذاك، حيز التنفيذ.
بدوره يقول كمال كوجر عضو اللجنة المالية في حديث لـ(المدى) ان «ارتفاع وانخفاض عدد الدرجات الخاصة يعتمد على طريقة عمل رئيس الحكومة».
ويضيف كوجر: «رؤساء وزراء سابقين كانوا قد وضعوا جيوشا من المستشارين، واخرون قرروا خفض تلك الاعداد بمجموعة صغيرة ومهنية».
ويتابع النائب ان «الامر ينسحب ايضا على باقي الرئاسات في اعداد المستشارين وموظفي الدرجات الرفيعة».
وبين كوجر ان «انهاء ادارة المناصب بالوكالة فشلت في حلها الحكومات السابقة»، مشيرا الى ان «حل هذه المشكلة في الحكومة الحالية يتعلق بمدى قدرة السوداني والاحزاب على اعطاء الاخير مساحة حرية في إجراء تغييرات».