علي حسين
في كل يوم وأنا أتوجه لكتابة العمود الثامن ، أتذكر حكاية استاذ المقال الصحفي في العراق الراحل شمران الياسري "أبو كاطع" ، حين قرر أن يُترجِم مشاعر الناس وآلامهم وآمالهم إلى كلمات تلهب الحماسة والوطنية وتغيض أصحاب السلطة بكل ألوانهم وأشكالهم وخطاباتهم ،
وأقول لنفسي؛ يارجل عليك أن " تمد لحافك على كد رجليك" فأين أنت من "أبو كاطع" وسحر عباراته؟ ، وهل يعقل أن تحلم ولو لمجرد الحلم بأنك كاتب من صنف شمران الياسري الذي كان العراقيون بمختلف توجهاتهم ينتظرون "صراحة أبو كاطع" على الأرصفة لينطلقوا معها وبها في سحر ونقاوة الكلمة ؟ . كانت الناس تعرف جيداً أن كاتبها المفضل لم يطأطئ رأسه لمسؤول أو منصب أو منفعة، فقد كان وفياً لما يكتب، قابضاً على جمر مبادئه، مكرساً حياته للكلمة، للموقف الوطني الصادق المتجرد من كل غرض أو منفعة.
كان متاحاً لشمران الياسري، أن يعيش في أمان واطمئنان وأن يحصل على أعلى المناصب، فقط لو منح ضميره إجازة دائمة.. غير أنه كان عصياً على الإغراء، مترفعاً عن استجداء السلطة، مدركاً بحسه المهني والإنساني، الشديد الوطنية والنقاء، أن مملكته الحقيقية ليست مع السلطة وإنما مع مواطنين يشاركونه الحلم بوطن أكثر بهاءً وجمالاً... اليوم حين أستذكر مآثر "أبو كاطع" أنظر حولي لأرى البلاد، وقد عشش فيها الساعي إلى المكاسب، والكاره لوطنه يطالب ولو بربع فرصة لإظهار مهاراته في اللعب على الحبال.
كنتُ أقرأ بصراحة يوم صدورها في أخيرة طريق الشعب، ثم قرأتها مطبوعة في مجموعة صدرت منها عدة أجزاء، ثم أعدتُ قراءتها سنة بعد سنة، وفي كل قراءة جديدة أجد نفسي أمام متعة من متع الكتابة، ورغم مرور السنين لا تزال "بصراحة" قطعة صحافية أكثر احترافاً، من كثير مما نقرأه في صحفنا هذه الأيام. كتابة تتجدد في كل زمن، لتصبح من كلاسيكيات الصحافة الخالدة.
ربما يسأل قارئ عزيز ما الذي ذكرك بالراحل "أبو كاطع"؟ وليسمح لي أن أقول له إن السؤال الصحيح هو: هل نسيت "أبو كاطع" يوماً ؟. ومع هذا اسمحوا للعبد الفقير بأن يتباهى قليلاً فقد أخبرني الأصدقاء في مهرجان طريق الشعب أن اختيارهم وقع على شخصي الضعيف ليمنحوه جائزة شمران الياسري للعمود الصحفي، وكنت أنوي الاعتذار، فهناك حتماً من هم أحق مني بهذه الجائزة، لكني تذكرت ذلك الصبي الذي كان يبحث في الصفحة الأخيرة من جريدة طريق الشعب عن مقال صغير بعنوان "بصراحة" يكتبه "أبو كاطع" شمران الياسري، فما بالك أن يرتبط اسمه باسم عميد الصحافة الوطنية في العراق.
جميع التعليقات 1
نصير الشطاوي
نحن مثلك يا اخي الكاتب لم ننسَ او نكف عن قراءة أبو كَاطع مرة وانا أعيد قراءة الرباعية كانت زوجتي حامل، وطلبت مني شيء تتسلى به، بعد ان نصحها الطبيب بالراحة، ولكن المتعة والضحك من القلب أدى بنا للذهاب للمستشفى.