إياد الصالحي
تدشّن الكرة العراقية تجربة فنية "إسبانيّة" هذه المَرَّة مع المدرب خيسوس كاساس وطاقمه المساعد، الذي وصل العاصمة بغداد فجر أول أمس السبت في المغامرة الحادية عشرة ضمن سلسلة تعاقداتها مع المدربين الأجانب منذ عهد الألماني بيرند ستانج عام 2002 والتي غالباً ما كانت خائِبة وغير مُلبية لطموحات العراقيين.
ومع كُلّ رِفقَة للأسود مع المدرب الأجنبي، تصاحبهُ انتقادات متباينة في الطرح وقاسية في خلاصاتها نظراً لسوء نتائج المنتخب الوطني في جميع البطولات من دون استثناء بعدما أيقنّا صعوبة التعايش الفكري بين عقليّة المدرب الأجنبي واللاعب المحلي وحتى المُحترف إلا ما ندر في ضوء المشاكل التي أفرزتها السنين الأربع الأخيرة تحديداً منذ استقدام السلوفيني سريتشكو كاتانيتش أيلول 2018، وعدم توصل مسؤولو اتحاد كرة القدم الى صيغة تعامل متوازنة بين صلاحيّات المدرب الفنيّة المُطلقة وما تقتضيه شؤونهم الإدارية من إجراءات حازمة تضبط علاقة اللاعب الدولي مع الاتحاد وناديه ومدرّبه من دون إخلال في الثوابت الأخلاقيّة والمهنية الراسخة.
خذوا منهاج كاساس وقائمة احتياجاته التي تُسهّل آلية عمله، ودعوه يتصرّف وفقاً لشطارته في تطويع فكره وأسلوبه وما تعلّمه من مدرسته العالميّة وتجارب كبار المدرّبين أمثال كليمنتي وكاماتشو وأراغونيس وديل بوسكي ممّن تركوا بصمات كبيرة في محافل أوروبيّة وعالميّة، هو جدير باقتفاء سيرهم نحو إنجاز أهم دروس اللعبة بصناعة فريق مُنسجم يُكمِّل كلّ عُنصر فيه الآخر، ويُنجِز واجباته مثلما رُسم له لا أن يتصّرف وفقاً لأهواء العناصر!
من حُسن حظّ كاساس أن أولى الاختبارات الرسميّة في محكّ تفاعلهِ الفنّي مع لاعبي المنتخب الوطني ستكون أثناء بطولة الخليج العربي في البصرة 6 كانون الثاني 2023 وأمامه أقلّ من 70 يوماً للتحضير الجيّد لها، وستتضح الرؤية أمامه من جميع الزوايا لاختيار أصْلَح اللاعبين بدنيّاً وتكتيكيّاً خلال جولتي المكسيك والإكوادور في 9 و12 تشرين الثاني الحالي، وبعدها يُمكنه من التعامل بحذرٍ مع خياراته بعيداً عن ضغوط الاتحاد والإعلام والجمهور.
ومع أقرارنا بعدم وجود بيئة كروية صالحة لنجاح أي مدرب أجنبي في ظلّ المستوى الفني الفقير لمنافسات دوري كرة الممتاز برغم وعود الاتحاد بنقله الى المستوى الأفضل بعد موسم أو موسمين باطلاقه دوري المحترفين، فبإمكان كاساس المساهمة في تطوير الدوري من خلال اللقاءات المُتتابعة مع أفضل مدربي الأندية المثابرين لتأشير ملاحظاتهِ وتقويم أسلوب اللعب وما يعكسهُ ذلك من فائدة على اللاعب ذاته الذي يُمثّل النادي والمنتخب.
غياب اللقاءات تلك هي حلقة مفقودة في علاقة المدربين الأجانب العشرة السابقين مع الدوري المحلي، بينما جميع مدربي المنتخبات في المنطقة يبدون انتقاداتهم المتوازنة حيال منافسات المسابقات في بلدانهم ويتم تأشير أبرز العناصر الشبابيّة التي تستحقّ المتابعة لتأهيلها ضمن برنامج المنتخب مع التحذير من نقاط الضعف في أداء القيادة الفنيّة للفرق بتقارير رسميّة تخصُّ مدرّبيها كونهم وراء تطوير اللعبة أو تراجعها.
وإذا كان الدافع الوطني يُشكّل حافزاً لدى بعض المُحلّلين المُعتمدين في برامج فضائيّة معروفة جنّدت كوادرها لكرة القدم فقط، فالواجب تذكيرهم بأن المدربين الأجانب لا يستمعون لكم حتى لو نُقِلت اليهم بعض ملاحظاتكم، فهم يتحمّلون مسؤولية قراراتهم وحدهم، لكن من يتأثّر بتحليلاتكم هُم اللاعبون وبينهم من تنقصه الثقافة والإدراك وفرز الصالح عن الطالح فيسقط باهتزاز معنوياته ويرى مصيره بضبابيّة كبيرة كأنّ الناقِد أو الناقِم أحياناً في تحليله هو مدرّبه الحقيقي الذي يُراقبه وليس المتواجد في المنطقة الفنية! فيدفع المنتخب الثمن خاصّة إذا ما صُعِق اللاعب المهزوز بقراءة تعليقات عشرات مُستخدمي مواقع التواصل المؤيّدة لرأي المُحلل الذي لا يعدو عن رأي شخصي غير ملزم بالإذعان له!
ليستقلّ الطاقم التدريبي الإسباني بتدابير مهمّته مع الأسود، ويُسمي الاتحاد أحّد أعضاء لجنة الخبراء أو لجنة المنتخبات للتنسيق معه في أمور مُحدّدة تخدم برنامجه لوجستيّاً، مع ضرورة إبعاد كاساس عن الإعلام باستثناء مناسبات يُتفَق عليها كي يأخذ فرصة كاملة للتعرّف على واقع الكرة العراقيّة وعوامل الاِرتقاء به كونه يحتلّ اهتماماً لدى الكثير من المتابعين بعد سنوات التخبّط والإهمال ما أدّيا الى فقدان المنتخب هيبة المواجهة بين كبار القارّة!