إياد الصالحي
فصلان موجعان من سيناريو هزائم أسود الرافدين النفسيّة قبل الفنيّة في خيبتهم التشرينيّة بإسبانيا، تركا الجمهور العراقي في حيرة من أمرهم أزاء عدم استحقاق عدد كبير من عناصر الفريق إرتداء قميص المنتخب الذي لم يسلم هو الآخر من الإساءة لرمزيّته بعدما تعرّض إلى التمزّق في مشهد متكرّر ينمُّ عن لا أباليّة بعض اللاعبين للظهور بالمستوى المُشرّف من عدمهِ طالما أن قوائم الدعوة ضامنة لتواجدهم حتى في أسوأ أحوالهم!
خسارة برباعيّة مكسيكيّة قاهرة بطريقتها المُهينة التي أجاد تسجيلها الأصدقاء كأنهم يؤدّون تمريناً استشفائيّاً ولم يواجهوا أية مقاومة عراقيّة تستمدّ عزيمتها من ذكريات مكسيكو 1986 ولو بقليل من الحماسة! فسقطوا في اِمتحان ليس يسيراً بالتأكيد، لكنّه ليس مستحيلاً إذا ما فكّر أي لاعب باستحقاق وطنه أن يؤدّي واجبه بقناعة تامّة على أنه الأفضل بين مئات اللاعبين الذين تركهم المدرب راضي شنيشل في الأندية تشبُّثاً بتقليد سلفه أن المُجرَّب دوليّاً لا يخشى أجواء اللقاءات الكبيرة، فكانت النتيجة مُدعاة للتهكُّم على تهرّب عشرة لاعبين من المواجهة 90 دقيقة خوفاً من ورطة الانفتاح ومبادلة المنافس الهجمات، فجاء ردّ المدرب الأرجنتيني جيراردو مارتينو بروحيّة متعاليّة وبعيدة عن أخلاق المنافسة الرياضيّة عندما سارع خُطاه لمغادرة الملعب من دون وداع شنيشل كأنّه يقول له (ألم تندم على ضياع وقتك مع هؤلاء)؟
وفي الوقت الذي خرجت بعض الأصوات تُلملِم جِراح الأسود بفلسفة فنيّة لا تشبه واقع ما تمرّ به اللعبة أصلاً من هدمٍ مُستمر، جاء لقاء الإكوادور سريعاً ليُظهر الأسود تماسكهم من دون فاعليّة هجوميّة "تكتيكيّة" تدلّل على صحوتهم وإثبات شخصيّة منتخبهم الجديدة!
كرَّروا الصمود في المنطقة الدفاعيّة مع بروز استثنائي للحارس جلال حسن الذي يكفي أن نشير الى أنه مُنقذهم من هزيمة قاسية أخرى خلال ثلاثة أيام بفعل يقظته وتلاعبه بأعصاب لاعبي الفريق الأمريكي الجنوبي، وختم جلال مشاهد براعته بردّه ركلة جزاء في الوقت بدل الضائع حرمتهم من تعويض عجزهم في هزّ شباكه خلال الوقت الأصلي، وقد لقّنهم درساً كبيراً بعدم التهوّر والتكبّر إذا ما أرادوا الذهاب الى الدوحة بإطمئنان كامل.
اتحاد كرة القدم ماضٍ الى ذات الخطّة التي أعتمدها مع مدربين سابقين بعد تسمية كاساس، وهي إقراره منهاج معسكر داخلي في مدينة البصرة لذات المجموعة من اللاعبين، وتدبّر ذلك عن قصد، بعد أن ترك المنتخب بلا مدرب 8 أشهر بذريعة عدم وجود استحقاق رسمي له، في حين أن الاستحقاق الأكثر خطورة على مصير كرتنا هو قناعة الاتحاد الراسخة بأن التشكيلات التي جرّبها في تصفيات كأس العالم 2022 مع ثلاثة مدرّبين خرجت عن الخدمة الوطنيّة إلا من بعض عناصرها القادرة على الاستمرار!
لهذا توّجّه الاتحاد للتعاقد مع كاساس قبيل شهرين من بدء بطولة الخليج كي تبقى خيارات المدرّب مُحدّدة بعناصر التشكيلة الحالية أو العودة لمن فشل في تصفيات المونديال، ولن يحقّق الاتحاد شيئاً من وعده ببناء اللعبة برغم إكماله اليوم 14 شهراً بالتمام من عمر انتخابه في 14 أيلول 2021!
يقيناً لن يُترك كاساس حُرّاً في عمله، كما متوقّع، وبخلاف جميع مدرّبي العالم يظلّ أي مدرب مُتعاقِد مع الاتحاد أسير تنظير مستشاري رئيس الاتحاد أو الرئيس نفسه في وضع ستراتيجيّة فنيّة في بيئة لم يألفها، وسيرضى بما يتلقّاه من بيانات يتعامل معها وفقاً لما يتاح له من مباريات وديّة ومستلزمات تطوير وحظوظ طالما أن قيمة عقده تجاوزت المليون دولار مع طاقمه! فنحن جُبلنا على مضيعة الوقت مع قواعد فاشلة لا نجرؤ على تغييرها ونمنح أنفسنا إجازة مراجعة ونجعل من نقطة التعادل الأخير نقطة حياء في جبين العراق عسى أن نهرع ونرصَّ الكفوف لئلا تسقط!
خير الكلام - قوله سبحانه وتعالى: (وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ).