اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: متى ستصطادُ جائزتك التالية؟

قناديل: متى ستصطادُ جائزتك التالية؟

نشر في: 19 نوفمبر, 2022: 11:04 م

 لطفية الدليمي

قُضِي أمرُ نوبل الأدب لعام 2022 عندما توّجت آني إرنو بجائزتها. هل تستحق إرنو هذه الجائزة؟ أقولُ بوضوح كامل: هناك من هو أكثر استحقاقاً منها بالتأكيد. مارغريت آتوود و هاروكي موراكامي و ميلان كونديرا أمثلة على مستحقين أعلى مقاماً وصنعة روائية من إرنو لنوبل الادب؛ لكن ماذا تفعل إزاء خيارات أباطرة نوبل؟ لعلّهم يرون مالانرى !!

لكن ربما هناك فضيلة في خيار نوبل، وسيبقى فضيلة حتى لو كان على غير قصد مسبق. تبقى إرنو أكثر حاجة للتقدير الأدبي ومايقاربُ المليون من الدولارات النوبلية بالمقارنة مع آتوود أو موراكامي. هؤلاء الأخيرون شبعوا تقديراً ومالاً ولقاءات وحوارات. العدالة النوبلية أمر جميل ومحمود في كلّ الاحوال. لانعرف ماستفعله إرنو بدولارات نوبل. قد تنفقه في بذخ لطالما كان مؤجلاً أو غير متاح لها في أيامها الخوالي. لاضير في ذلك ولامثلبة.

سيعترض كثيرون: أليست الجوائز الادبية تكريساً للجدارة والاستحقاق؟ بلى، هكذا ينبغي أن تكون، أو على الاقل هذا مايصرّحُ به مانحوها؛ لكن ثمة ماهو أهمّ من الاستحقاق يتجوهر في بناء أعراف وتقاليد رصينة تنتفي فيها الإثرة ومحاولة اصطياد الجوائز على طريقة صيادي الرؤوس في أفلام الويسترن الامريكية. الأعراف الرصينة أبقى وأكثر قيمة من الاستحقاق. هنا سيتعالى تساؤل جوهري: ماالدافعُ للكتابة إذا علم الكاتب مسبقاً بأنه لن يحصل على جائزة لعمله؟ أظنّ أن هذا سؤال مخطوء ومقلوب بكلّ المعايير. أتراك تكتبُ لأجل جائزة؟ ليس عيباً أخلاقياً أو نقيصة ذاتية أن تفعل هذا؛ لكنه عيب ونقيصة أن تكتب لأجل جائزة فحسب. لن تختلف حينها عن مثال صياد الرؤوس في أفلام الويسترن؛ فأنت تصطادُ جائزة وهو يصطادُ رؤوساً، والمال هو المرتجى في الحالين.

لستً صيادة جوائز أدبية ولاأسعى إليها، وأظنُّ أنّ مسيرتي الأدبية والفكرية تشهد بذلك ؛ لكن لابأس من بعض الحديث عن الجوائز الادبية وفي سياق يتصل بالترتيبات الذهنية والسايكولوجية الحاكمة لعمل المبدعين في عالمنا العربي من جهة،وبالسياقات الحاكمة لعمل مانحي الجوائز الأدبية المهمة في العالم العربي من جهة ثانية. أسعى في نهاية الامر لإعلاء شأن بضعة أعراف أرى أنها يجب أن تسود وتكون لها أسبقية على مسألة الاستحقاق الأدبي التي ستبقى مثار جدالات ونزاعات هي بعضُ طبيعة جوهر الابداع الادبي.

شاعت في السنوات الاخيرة، وربما في العقدين الاخيرين، ظاهرة تكريس بعض الاسماء الأدبية في جوائز الادب الكبرى في العالم العربي. يكفي أن تذكر جائزة أدبية حتى تأتي أسماء المرشحين لجوائزها في قوائمها الطويلة والقصيرة حاوية لأسماء بذاتها، والغريبُ أن تتكرر هذه الاسماء سنة بعد أخرى. ربما تكون هذه الستراتيجية تمثلاً أميناً لمقولة أنّ « كثرة الطرق يفكّ اللحام «. عندما يتكرر إسم بذاته فلابد أن ينال جائزة بعد عدد من السنوات طال أم قصر، والقريب من نظر أعضاء لجان منح الجوائز سيكون بالتأكيد قريباً من قلوبهم.

الاكثر غرابة هو أن ينال روائي أو روائية أكثر من جائزة كبرى في سنوات متقاربة؛ بل حتى في سنتين متتاليتين!! سترتفع أصوات محتجة: وماالغريب في هذا؟ أقول: الغريب هو أن تنتقل أخلاقيات السوق إلى فضاء الكتابة. لايمكن مساواة أخلاقيات السوق بأخلاقيات الكتابة، وأشدّدُ هنا على مفردة الكتابة كفعل مقصود به فعالية الكتابة بذاتها؛ فنحن نعرف جميعاً أنّ المنتج الكتابي سيخضع لاعتبارات السوق من ستراتيجية تسويق وهوامش ربحية واعتبارات لدار النشر. الكتابة فضاء خاص يختلف عن أمر تسويق مخرجات الكتابة.

شاهدتُ قبل بضع سنوات كاتباً عربياً حظي بكلّ الجوائز الروائية الكبرى. سألته المحاورة: هل تطمح بجائزة (كذا) – وهي جائزة عربية وليست نوبل كما قد يظن كثيرون -، أجابها وبريق شهوة المال تلتمع في عينيه: ولمَ لا؟

ليست لدينا أعراف فردية تجاه المال وسطوته في عالمنا العربي، والامر يستوي في حقل الادب وفي غير حقل الادب. قد يكون (س) أو (ص) كاتباً عربياً ألمعياً (أو كاتبة بالطبع!) يبزّ شكسبير ومعظم كتّاب المعتمد الغربي من القدماء والمعاصرين. هذا أمرٌ ممكن؛ لكن ليس أمراً واجباً أن يحوز بالضرورة على كلّ أموال الجوائز الادبية العربية. ليس بالمال وحده يسطع شأن الكاتب أو يعلو شأن كتابته مثلما أنّ الفاقة تقتل الكاتب أو تترك غصّة في قلبه وروحه.

لماذا لانشيعُ عُرْفاً يمتنعُ بموجبه، وبشكل طوعي، كلّ من حاز جائزة أدبية كبرى في العالم العربي عن الترشّح لها ثانية؟ أعرفُ أنّ من شروط بعض الجوائز أن يمتنع حاصل جائزة كبرى عن الترشيح لمدة محددة (خمس سنوات كما أذكر)؛ لكن لماذا لايتحوّلُ هذا الامر لعُرْف سائد ومحترم؟

ليس في بريطانيا دستور مكتوب. تقاليدها السياسية تحكمها أعراف يحترمها الجميع وينقاد لها كأنها قانون ملزم. أعراف الأدب تختلف نوعياُ عن أعراف السياسة. هي أبعد من جوهر أخلاقي خالص. كيف؟ سأحكي لكم بعضاً من الاسباب: الكُتّاب في عالمنا العربي هم في معظم الحالات ليسوا في بحبوحة مالية تكفل لهم الانطلاق في عالم الكتابة من غير هواجس بشأن الحاضر والمستقبل؛ لذا فإنّ جائزة أدبية بقيمة خمسين أو ستين الفاً أو مائة ألف من الدولارات ستتكفل بتأمين جو فكري ونفسي مسترخ بعض الشيء لهم. لايكتفي بعض الادباء بهذا بل تراهم يستمرئون حالة المكسب. اكتُبْ لتكسب المزيد. هكذا يصير حالهم، وهو حالٌ سيء بالتأكيد. أعرف من خبرتي أنّ كلّ من نال جوائز كبرى واحدة بعد أخرى صارت كتابته متعالقة برائحة المال. لسنا غشماء في نهاية المطاف وصار لنا من الخبرة مايؤهلنا لشم رائحة النوايا المخبوءة وراء الكلمات. ثمة أمر آخر: لماذا يتعامل بعض الكتّاب بمنطق اللعبة الصفرية؟ كل شيء لي ولاشيء للآخرين!! أليسِ للشباب من الكتّاب حق؟ أتركوا لهم فسحة من التقدير المالي والادبي ولاتضيقوا عليهم أبواب الجنة التي وُعِدتُمْ بها واستطبتم الاقامة فيها.

هل تكفي الاعراف الشخصية وحدها؟ لاتكفي. القيمة المالية الكبرى لجوائز الادب والتي ينالها فرد واحد أوحد هي الاخرى تساهم في إشاعة أجواء اللهاث وراء الماراثون المالي وتكريس أسماء بعينها. الجوائز الكبرى تُسيلُ لعاب كثيرين. لو أنّ جائزة كبرى بقيمة مائتي ألف دولار تجزّأت لتكون – مثلاً – خمس جوائز قيمة كل منها أربعون ألف دولار، أليس هذا أفضل وأبقى وإيفاء بموجبات العدل في أدنى تجلياتها؟

لاأحب سيرة الجوائز، ولطالما تجنبتُ الكتابة عنها؛ لكنْ سيكون أمراً مزعجاً أن ترى كل سنة بعض الاسماء المكرّسة تتكرر مثل حبات طماطم يجب أن تكون حاضرة في كلّ الأطباق؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram