عبدالمنعم الأعسم
المعادلة تتمثل في ان حالنا يدور في دوامة. من زاوية يبدو ان الحال متماسك او يتحسن ببطء، ومن زاوية اخرى نجد انه يمضي من تدهور الى تدهور، من سيئ الى آخر. مقلوب المعادلة، ان يظهر اختراق يشق المشهد ويشظيه، ثم يعيد تركيبه، على يد شخص (مشروع) يتحول الى رمز للعبور بالعراق الى الخلاص من كوابيس الطائفية والمحاصصة والفساد، ومن طبقة متنفذة تقاتل بشراسة لمنع اي تغيير واصلاح يؤهل العراق لان يكون دولة مواطنة.
حصل هذا في بلاد بعيدة.. الهند.
فمن يعيد قراءة ما حدث لهذه البلاد عشية اعلان الاستقلال، كانت تتخبط في النقطة الحساسة والمخيفة، التي نقف فيها الان، بين الانزلاق الى العنف المفتوح والحرب الاهلية الطاحنة، او الارتقاء الى ركب الأمم التي تبني وتحجز لها مكانا في المستقبل.
والهند، اذا ما تأملنا حالها آنذاك، كانت تشبه حالنا الآن من وجوه كثيرة، سوى ان هناك زعيمٌ ملهم اسمه المختصر «غاندي» يأكل من معزة ترافقه اينما حل، ولم يكن ليحتاج الى حمايات وسيارات مصفحة تفتح له الطريق. ولا يحب التصفيق. في خطاب له عثر عليه مؤخرا في مكتبة بالولايات المتحدة القاه قبل اسابيع من اغتياله، عبر عن امتعاضه من تصفيق الجمهور، قائلاً: «أرجوكم! أرجوكم! أرجوكم! سيؤثر ذلك سلباً في خطابي وفي فهمكم لما أقول. أريد أن أمسَّ قلوبكم، لا أريد أن أحظى بتصفيقكم».
كانت هناك اقوى دولة استعمارية تسيطر على اراضي وخيرات وأقدار الهند، وكان السكان، كما هو الحال عندنا، مشتتون في التعامل مع جيوش هذه الدولة ووسائل الخلاص منها، وكان غاندي يعرف جيدا لعبة المقاومة، وخطر وانتشار السلاح المنفلت. فيما الحاجة الى المقاومة السلمية الاكثر جدوى وجدارة ونزاهة وضمان حياة المدنيين، غير ان قوى العنف والشعارات والرطانات لم تكن تتحمل رسالة غاندي. آنذاك فاجأه شاب من الجماعات «المقاتلة» المتطرفة بالهتاف “ايها الخائن” فرد عليه الزعيم قائلاً: “إنه خطئي أنا، لأنني لم أعلمك الحب” غير ان الرصاصات لم تترك له ان يكمل خطابه بوجوب حماية المحبة بين ابناء الهند، من كل الاجناس والديانات، فلفظ انفاسه وهو يردد: لا بد للهند ان تُبنى بعيدا عن العنف ودعوات التجييش.. ما احوجنا للسلام.
في خطابه الاخير ذاك كان غاندي يذكّر ابناء بلاده بانتمائهم الى دائرة اوسع، قال: «سألني صديقي أمس عما إذا كنت أؤمن بعالم موحد، طبعاً أؤمن، وأنـّى لي ألا أفعل في عصر صحوة أفقر الفقراء». وخاطب ذلك العالم بالقول «إذا أردت أن ترى الهند على حقيقتها، إبحث عنها في كوخ بضواحي المدن، في منزل صفيح متواضع يسكنه أفراد من طبقة البانجي. ثمة 700 ألف من تلك القرى يسكنها نحو 400 مليون من البشر التعساء».
حكمة غاندي بسيطة، بل شديدة البساطة: ان المصائر قد تنكفئ الى دهليز من الثعابين لا نهاية له، وقد تستيقظ في نقطة تاريخية، وان الزعيم الملهم يمكن ان يقف في ذلك المفترق ليصحح المعادلة.
الزعيم الذي لا يستغني عن معزته اينما حل، ولا يحب التصفيق.
استدراك:
جين شارب- من الدكتاتورية الى الديمقراطية