علي حسين
منذ أيام وماليزيا مشغولة بأخبار باني نهضتها الحديثة مهاتير محمد بعد أن أعلنت نتائج الانتخابات التشريعية خسارته لمقعده في البرلمان، وفوز غريمه أنور إبراهيم بأكثرية المقاعد النيابية.. وأتمنى عليك عزيزي القارئ أن لا يذهب بك الخيال وتعتقد أن السيد مهاتير خرج على جماهيره ليعلن أن الانتخابات مزورة،
ويشتم الإمبريالية لانها تآمرت ضده، وأتمنى عليك ايضا أن لا تتوهم بأن الرجل سيسعى إلى تعطيل البرلمان من خلال لعبة اسمها "الثلث المعطل". لم يفعل الرجل شيئاً سوى أن قال للصحفيين إنه سيتقاعد من العمل السياسي: "لا أرى نفسي ناشطاً في العمل السياسي حتى أبلغ من العمر مئة عام، أهم شيء هو نقل خبرتي إلى القادة الشباب ".
لا تزال صورة الطبيب مهاتير محمد وهو يبتسم تسرق الأضواء من صور معظم سياسيي بلاده، ولا يزال اسمه يشعر كل الماليزيين بكل ألوانهم وأطيافهم وقومياتهم بالاطمئنان للمستقبل ، سحر العالم بتواضعه، وصلابته، عندما قرر ذات يوم، أن ينهي التخلف في بلاده، ويضع ماليزيا في ركب البلدان الصناعية، بعد أن كانت تستورد كل شيء تقريباً، وقبل أن يرحل عن كرسي رئاسة الوزراء كان قد وضع خططاً تنموية استمرت حتى عام 2020، تاركاً وراءه إرثاً اقتصادياً وسياسياً .
السياسي الذي أصدر عام 1970 كتاباً بعنوان "معضلة المالايو" انتقد خلاله شعب المالايو واتهمهم بالكسل، فوصفته الحكومة آنذاك بالرجل الساذج، لم يتوقف عن الحلم بالتغيير ، بائع الموز الذي استطاع دراسة الطب في سنغافورة، والشؤون الدولية بجامعة هارفارد، عشق السياسة، وأتقن أصولها، وقرر أن يبدأ رحلتها معها عام 1964، وليصبح عام 1981 رئيساً للوزراء في بلد كان يبلغ سكانه ثلاثين مليوناً، 70 بالمئة منهم يعيشون في فقر دائم، كل ما فعله وهو ينقل شعبه من الفقر إلى الرفاهية ان يذكرهم بالعمل الجاد ، يسخر من المعجزات فيكتب: "ما حدث أبعد ما يكون عن المعجزة لقد حدث النهوض نتيجة للعمل الشاق والإيمان بالحلول العملية والواقعية والاعتراف بالسوق كقوة من قوى النمو والتعليم والانفتاح مع الأفكار ".
كانت البطالة المشكلة الأكبر التي واجهت مهاتير محمد، فكان الحل بإقامة المشروعات الكبرى، وجلب الاستثمارات الأجنبية، ولم يفكر أحد بأن يرمي الصواريخ باتجاه مطار "كوالالمبور". ولم يخرج على الناس بخطابات وشعارات ثورية، لم ينافق ولم يستخدم الدين لأغراض سياسية .. وعندما وجد من يريد أن يزايد عليه في مجال تطبيق الشريعة الإسلامية قال بمنتهى الصراحة: "يريد البعض لأسباب سياسية أن يفرضوا نسختهم من قوانين الإسلام، إن ما يسمى بحزب ماليزيا الإسلامي لا يتمنى سوى تكوين الحكومة والفوز بأصوات بإدعائهم أنهم أكثر إسلاماً من المسلمين".