ثائر صالح
تكلمت الأسبوع الماضي عن زيارتي لمدينة نورنبرغ الألمانية وذكرت المتحف الجرماني ومجموعته الموسيقية. يمتلك المتحف قرابة 600 قطعة من الأدوات الموسيقية صنعت بين القرون السادس عشر والعشرين. ويحوي المتحف عدداً كبيراً من الأدوات التي صنعت في نورنبرغ نفسها، أو في المدن القريبة. وكانت النحاسيات والخشبيات والأعواد وحتى الوتريات التي تصنع هناك خلال عصر الباروك ذات سمعة طيبة في كل أوروبا.
تحتل مجموعة أدوات المفاتيح أهمية ضمن المجموعة، وقد عرضت كل مراحل تطورها من التشمبالو (الهاربسيكورد) والفيرجينال والكلافيكورد حتى ظهور البيانوفورته الذي استعملت فيه عتلات يضغط عليها بالركبة قبل أن تظهر الدواسات (البدال) المعروفة ويأخذ شكله الحديث. وقد زينت الأدوات القديمة مثل الفيرجينال والهاربسيكورد برسوم ملونة خلابة، بالخصوص تلك التي تصنع للنساء الأرستقراطيات.
من الأدوات النادرة المعروضة هناك بيانو مزود بلوح مفاتيح للأرجل كذلك مثل الأورغن الكبير، يستعمل لعزف المصاحبة في منطقة القرار. صنع البيانو في زالتسبورغ النمساوية حوالي سنة 1795. وهناك بعض البيانوات التي صنعها يوهان أندرياس شتاين (1728 - 1792) في مدينة آوغسبورغ القريبة، وهو من أهم صانعي البيانو في القرن الثامن عشر.
نرى في المعرض كذلك ورشة كاملة لصناعة الكلارينيت والأوبو والفلوت من القرن العشرين تعود لجورج غريسل عمل فيها من سنة 1909 حتى وفاته في 1948، ورثها عنه ابنه فريتس وعمل فيها حتى وفاته في 1984 نقلت بعدها إلى المتحف. وهما حرفيان ماهران اشتهرت أدواتهما على صعيد عالمي، ولا تزال شركة غريسل تنتج أجود الأدوات حتى اليوم.
وجدت في المتحف أداتين من الأدوات الموسيقية النادرة والغريبة التي نسمع عنها ولا نراها لندرتها. الأول هي ترومبا مارينا Tromba marina، أي الترومبيت المريمي، أو ترومبيت الراهبات، لكنها في الواقع لا تمت لأداة الترومبيت بأية صلة. فهي أداة وترية طويلة قد يبلغ طولها مترين فيها وتر واحد وصندوق صوت يشبه المثلث الطويل، قاعدته عريضة. يتم العزف عليه دون الضغط على الوتر بل مسّه بالابهام بشكل رقيق في مواقع العقد الهارمونية ليصدر الأصوات الهارمونية الرنانة. كانت الأداة شائعة في العصور الوسطى وبلغت قمة شهرتها في القرن الخامس عشر، لكنها اختفت تقريباً في القرن الثامن عشر.
الأداة الأخرى هي الباريتون، وتسمى كذلك فيولا دي بوردون وهي أداة وترية تشبه التشيلو المعتّب والغيتار في نفس الوقت، وفيها ستة أوتار مع عدد كبير من الأوتار الحرة التوافقية التي تضفي على الصوت طعماً خاصاً يزدان برنين هارموني طبيعي، ويمكن العزف على هذه الأوتار بالنقر بالإبهام كذلك. أهم من كتب أعمالا موسيقية لهذه الأداة الغريبة هو يوزف هايدن، ويعود سبب ذلك إلى كون الباريتون الأداة المفضلة التي عزف عليها الأمير ميكلوش أسترهازي الذي خدم عنده هايدن. لديه منها 175 عملاً متنوعا لموسيقى الحجرة، بتشكيلات مختلفة لكن أغلبها (126 قطعة) بشكل ثلاثي للفيولا والتشيلو والباريتون.