ذي قار/ حسين العامل

احتفل ابناء طائفة الصابئة المندائيين في ذي قار، بإحدى مناسباتهم الدينية والتي يطلق عليها (أبو الهريس).

وتعد مناسبة (أبو الهريس) واحدة من ثلاث مناسبات دينية يحتفل فيها الصابئة المندائيون الذين يبلغ تعدادهم نحو 60 ألف نسمة في جميع أنحاء العالم.

وهذه المناسبات هي، (أبو الفل)، و(أبو الهريس)، و(شيشان عيد)، فضلاً عن اربعة أعياد اخرى تتمثل بالعيد الكبير (دهوا ربا)، ويوم التعميد الذهبي (الدهفة ديمانه)، وعيد الازدهار (الدهفة حنينا)، فضلاً عن عيد (البنجة).

وقال رئيس مجلس أبناء الصائبة المندائيين في ذي قار سامر نعيم، في حديث مع (المدى) إن "ابناء طائفة الصابئة المندائيين يحتفلون اليوم بمناسبة العاشورية (ابو الهريس) وهي مناسبة لإحياء ذكرى نجاة النبي نوح وذويه من الطوفان وتقديم طعام الغفران (اللوفاني) على ارواح المتوفين بعد الطوفان".

وتابع نعيم، ان "إحياء هذه المناسبة يأتي لتأكيد تمسك المندائيين بطقوس الاجداد واستذكار المتوفين بـ (ذخرانه) ذكر وثواب للمتوفين".

وأشار، إلى "اعتقاد كان سائداً لدى المندائيين بان المناسبة تقام لإحياء ذكرى الـ 365 ترميذي (رجل دين) قتلوا في أورشليم".

وبين نعيم، ان "طبخة (ابو الهريس) المكونة من الحبوب فقط ومن دون اللحوم والسمك والخضروات، يرجح ارتباطها بالطوفان و(اللوفاني) الذي اقامه سام بن نوح".

ويواصل، أن "(اللوفاني) الذي يقام بمناسبة (ابو الهريس) يسمى (لوفاني سام بن نوح)؛ كونه يتكون من الحبوب والبقوليات والمواد الاخرى التي كان يحملها معه في سفينة الطوفان".

وأكد نعيم، أن "طبيعة الفرد المندائي تميل الى استخدام كل ما هو طبيعي في غذائه ويتجنب بقدر الامكان كل ما هو مصنع من المواد الغذائية".

ولفت، إلى ان "طقوس هذه المناسبة لا يشترط اقامتها في المندي (مركز عبادة المندائيين) وانما في المنازل وبعدها يوزع طعام الغفران على الجيران من صابئة ومسلمين وغيرهم".

وأفاد نعيم، بأن "طبخة (الهريس) عرفها العراقيون منذ الاف السنين وهي تعود الى سام بن نوح، وقد دأب العراقيون على استخدامها فيما بعد بمناسباتهم مع اختلاف واضح في مكوناتها".

وتتكون طبخة (ابو الهريس) من مواد طبيعية تتمثل بسبعة انواع من الحبوب والبقوليات والزبد الحيواني والدبس، ولا تدخل فيها اية مكونات صناعية وعمادها الرئيسي حبوب الحنطة التي تسمى محليا (حبيّة)، او الرز والعدس والحمص وحبات اللوبيا او الفاصوليا والماش والباقلاء.

ويمكن الاستعاضة بأية مواد بقولية متاحة، وبعد اكتمال الطبخة التي يجري اعدادها في وقت مناسب قبل حلول يوم (ابو الهريس) وفي يوم نظيف بحسب الاعتقاد المندائي وليس من الايام المبطلات، توزع في صباح ذلك اليوم بأطباق يضاف لها الزبد الحيواني والدبس.

ومن جانبه يرى الباحث أسامة قيس مغشغش في بحث له عن معاني المناسبة (ابو الهريس) وجذورها التاريخية، أن "مناسبة (أبو الهريس) من المناسبات التي يحيي المندائيون ذكرها بشكل سنوي وتصادف في أول يوم من شهر تموز، سادس أشهر التقويم المندائي والذي كان يقع أصلاً في نهاية فصل الربيع".

وأضاف مغشغش، أن "التسمية غير مشتقة من اللغة المندائية، وإنما تأخذ طابعاً تراثياً مرتبطاً بثقافة ولغة بلاد الرافدين".

ولفت، إلى ان "ذلك ما نلمسه في استخدام كلمة (أبو) التي تستخدم هنا ككناية وكأن معناها التفصيلي هو (اليوم الخاص بالهريس)".

وبين مغشغش، أن "كلمة (أبو) استخدمت لتشير إلى خصوصية هذا اليوم وارتباطه بأكلة (الهريس)".

ويواصل، ان "(الهريس) كلمة ربما مشتقة من كلمة (هاراصو) الأكدية وشاعت في العربية لتستخدم بكثرة في جنوبي العراق بمعنى دقّ أو طحن أو طبخ الشيء حتى يصبح صغيراً ناعماً أو سائلاً، وهذا ما يتم عمله فعلاً في تحضير هذا النوع من الطعام".

ورأى مغشغش، أن "تفسيرات المندائيين اختلفت لهذه المناسبة؛ وذلك بسبب أنها ليست من المناسبات أو الأعياد الدينية التي جاء ذكرها وتفسيرها في الأدب الديني المندائي، بل جاءت تناقلاً بين الأجيال كموروث اعتاد المندائيون على إحيائه".

وتحدث عن بعض التفاسير الشائعة لهذه المناسبة، بأنها "إحياء ذكرى الـ 365 ترميذي (رجل دين) الذين قتلهم اليهود في أورشليم، وإحياء ذكرى نجاة النبي نوح وذويه من الطوفان، وإحياء ذكرى الفرعون وغرق جنوده عند ملاحقتهم لليهود".

لكن مغشغش استبعد صحة التفسير الأخير، وعزا ذلك إلى أن "فرعون وقومه بحسب النص المندائي (وفليط فارا ملكا هو وروهمي وأوزاري لشوطواتا) الذي معناه (وقد نجا الملك الفرعون هو وأصحابه ومؤازريه في الضلالات) من المردة الضالين ولا يوجد أي مبرر منطقي يجعل المندائيين يقومون لهم بطقوس واستذكار ولا حتى اعتبارهم من الأجداد".