TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > دور الإعلام وضياع الحقيقة في زمن الحرب

دور الإعلام وضياع الحقيقة في زمن الحرب

نشر في: 18 ديسمبر, 2022: 10:41 م

بافلوس نيرانتزيس*

ترجمة :عدوية الهلالي

إننا نشهد تغيرات كبيرة في شكل وممارسات الحرب في القرن الحادي والعشرين مقارنة بتلك التي حدثت في القرن الماضي. ففي النزاعات المسلحة ما بعد الحداثة ،

منذ حرب الخليج ، كان هناك تحول سريع في مركز الثقل من قوة الأسلحة إلى قوة المعلومات. بسبب التطورات التكنولوجية ومشاركة الشركات الخاصة ، وتغير شكل الحرب. وقد صاغت النخب استراتيجيات اتصال جديدة ، وشجعت على المركزية الإعلامية والصحافة الشعبية ، وكذلك «إعادة تدوير الصحافة». وتم تعزيز كل هذا ، مما أدى إلى معايير جديدة لتغطية وتصوير الحرب.

بعبارة أخرى ، فإن هذه الحقائق الجديدة في عصر النيوليبرالية ،هي نتيجة تعزيز ما يسمى بالمجمع العسكري-الصناعي-الإعلامي ، أي تشابك القوة السياسية والعسكرية والصناعات الحربية وأباطرة الصحافة على حساب مصداقية وسائل الإعلام. وبالنسبة لأولئك الذين كانوا في مناطق الحرب منذ الثمانينيات ، سرعان ما تم الشعور بهذه التغييرات على الأرض: أولاً في عملية عاصفة الصحراء وحروب البلقان ، ثم في الحربين في أفغانستان والعراق.

وكانت الخصائص الرئيسية تقوم ، من ناحية ،على دمج الصحفيين العاملين في القوات المسلحة للأطراف المتحاربة ، من أجل السيطرة بشكل أكبر على تدفق المعلومات ، ومن ناحية أخرى ، تعزيز آليات الدعاية بفضل التعاون بين الجيش وشركات العلاقات العامة التي تقدم تقارير جاهزة. وليس من قبيل المصادفة أن يُنظرالى الخطاب الدعائي بشكل متزايد على أنه الحقيقة الوحيدة ، في حين أن الصحفيين الذين يتعاملون بشكل نقدي ويبحثون عن الحقيقة يجدون أنفسهم مستهدفين أو مضطهدين أو مشوهين أو حتى مقتولين. ويتجلى ذلك بشكل أكبر في الزيادة السريعة في عدد المراسلين الحربيين الذين فقدوا أرواحهم على مدار العشرين عامًا الماضية.

باختصار ، إذا كانت الروابط المباشرة مع ساحات القتال قد جلبت الحرب إلى الداخل، فإن المعلومات ستكون رديئة وعقيمة.على سبيل المثال ، تعيد وسائل الإعلام الرئيسية إنتاج خطاب القوة السياسية حول “الحروب الإنسانية” و “الأسلحة الذكية” و “الأضرار الجانبية” ، بينما في الواقع في حروب ما بعد الحداثة ، تضاعف عدد المدنيين الذين فقدوا أرواحهم مقارنةً بالمقاتلين المسلحين.

وهناك ثوابت في العلاقات بين الاعلام والصحفيين في حالة الحرب ،فعندما يُطلب من الصحفي جمع معلومات حول حدث كبير مثل نزاع مسلح ، فهو في الأساس أول من يصنع القصة. والصحفي بالتأكيد ليس مؤرخًا ، لكنه مطلوب منه في الواقع أن يلتقط وينقل للجمهور مايحدث، وقت حدوثه، بالكلمات والصور .

ولكن، كيف سينقل المراسل الحربي في نزاع مسلح ،أكبر عدد ممكن من جوانب الحقيقة بينما حياته معلقة على المحك ، وبينما ينشر المقاتلون أخبارًا مزورة ويفرضون إجراءات رقابة ، وتتنافس وسائل الإعلام مع بعضها البعض. كيف يمكن في الظروف القصوى للنزاع المسلح ، حيث لا يقاتل من أجل بقائه كما يفعل الآخرون ، أن يظل آمنًا ، وكشاهد عيان ، يروي لحظات الموت، والبؤس الذي لا يوصف والتلاعب الدبلوماسي الذي يعيش فيه الآلاف من الأشخاص. لهذا السبب ، من حقبة حرب القرم إلى حقبة حرب فيتنام والحرب الأهلية اللبنانية ، من راسل وهمنغواي إلى فالاتشي وبيج وليروي وفيسك ، سيطر دور المراسل الحربي على تغطية الصراع. لقد كان شخصية أسطورية تقريبًا في الحكايات الشعبية. أما اليوم ، فهذا يميل إلى التغيير.

أما الثابت الثاني في التواصل في زمن الحرب فهو موقف المقاتلين. فلطالما حاول القادة السياسيون والعسكريون تضليل خصومهم من أجل إخفاء الأخطاء وبناء توافق اجتماعي والحفاظ على الروح المعنوية. ومن السهل توثيق المعلومات المضللة بأثر رجعي ، ولكن من الصعب جدًا اكتشافها لأنها تنتشر في منطقة ضبابية.

الحقيقة إن أول ضحية للحرب هي الحقيقة . فالحقيقة - أو بالأحرى جوانب معينة من الحقيقة - مكبوتة أو مشوهة بسبب الدعاية والرقابة. لقد قال رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج لمحرر صحيفة مانشستر جارديان خلال الحرب العظمى: “إذا عرف الناس الحقيقة حقًا ، فإن الحرب ستنتهي غدًا».

يعتقد البعض أن دور المراسل الحربي في عصر ما بعد الحقيقة والأخبار المزورة و “إعادة تدوير الصحافة”، قد تم طمسه بل ان دور المراسل الحربي في حروب مابعد الحداثة قد تدهور كثيرا. لكن وجود الصحفي في منطقة حرب أصبح ضروريًا أكثر من أي وقت مضى. شريطة أن يكون لديه أدوات معينة ، ويمكنه اكتساب المصداقية وتقليل مخاطر التحول غير النقدي للرسائل الدعائية. ويعد الإبلاغ من مناطق الحرب أول محاولة لتسجيل التاريخ في الوقت الفعلي. وكما قال روبرت ماكنمارا ، وزير الدفاع في إدارة نيكسون ، فإن “محاولة إخراج التاريخ من الأحداث المعاصرة هي تمرين محفوف بالمخاطر.»

منذ زمن الحرب العالمية الأولى والحرب الأهلية الإسبانية وحتى اليوم ، تم تسجيل مدرستين فكريتين في المجتمع الصحفي. وفقًا للأول ، يجب أن يصف الصحفيون حالة الحرب “بموضوعية” ، بينما وفقًا للقضية الثانية ، فالموضوعية هي أسطورة وهدف المراسل الحربي هو إلقاء الضوء على أكبر عدد ممكن من جوانب الحقيقة. ، مع التركيز بشكل أساسي على الجانب المظلم من الأحداث.في رأيي، يظل الصحفيون الملتزمون بالمدرسة الفكرية الأولى على السطح بشكل عام ويدافعون عن “الجانب الجيد” ويعيدون إنتاج خطاب الدعاية. وهناك بالطبع من يطبق قواعد الصحافة المثيرة والصحافة الصفراء لإثارة غضب الجمهور وزيادة عدد القراء أو المشاهدين. ويهيمن على المدرسة الفكرية الأولى أسئلة “من فعل شيئًا ومتى وماذا”. بينما يهيمن على المدرسة الفكرية الثانية أسئلة “لماذا حدث شيء ما”. إنه صراع بين مدرستين ، إحداهما نزاهة مزعومة والأخرى تحيز صادق.ومن الواضح أنني أضع نفسي في المدرسة الفكرية الثانية. لأن الحرب لا تدمر السلع المادية فقط وتؤدي إلى موت البشر ، فهي لا تقوض الحياة الطبيعية فحسب ، بل إنها تتعارض مع الديمقراطية. ولهذا السبب قد تكون وسائل الإعلام في نهاية المطاف عاملاً رئيسياً في نتيجة الحرب.

أعتقد أن فهم الأسباب الجذرية لنزاعات ما بعد الحداثة وعواقبها - ومن واجب المراسل الحربي المساهمة فيها - من المرجح أن يمنع الرأي العام من قبول إضفاء الشرعية على البربرية ، وتطبيع اللجوء إلى العنف المسلح و منع كابوس حرب أخرى. وهذا لا يعني أننا لم نكن نعرف ما كان يحدث حيث تفقد الحياة البشرية قيمتها .

* كاتب ومراسل حربي يوناني

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

دراسة: الضوضاء قد تزيد من خطر الإصابة بنوبة قلبية

ضد منافس شرس.. متى تفوز المراة بحقوقها؟

ما حقيقة استقالة وزير النفط؟

البرلمان يعتزم اطلاق دورات تثقيفية "إلزامية" للمقبلين على الزواج للحد من العنف والطلاق

(المدى) تنشر قرارات جلسة مجلس الوزراء

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

 علي حسين ظل السادة خضير الخزاعي وأسامة النجيفي وصالح المطلك وإبراهيم الجعفري وفؤاد معصوم وعباس البياتي وعتاب الدوري وحسن السنيد وغيرهم يهلّون علينا كلَّ يوم قبل الغداء وبعد العشاء من خلال الصحف والفضائيات،...
علي حسين

كلاكيت: البحر الأحمر في فينيسيا

 علاء المفرجي بعد مشاركتها في الدورة السابعة والسبعين من مهرجان كان السينمائي لعام 2024م، من خلال أربعة أفلام سينمائية وعدد من المبادرات والفعاليات. وتتضمّنت قائمة الأفلام التي حصلت على دعم المؤسسة: "نورة" للمخرج...
علاء المفرجي

تدهور الرعاية الصحية الراهن لا تُعالجُه الوعود المعسولة!

د. كاظم المقدادي أنتجت المنظومة السلطوية القائمة على المحاصصة الطائفية والإثنية، وتقاسم النفوذ والمليارات، والمناصب والإمتيازات، ظواهر بغيضة، كالتسلط والهيمنة على مقدرات البلد، بدأتها بإفراغ الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى من الموظفين الكفوئين إدارياً وذوي...
د. كاظم المقدادي

عن المرجعية الدينية

حيدر نزار السيد سلمان كتب ويكتب الكثيرون عن خليفة المرجع الديني اية الله العظمى السيد علي السيستاني بالإضافة إلى جهود بعض مراكز البحوث المهتمة بالشأن العراقي، وهذا دلالة على أهمية المرجعية الدينية من النواحي...
حيدر نزار السيد سلمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram