خنساء العيداني

حين كتب الفنان هاشم تايه Hashim Tayih عن الرسام البصْريّ جعفر طاعون، متناولا ارضية اللوحة، وانفصالها عن الاشكال الطافية كمعمار علبة السردين، فأوعز ذلك الى اشتغال الرسام للسطحين واحدا بمعزل عن الاخر؛ فتذكرت ثلاث تجارب (مكتظة) باللون ولا تكترث لأرضية اللوحة كثيرا، هي تجارب الرسامين العراقيين فيصل لعيبي، وصدر الدين امين، وأيضا الرسامة jill lewis..

تستحضر جيل لويس لحظات مجزأة تشبه الحلم على قماش اللوحة، من خلال اشتباكات متعددة الطبقات تُترجم إلى شعور مألوف، فيظل المشاهد منغمسا في رحلة تصويرية، تجمع، في آن واحد، صراحة تماثل صراحة الأطفال ولكن بشكل متطور بطريقة غير عادية.

تنسج جيل لويس بمهارة مقتطفات من “الحياة اليومية” في: أقمشة مرحة وشاعرية، من خلال مشاهد لحيوانات أسطورية، وأشياء خيالية، والنتيجة عمل كبير استمر عشرين عامًا، يروي لحظات الحياة المراوغة، والخاصة عبر لوحاتها؛ فتتعمق الفنانة في الثقافات القديمة، وتستعير الرموز والأجواء المقدسة، والطواطم، والمخلوقات الأسطورية الشهيرة، ولكنها، في كل اعمالها، تؤكد تقنية الرسم الخطوطي، والعفوي للألوان الترابية الغنية، والعجائن الملونة الجيلاتينية، باسوب متفرد، واستعارات متفردة، ولحظات خاصة تكمن وراء قصصها، فيشكل هذا الكون الشاعري، والغنائي، والبدائي مرحلة ممسرحة لطاقمها الخيالي من المخلوقات، والشخصيات المعروضة امام الجميع.

تتأمل لويس في لحظات انطلاقها التي أدت إلى مسيرتها الفنية المزدهرة الان فبعد أربع سنوات في معهد (RMIT) مع مدرسين من بينهم: Andrew Sibley و Jan Senbergs و James Meldrum و Rick Amor حيث تعلمت أن الزخرفة السطحية يمكن أن تكون مرضية، ولكن هذه اللوحات تحتاج، إضافة لذلك، عظاما قوية لتحقيق النجاح، فكانت تقضي، في ستوديوهات رور عام 1984 على فنانين مبهجين ومحفزين، فكانت تشاهدتهم يرسمون، ويرسمون؛ مما أعطاها حبًا وتقديرًا للإيماءات العفوية التي جعلت رسوماتها مفعمة بالحيوية، والبديهية، وألهمتها نهجًا جديدًا.

لقد شكلت السنوات التكوينية للفنانة قضتها في المراقبة الشديدة، واكتشاف الذات على مدى عقدين من العرض، بالإضافة إلى اللجان الرئيسية في كوينزلاند وملبورن. قامت لويس بالرسم بدوام كامل لتلبية الطلب على عملها

الفريد بعد أن عرضت في معارض ليبي إدواردز في جميع صالات العرض الأربعة منذ عام 1998. ويتم تمثيل أعمالها في مجموعات في جميع أنحاء العالم وفي جميع أنحاء أستراليا.

كتب عنها الكاتب المصري (عز الدين نجيب): “ان نبع الفنانة الاسترالية جيل لويس يأتى من المياه الجوفية لفنون الشعوب البدائية التى سكنت القارة قبل حلول الاستعمار الإنجليزى، كنوز آتية من الرموز والأساطير والرؤى السحرية ، اشتغلت عليها الفنانة ووظفتها بذكاء دون ان تفقد شيئا من براءتها الفطرية والطفولية، وأدمجتها قى تكوينات معاصرة بأدوات الفن الحديث فى رؤى سحرية على مشارف التجريد، مكتسية ببهجة ونصاعة لونيةمبهرة، مع احترامها لأيقوناتها الميثولوجية وعالمها الأنثروبولوجى منذ قديم الزمان .فإذا كان ذلك هو المنبع الأصلى، فهل ثمة جدال فى أنه يمثل حضارة لإنسان هذه القارة حتى ظل ملهما لفنانيها الجدد لإبداع فن حديث على انقاضه؟..لكن ماذا كان نصيب الإنسان صاحب هذه الحضارة وصانع ذلك التراث من الرعاية على أرضه التى انتزعت منه بأيدى الاستعمار، أم أنه تم فقط استغلاله وتهميشه وانتهاك حقوقه مثله مثل كل السكان الاوائل فى شتى القارات التى غزاها الاستعمار الأوروبى والأمريكى على مر العصور؟..

لكن الفنانة جيل لويس ترد الاعتبار لهذه الحضارة - أرادت ذلك أم لم ترد - بإحياء رموزها وخيالاتها وأحلام أصحابها الاوائل، وبإدماجها فى حضارة العصر الحديث لتصبح أسطورة عصرية”.