اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > المـتـمـردون كـلام الـفـقـراء

المـتـمـردون كـلام الـفـقـراء

نشر في: 18 ديسمبر, 2022: 10:46 م

ناجح المعموري

ما زلت شغوفاً باهتمامات الكاتب علي حسين الذي أخذني الى مجالي الفلسفي الذي تفرع من مجالات غير بعيدة عن الفلسفة على الرغم من أنها تتخذ انشغالاً ليس بعيداً عن اهتمامات فلاسفة كبار في تاريخ الفكر العالمي

وأكثر ما اشبعتني اصدارات علي حسين الحب وصرامة الفلسفة وتبلورت علاقة لنا مع صحبة الكتب / دعونا نتفلسف / غوايات القراءة / سؤال الحب / كتب ملعونة / مائدة كورونا / احفاد سقراط / المتمردون / وكنت أول من يقرأ اصداراته بشغف عالي وأكتب عنها بحماس وإضافات اعتماداً على مصادر متجاورة مع منشوراته وكنت أذهب طويلاً على السير الذاتية الموجودة في المكتبات الخاصة لنا.

ما يجعلنا أكثر صداقة مع مثقف بارز وذاكرة متميزة قادرة على استعادة معلومات فريدة لا يعرفها إلا القليل وهذا ما وظفته كثيراً لحظة تساؤلي عن مجال ثقافي، فتنهال ذاكرته وتسعه مغذية لي ويمنحني مقالات طويلة محفوظة لديه وما زلت أتذكر بأني انشغلت بالشاعر رامبو ورجوته تزويدي بما متوفر، لحظات حتى قدم لي مقلاً مهماً عن رامبو “ جميعنا نبحر في أنهار عصية “ قال فيها رامبو إن على الشاعر أن يبحث عن الجديد، وأن يرتاد المجهول، إننا نريد، مادامت هذه النار تلهب الدماغ أن تنغمس في لجة الهاوية أكانت جحيماً أم سماء، في لحظة المجهول من أجل اكتشاف الجديد. وكثيراً ما سألته عن الجديد لديه، وهو الذي قادني عبر جديدة عن عالم نفسي كبير هو د. مصطفى صفوان سكرتير عالم النفس الفرنسي الشهير لاكان وأخذت منه واقتنيت ما جعلنا غنياً بالجديد.

ارتبطت بصداقة قوية وعميقة مع الأستاذ علي حسين وانفتح أمامي بكل ما أحتاجه من مصادر في اشتغالاتي الثقافية والمعرفية، وهي معروفة للجميع، لأن ثقافية المدى مرجعة بما اكتبه. وكلما شعرت بضرورة للتغذية ببعض المصادر، اهرع الى المدى والتقي مع علي حسينوسط غرفة زجاجية جدرانها كتب هائلة يمنحني بما اريده واودعه مغادراً وهو عارف بالذي انا مهتم به من كتابات عن الانثربولوجية / المخيال / ارادة الذاكرة / الاستشراق / الكولوينالية / النسوية واستجيب لكل ما يريده مني من اجل الحفاظ على كتبه، لكنه لم يسجل في يوم ما او دعني من كتب، ثقته عالية.

ما نشره كثير ومثير للاهتمام، وما يكتبه في تكريس اهتماماتي من مصادر متنوعة، دائماً ما يزودنا بما هو مهم وجوهري، ونطمئن على مشروعنا الثقافي والمعرفي عبر التغذية والاطلاع على كل ما هو جديد، انا اعرف بشكل جيد مثلما يعرف القليل من اصدقاء علي حسين ان مكتبته عملاقة شامخة بكل ما هو جديد وصادر حديثاً، لذا تمكن من اقتراح مشروع ثقافي ومعرفي مختلف ومغاير لم يبدأ به احد من المثقفين وتمكن من خلاله فتح منافذ لتطوير المجالات الثقافية والمعرفية وتوجيه الشباب نحو تطوير الوعي وتحفيز الامكانات، وكنت كتبت في مقال قصير حول ضرورة انتباه الجامعات / كلية الفلسفة وتنوعات العلوم الانسانية لتطوير هذه التجربة الرائدة. لكن الدعوة لم تحقق نجاحاً ولم يشر مشروع الاستاذ علي حسين من قبل اصحاب الاختصاص اهتماماً بإقامة الفعاليات الثقافية او الكتابة عن الاصدارات بوصفها مشروعاً جديداً يستحق الاحتفال.

والمثير لملاحظة تعني ما هو جوهري بالمشروع الذي لمست له هو صدور منشورات عن دور نشر عربية وتتكرر طبعات المنشور بسبب عليها.

طرح الاستاذ علي حسين سؤالاً “ لماذا نقرأ الكتب المتمردة؟ والمجال الثقافي والمعرفي الذي عرف به علي حسين يستوجب طرح الاسئلة، لان درس الفلسفة التساؤل والحراك نحو ما هو عميق حتى صارت علاقة علي مع الكتب نوعاً من الحب والانغمار بكل ماله علاقة مع العشق المولد للدهشة لديه، وكشف مقدمة كتابه “ المتمردون سيرة فريدة “ وتحتفظ ذاكرتي بمكملات سيرية غنية غذتها المكتبة التي عمل فيها في ساحة الطيران وعلاقاته النادرة مع اصحاب مكتبات توفر له ما يريد الاطلاع عليه اعترف بأنه صار ذاكرة للمكتبات والتعريف بكل ما يعرفه من معلومات عن الكتاب المرغوب ومؤلفة، هذا جعل من الاستاذ علي في مرحلة مبكرة ارشيفاً نادراً “ وقرر ان يكون اولف كتاباً وان اكتب مقالات عن الكتب التي رافقتني اثناء مسيرة حياتي، وجدت ان الامر ليس بالهين، فإذا كنت اعطي رأيي من قبل شفاهة ولأناس لم يقرأوا هذه الكتب، فما اكتبه سوف يترك أثراً، ويمكن ان يوقعني في مطبات كثيرة. وبسبب هذه المواقف التي رافقتني في حياتي تولد في نفسي شعور بانني يمكن ان اكون مؤهلاً لان اشرك خبرتي في القراءة والعمل بائع كتب وفتح النقاش حول الكتب التي قرأناها، والتي لم نتمكن من ان نقرأها “

تتكشف ذاكرة القارئ الحافظ وبذكاء التفاصيل الكتاب ومعرفة كل شيء عن الكتاب ومعرفة كل شيء عن الكاتب الذي دائماً ما يصير صديقاً وصاحباً مخلصاً في القراءات كلها حتى قال بأنه وقع بغرام كل الكتب التي كتب عنها وذكرتها وكل واحد من كتبه تهيكل على كتبه ضخمة ورصد خزاناً من المصادر الممكن الاستناد عليها وتعميم الفائدة اكثر. كل ما اشار له يفضي نحو مشروع متعة القراءة. ويزودنا علي حسين باستدلالات عالية الاهمية. والجودة وهو اكثر موقف لفت انتباهنا للروائي والمفكر البيركامو الذي قال “ لم انسى قط قراءتي لأول كتاب في حياتي بعد ان انتهيت منه بدأت اخطو متقدماً في الارض المجهولة.

مزوداً بحرية غريبة وجديدة. اذا علمت حينها ان الكتب لا تقدم المعارف والمتعة فقط. نوبات سعادتي تلك بدأت يوم وقفت امام واجهة احدى المكتبات.

ما قاله البيركامو شهادة عميقة وذات شعرية وبلاغة، لان الاحتفاظ بالذاكرة التي امتلكت ارادتها واستعاد لحظة قراءة الكتاب الاول وما يعنيه ضمن تكونات خزان الذاكرة الممتلئ بأنواع الكتب. ولأهمية ما قاله البيركامو واستعادة لحظة القراءة الاولى واهمية الكتاب وما يمكن ان نشير اليه وفيه استعادة رأي مهم للمفكر البيركامو “ يعتقد فرويد ان القراءة فعل من افعال التعويض. او كما قال كامو ممكن للقراءة ان تنقذنا من العبث الروائي ستاندال كان يقول لرفاقه ان القراءة هي التي تجعله يحب الحياة وضوح ملاحظات المبدع ذات العلاقة بالكتب والقراءة فيض شعري فيه تمجيد عظيم وصعود التشوق لإدامة الصداقة مع الكتاب الصداقة مع الكتاب ومن هنا نشأت لحظة علي حسين المجيدة والتي حازت تعددها وتنوعات.

وتضمنت يوميات سارتر : كان يبدو لنا طبيعياً ان تنمو الكتب كما تنمو الاشجار في الحديقة، لقد وجدنا في انفسنا منذ الصغر، هواية القراءة واغرمنا جداً براسين وفلوبير “ وللمشترك الجوهري بما توفر فيه من بلاغه هو الانشغال الفلسفي المهم بين كامو وسارتر وكلاهما ذهبا لخسران الصادم الممثل له بوفاة بروست وبعد اكثر من خمسين عاماً، قال رولان بارت، ان قراءة بروست نبهتني الى ان “ القراءة العملية مبدعة وكسيرورة حية هي ابعد ما تكون عن كونها مضيعة للوقت.

قراءة كتب علي حسين تساعد كل من لديه رغبة لأعداد رسالة اكاديمية سيتوصل الى سيرة مثقف بارز وكبير وسينجح حتماً في الحلم المطلوب، لان السيرة الذاتية مزدحمة كثيراً بالأسماء البارزة، ومكتظة بأفكار الفلاسفة والشخصيات ذات الحضور الثقافي البارز. وما اشرنا له لا يتوفر لمن لديه رغبة الكتابة الاكاديمية لو اعتمد على عدد من الكتب الابداعية. والمثال الاكثر اثارة للدهشة هو كتاب “ الغاضبون “ الذي استعاد مكتبياً بارز الحضور واستهوا علي حسين باستعادة “ ابو طه “ صديقي العزيز ولم يغفل علي حسين البيركامو، بل عاود المرور عليه واستحضاره ومنحه ما يستحقه من مجد ثقافي. قال البيركامو : “ اية ثورة تتخلى عن الشرف... تتخلى عن مبادئها... لان الثورة قبل كل شيء، هي الشرف “ وتحت العبارة اسم البيركامو، وهو من الاسماء التي كنت مغرماً بها الى جانب سارتر.

الكشوف السيرية غائبة، لان المثقف نادراً ما يذهب نحو. شهادة منتصرة فقيرة واعتقد بأن الذاكرة الشعرية هي العنصر المقتدر على تفعيل السيرة وفتح منافذ عديدة ملفته للتعرف على شخصية المثقف او الاديب.

المقهى مكان مهم وما يؤكد هذه الاهمية كل ما كتب عن المقاهي البغدادية وتمركز حضور جماعات معنية في كل من المقاهي المعروفة وللأهمية الكبرى التي تتمتع بها المقاهي، اشارت العديد من الدراسات الثقافية، ان المقاهي الباريسية هي قادت الى ثورة 1968 ووصل الاهتمام بالمقاهي ان انجز احد المستشرفين الفرنسيين كتاباً عن مقاهي القاهرة ونشره الروائي جمال الغيطاني... كان الفيلسوف سارتر يقضي اكثر وقته في المقاهي ويذهب باتجاه السوريون التي حرمت معظم العباقرة في فرنسا. حيث كان ميرلوبونتي يلقي دروسه وفي مكان اخر كان ميشيل فوكو يستمع الى توجيهات استاذه لوي التوسير

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

رمل على الطريق

موسيقى الاحد: جولة موسيقية في فيينا

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

مقالات ذات صلة

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي
عام

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

د. نادية هناويإن القول بثبات الحدود الأجناسية ووضوح مقاييسها هو قانون أدبي عام، نصّ عليه أرسطو وهو يصنف الأجناس ويميزها على وفق ما لها من ثوابت نوعية هي عبارة عن قوالب لفظية تختلف عن...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram