اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > باسم فرات: العيب ليس في الجوائز، بل في بعض حامليها الذين أساءوا لها حين «ركنوا للدعة والاستسهال»

باسم فرات: العيب ليس في الجوائز، بل في بعض حامليها الذين أساءوا لها حين «ركنوا للدعة والاستسهال»

نشر في: 26 ديسمبر, 2022: 11:20 م

يرى أن كتابه «اغتيال الهوية» هو لتوضيح موقفه من دعاة الهويات الضيقة التي تُشيطن شريك الوطن

حاوره: علاء المفرجي

- القسم الثاني -

شاعر وكاتب أدب رحلات ومهتم بالهُوية والتنوع الثقافي لإيمانه أن التنوع ثراء، وأنه روافد مهمة في نهر الثقافة العربية والإنسانية،

وفهم هذا التنوع ودراسته تعيننا كثيرًا على مدّ جسورِ المحبةِ والألفةِ والتعارف بين شعوب المنطقة كافة بل وشعوب العالم أجمع.

يلتزم بمبدأ في القراءة والبحث والكتابة مَبنيٍّ على أن يكون المبدع نفسه ولا يستعير حنجرة الآخرين في شعره وكتاباته بل وحتى قراءاته، وهو التزام تبناه منذ بداياته المبكرة في الكتابة.

ولد عام 1967، في كربلاء، • يكتب الشعر منذ الصبا، واتّضح اهتمامه بالشعر قبل سنّ العاشرة، ثم بدأ نشر قصائده في الصحف والدوريات العراقية، بدءًا بجريدة «العراق» عام 1987. توفي أبوه وهو صغير، في عام 1969، دفاعًا عن جارته، فانتقل إلى حضانة جدته، وعمل منذ صباه الباكر، خبازًا، ثم عمل في صناعة التحف النحاسية، ثم عمل بالتصوير الفوتوغرافي؛ وهي المهنة التي احترفها بعد ذلك. ترك مقاعد الدراسة عام 1988، فتم تجنيده بالخدمة العسكرية الإلزامية لمدة أربع سنوات.

وفي الثالث والعشرين من شهر نيسان من عام 1993 غادر العراق إلى الأردن، ثم تقدَّم بطلب للجوء السياسي عام 1996، وانتقل إلى نيوزيلندا عام 1997، وأطال الإقامة فيها، وشارك في كثير من اللقاءات الثقافية والندوات الشعرية، ونشر قصائده في معظم مجلاتها الأدبية، وتمَّت استضافته في الإذاعة الوطنية النيوزيلاندية مرات عدة، للحديث عن تجربته الشعرية وتجارب الآخرين.

انتقل العام 2005 إلى هيروشيما. ثم انتقل العام ( 2008 ) إلى جمهورية لاوس، وانتقل العام ( 2011) إلى الإكوادور، ثم إلى الخرطوم (السودان) العام 2014.

صدرت له ثلاثة عشر مجموعة شعرية، منها أشدّ الهديل، خريف المآذن،أنا ثانيةً. وثمانية كتب في أدب الرحلات، وصدر له في ألسيرة : (دموع الكتابة .. مقالات في السيرة والتجربة)، وفي مجال الدراسات صدر له (أغتيال الهوية). وصدرت عنه خمسة كتب لنقاد ودارسين عراقيين.

حاورته المدى للوقوف عند أهم ما في تجربته.

 يرى الدكتور حاتم الطحاوي أن ابن بطوطة لم يكتفِ فقط بوصف الأماكن من الناحية الجغرافية، وإنما أضاف إلى وصفه الجغرافي وصفا سياسيا واقتصاديا وثقافيا، كما ذكر كثيرا من عادات الشعوب. هل هناك دافع اخر لرحلاتك انت؟

دوافعي معرفية بحتة، رغبة في معرفة الشعوب التي لم تُسلّط عليها الأضواء عربيًّا، وأقول عربيًّا، بمعنى أن المؤسسات العلمية لم ترسل باحثين لتلك الدول لإنجاز بحوث علمية عنها في مجالات مختلفة ابتداء من الجغرافية والتاريخ ودراسة مجتمعاتها دراسة إناسيّة «إنثروبولوجية» معمقة، قد يرى بعضهم في قولي هذا محاولة لمنحي السبق في الثقافة العربية، لكن الحقيقة المرة أن معظم ذاكرتنا عن تلك البلدان والشعوب بُنيَتْ من كتابات أسلافنا الرحالة يوم كنا منتجي معرفة، وما أنجزه الغرب في هذا المجال لاحقًا.

كنت وما زلت مشككًا بما أقرأ، مؤمنًا أن كل كاتب شرقيًّا كان أو غربيًّا لا بدّ لثقافته الأم أن تُسيطر عليه، وتنعكس على كتاباته ورؤيته، فمثلًا لا يمكننا فهم الديانة الشنتوية عند اليابانيين بمنظومة المفاهيم التوحيدية للديانات الإبراهيمية، هنا سيكون الأمر إسقاطًا وليس دراسة علمية محايدة من حيث إن الشنتوية لها منظومة مفاهيم مختلفة، ويجب التسليم بهذا.

 أرى ان الشعر كان بوصلتك مثلما كان سببا في الإبحار الى مدن العالم؟ ما تعليقك؟

لا أبالغ إذا قلت إنني كرّستُ حياتي للشعر، وأن حلم طفولتي الأول والأكبر هو الشعر الذي ما زلت أعمل على تحقيقه، حتى أصبحت معظم «نِعَم الحياة» عندي هامشية، وكم تعرضت للغُبن بسبب انغماسي بالشعر، فمن بديهيات قبولك العمل أن تسأل عن الأجرة التي ستتقاضاها، بينما أنا لم أسأل يومًا هذا السؤال، وعملت في شركة تصوير لسنوات، ولولا أن سألني صديق عراقي مصور أيضًا عن راتبي وحين أخبرته استغرب تمامًا، لاكتشف أن الموظفة التي أنا مديرها راتبها أعلى من راتبي.

هذا كما أرى سببه أن لا بوصلة لي سوى الشعر، فالشعر قادني لعوالم الدهشة والسفر والترحال والقراءات، مثلما قادني لأن أتعرض لغبن حقي في أغلب أماكن العمل التي عملتُ بها، سرقني الشعر من أن أكون أبًا، وأن أكون ناجحًا في عملي، لكني أعترف أن الشعر الذي أخلصت له لم يخذلني يومًا، الشعر هو الغاية التي من أجلها يصبح كل شيء وسيلة، إلّا أشياء معدودة وأعني الإنسانية والإيمان المطلق بوحدة التراب العراقي والدفاع عن اللغة العربية بوصفها اللغة الأولى.

الشعر بوصلتي الوحيدة نحو فضاءات المعرفة والترحال والانغماس بثقافات الشعوب والانغمار بالتنوع البيئي الذي يغذي الـمخيّلة

 في أي البلدان وجدت (ايثاكا) الخاصة بك. بمعنى انك وجدت متعتك في الرحيل اليها لا في الوصول . كما كانت هذه لذة كافافيس؟

قد أختلف مع كثيرين، فأقول إن لا «إيثاكا» في مخيلتي، لأني أجد متعة في الرحيل وفي الوصول، فالرحيل يحرك الـمخيلة بالتوقعات، والوصول يغذيها بالدهشة، ثم إن الوصول للمكان عندي يعني معرفة جديدة وغالبًا ما يكون قصيدة جديدة، وأحيانًا يكون كتابًا جديدًا، ومنها أن كل وصول يعني تحفيز لرحلة أخرى، وإبحار آخر، وعوالم جديدة، يعني مغامرات قد تصل إلى الموت كما حدث معي مرارًا، بل إن متعًا جديدة تلبّستني دون دراية مني، فقد وجدتني حين أعود من رحلة ما، أتأمل جسدي وما طرأ عليه من تغييرات، بسبب تسلق الجبال والمسير الطويل في أعماق الغابات والكهوف، وتربّص الحشرات التي لا حصر لها، وهو ما قادني لمحاولة الاطلاع على عوالم الطيور والنباتات والحشرات والحيوانات والنظم البيئية.

ويمكن قراءة سؤالك قراءة ثانية، فأقول إن متعة البحث والإصرار على الترحال والتنقل بين عوالم ثقافية واجتماعية وبيئية مختلفة، بحد ذاتها «إيثاكا»، متعة أن تخطط وتحزم حقائبك لمكان جديد وأنت تعلم أنك ستنتج نصًّا يحوي عوالم جديدة ومفردات جديدة.

 رغم حصولك على عدد من الجوائز، إلا انك لا ترى فيها دليل تميز وتفرد، كما قلت مرة . هل ترى في بعض الجوائز الأدبية انها أشاعت نمطاً من الإستسهال في الكتابة، أم تراها مقاصد نبيلة في جوهرها؟

نعم؛ الجوائز في جوهرها مقاصد نبيلة لا شك في ذلك، والعيب ليس فيها، بل في عدد كبير من حامليها الذين أساءوا لهذه الجوائز حين «ركنوا للدعة والاستسهال» وغادروا منطقة القلق التي حين تخفت عند المبدع تتضاءل موهبته، الجوائز سلاح ذو حدين، أما أن يجعل حاملها شخصًا مهمومًا بالإبداع والتجديد والمثابرة والعمل الجاد على تجاوز نفسه، وهذه الفئة مع الأسف قليلة جدًّا، بينما الغالبية شاع في منجزاتها التراجع الكبير.

هذه الظاهرة أخذتني إلى أن أضع قواعد لعلها تنقذني أولًا، وتنقذ مَن يقرؤها ويراها ضوابط كي تحفزه على الإبداع، لهذا أرى أن الجوائز تتحول إلى نقيضها حين تمر السنوات تلو السنوات وحامل الجوائز المتعددة، لم ينتبه له النقاد والأدباء والدرس الأكاديمي إلّأ خجلًا. وصدقًا كثيرًا ما تألمت ولا أقول أشفقت - لأني أحترم المبدعين قاطبة – حين أنظر لشعراء أو أدباء حصلوا على أكثر من ثلاث جوائز قبل أكثر من عشرين سنة، ولكن عدد المقالات والدراسات عنهم دون الخمسين مقالًا ودراسة.

ظاهرة التسطيح وانتفاخ الأنا، شاعت على نحو مخيف، وأغلب الجوائز ليست لها قيمة إبداعية كبرى وتفتقد إلى مكافأة مالية مجزية تُغيّر الوضع الاقتصادي للمبدع، فاختلط الحابل بالنابل، وهذا ما

قادني لأن أؤمن أن المبدع الحقيقي – أستثني المتواضع المتصالح جدًّا مع عزلته – يجب أن تتوازى لديه ثلاثة أعمدة هي أعمدة مثلث النجاح، وهي أولًا: المثابرة والنشر وتجاوز ذاته، ثانيًا: هذا يقود إلى كثرة احتفاء النقد بتجربته الإبداعية، أي كثرة المقالات والدراسات عنه، وثالثًا: اهتمام الدرس الأكاديمي، فتكثر رسائل الماجستير وأطاريح الدكتوراه عنه؛ هنا تصبح الجوائز ذات قيمة حقيقية.

عدا هذا، فمَن ظن نفسه «عظيمًا» فليتنعم بوهمه الذي سيقوده حتمًا إلى نهايات محزنة، لأن التجربة الإبداعية شعرية كانت أم غير شعرية، هي مشروع عمر، ومشروع العمر تثقله الجوائز وكثرة الكتابات بالشعور الحاد بالمسؤولية، لقد كانت كلمات «سعدي يوسف» و»سرغون بولص» وحاتم الصكَر» و»قاضل ثامر» والناقد المغربي المعروف «بن عيسى بوحمالة» و»محمد الجزائري» و»صالح هويدي» و»محمد صابر عبيد» وعشرات وعشرات من النقاد والأكاديميين والمبدعين، وليس انتهاء بنقاد هم أقرب إلى عمري وبعضهم أصغر سنًّا، مثل زهير الجبوري وعلي سعدون ومحمد غازي الأخرس وبشير حاجم، أقول إن كلمات هؤلاء وثنائهم على تجربتي الشعرية، زادني شعورًا بالمسؤولية، وحتى اليوم حين أكتب مادة ما، قصيدة أو مقالة أو مادة رحلية، وأعرضها على شخص أثق به، أرتجف وأتعرق مثلما حدث معي وأنا في العاشرة من عمري حين عرضت ما كتبت أول مرة على شخص يسبقني تجربة وخبرة وعمرًا.

الجوائز مسؤولية ثقيلة، مثلها مثل كتابات النقاد والشعراء والأدباء، يجب أن تكون دافعًا للمثابرة أكثر والتأني ومحاولة التجاوز، تجاوز كل ما كتبناه سابقًا، وسأبقى أؤمن أن الجوائز ليست دليلًا كافيًا على التفرد والتميز، وأن خطورتها لما فيها من مغريات تقود للاستسهال وتضخّم «الأنا» الذي يزيح عن كواهلنا تلك الرجفة والتعرق اللتين أراهما ضروريتين للحفاظ على جمرة الإبداع مشتعلة في أعماقنا.

 كيف تمثل نتاجك الشعري والنثري المنفى، بمعنى ما تأثير سنوات المنفى على ابداعك شكلًا ومضموناً؟

لا شك أنني بدأت بكتابة الشعر مبكرًا كما ذكرت مرارًا، لكن ثلاثين سنة من النفي والترحال والغربة والتنقل، والأهم هو شغفي المعرفي الذي قادني إلى أن أنغمس في تلك الثقافات والمجتمعات وأتصالح مع المدن والأمكنة، كل هذا اختمر في داخلي وخرج قصائد تختلف في كثير منها عما كتبته في العراق والأردن وبداية وصولي إلى «زي الجديدة»، يمكنني الزعم أنني من الذين تمثل نتاجهم الشعري والنثري المنفى على نحو جيد وعميق، لأني تصالحت مع الأمكنة وصرت أكتب عنها بوصفها جزءًا إيجابيًّا وليس سلبيًّا، لكن هذه المرحلة سبقتها مرحلة الشكوى والتذمر من المنفى والمكان الجديد، والحنين القاتل للمكان الأول، وكانت كوابيس الحروب والطغيان تلاحقني، وكنت أدوّنها شعرًا لأتخلص منها، لكنني خشيت أن أصبح ضحية هذا الحنين والشكوى والتذمر، فتتلاشى الدهشة في شعري، وتصبح قصائدي عبارة عن قصيدة واحدة مكررة تُكتب بطرائق شتى، ويعرفها المتلقي قبل قراءتها وتصبح توقعات القارئ عنها دقيقة، وهذا هو الفشل الكبير الذي خشيت أن أكون ضحيته، فحولت خشيتي إلى فعل حين رحت أستثمر المنفى إيجابيًّا كما ذكرت في بداية الجواب في أعلاه.

 كيف يرى باسم فرات المشهد الثقافي في العراق؟ وهل برأيك ينبغي ان يكون للمثقف دور في هذا الوضع السياسي الملتبس؟

ينمو الإبداع، ويتوهج المشهد الثقافي في حالات الانفتاح السياسي، هذه واحدة من البديهيات الواسعة الانتشار، لكن بعض المجتمعات تتخطى هذه القاعدة، ومنها المجتمع العراقي، فعلى الرغم من الصراعات والعنف والتأزم السياسي، وويلات العقود الأربعة، لكن المشهد العراقي في نمو وازدهار، كأنما العراقي يقاوم كل هذا الخراب بالإبداع.

حتمًا هناك حالات سلبية وارتدادية وهي كثيرة وجدت طريقها إلى المشهد الثقافي العراقي، وأخطرها الارتداد نحو الـهُويّات الضيقة على حساب الهوية العراقية الجامعة، لكن هذه الحالات السلبية والارتدادية بدأت تخف حدتها قياسًا بما كان عليه الوضع بُعيد الاحتلال الإمريكي للعراق.

وقد أنجبت لنا السنوات العشرون الأخيرة، عددًا لا بأس به من شعراء وأدباء ونقاد وفنانين وباحثين، حققوا حضورًا طيبًا يستحق الإشادة والاهتمام بل والفخر عند بعض المشتغلين بالـهَـمّ الثقافي.

أما ما يخص دور المثقف في الوضع السياسي الملتبس، فإنني شخصيًّا لا علاقة تربطني بالسياسة، ولم أبد رأيًا سياسيًّا، لكنني مدافع عن وحدة تراب وطني والاعتزاز الكبير باللغة العربية لأن المنجز العراقي في غالبيته العظمى والقصوى باللغة العربية، حتى اكتشفتُ في بحوثي عن التاريخ الثقافي العراقي أن مقابل كل كيلومتر مربع واحد في العراق، هناك كتاب أُلّفَ باللغة العربية في العراق إن لم يكن في بغداد لوحدها قبل الاحتلال المغولي. لقد قادني اهتمامي الكبير بتاريخ التنوع اللغوي والعقائدي في العراق وتاريخ هجرات الأقوام غير العربية للعراق، على وهمٍ أن العرب بحسب الشائع وليس كل شائع صحيح، دخلوا مع الإسلام للعراق، بينما الحقيقة أن الوجود العربي يمتد لأكثر من ألف وأربعمائة سنة قبل الفتوحات الإسلامية، وغير العرب جميعهم نزحت أعداد كبيرة جدًّا منهم إلى العراق بعد الفتح الإسلامي، بل إن غالبيتهم نزحوا بعد عام 1500 ميلادية إلى العراق بحدوده الحالية. لهذا أؤمن أن مَن يريد التحدث عن الشأن العراقي سياسيًّا، مهما كان منصبه العلمي أو السياسي، لا بدّ أن يقرأ تاريخ المجموعات اللغوية والعقائدية، وأن يضع نصب عينيه أن الجميع نزحت أعداد كبيرة منهم إلى العراق خلال القرون الخمسة أو الستة الأخيرة، وأن العراق بلدُ كتابةٍ وتدوين، سكانه الأقدمون هم الذين يملكون تراثًا ضخمًا – معظم لغات العالم تفتقد لتراث تدويني ضخم سبق القَرن الثالث عشر الميلادي - بلغتهم سبق الاحتلال المغولي الـمدمّر للعراق، عدا هذا فإن معظم مواقفهم – دفاعًا أو هجومًا - لن تكون دقيقة.

إن كتابي «اغتيال الهوية» هو لتوضيح موقفي الإنساني من دعاة الهويات الضيقة القاتلة التي تُشيطن شريك الوطن، وقد كتبته للشعراء والأدباء والصحفيين والسياسيين، ولم أكتبه للأكاديميين، ليقيني أن معظم الشعراء والأدباء يعملون في سلك الصحافة المقروءة والمسموعة والمرئية، وهم يقودون وعي المجتمع، ويشاطرون السياسيّ في الخطورة، ووجدت من واجبي الإنساني والوطني أن أنجز كتابًا لعله يخفف من حدة الآراء الـمتشنجة سلبًا وإيجابًا، ويوضّح صورة العراق وشعب العراق وتاريخية حدود الوطن العراقي، وحقيقة أن العراق مهد العروبة، حين نفهم العروبة بوصفها فضاء ثقافيًّا حضاريًّا اجتماعيًّا، وليست فضاء سياسيًّا مؤدلجًا، متعصبًا متطرفًا إقصائيًّا، ففي الحالة الأولى هي بناء عراقي بامتياز، وفي الحالة الثانية استوردناها وتطرفنا بها مع الأسف الشديد، لدرجة أحدثت جرحًا في الذات العراقية، وألـمًا كبيرًا لشريك الوطن غير العربي، الذي لا يمكن نكران دوره في الحياة الثقافية العراقية باللغة العربية على امتداد عشرات الأجيال.

وتبقى أمنيتي أن لا يفتي المثقف العراقي بالتاريخ والتنوع وسواها قبل أن يقرأ التاريخ ويعكف على قراءة تنوعنا العراقي المذهل والمدهش، أقول هذا لأني وجدت استخفافًا بحقائق التاريخ عند معظم المثقفين الذين يبدون رأيًا سياسيًّا أو وطنيًّا.

 ماذا عن مجموعتك الشعرية التي فازت بجائزة «حلمي سالم»؟

ديواني «مرح في الأساطير» هو العاشر في مسيرتي الشعرية، وقبل إرساله لجائزة «حلمي سالم» في مصر، أرسلته لعدد من الأصدقاء، منهم الأستاذ الناقد حاتم الصكَر الذي أرسل لي «بصمة صوتية» بقدر ما أفرحتني بقدر ما أربكتني، لا سيما وأن آراء أخرى كانت متطابقة معها وهي رأي صديقي الشاعر «عقيل منقوش» والشاعر والناقد والكاتب «محمد غازي الأخرس» كذلك آراء أكاديميين على اطلاع واسع وتام بشعري منهم الدكتور «حسن الجنابي» من جامعة بابل الذي أشرف على أول رسالة ماجستير عن مجموعاتي الشعرية التي صدرت قبل عام 2019 ميلادية، والدكتور «مشتاق البديري» الذي كانت أطروحته للدكتوراه عن تجربتي الشعرية.

منذ ذلك الحين، أي منذ شباط 2022 ميلادية، وأنا لم أكتب سوى قصيدتين فقط، والسبب هو حالة القلق التي أعيشها، لأن ثناء يأتي من مختصين وقراء محترفين، هو مسؤولية كبيرة تجبرني أن أتأنى كثيرًا، احترامًا للشعر ولهم ولتجربتي، عشرة شهور مدة طويلة بالنسبة لشاعر متفرغ للشعر، لا أطفال ولا وظيفة تمنعه من الكتابة، لكنها رهبة الشعر واحترام آراء أصدقاء أكنّ لهم كل الود والاحترام، هي التي تجعلني أضع مسافة لأستطيع تأمل تجربتي الجديدة في ديواني «مرح في الأساطير»، هذا الديوان الذي بحسب مَن ذكرت يمثل أعلى مرحلة وصلت إليها حتى الآن، ونظرت إلى آرائهم بأنها جائزة أخرى تقف ندًّا قويًّا للجائزة التي حصل عليها الديوان.

هذا التوقف ليس وليد لحظته، فحين كتب الشاعر سعدي يوسف «لقد وجد باسم فرات طريقه المتفرد في المشهد الشعري العراقي الرائع» بقيت شهورًا لا أستطيع الكتابة أمام جسامة مسؤولية هذا الرأي، وتكرر الأمر مع ثناء الشاعر سركَون بولص، ومع كل ناقد وشاعر مهم تناول تجربتي الشعرية مثل حاتم الصكَر وفاضل ثامر ومحمد الجزائري وبنعيسى بوحمالة وعبد اللطيف الوراري ومحمد أحمد المسعودي وهاشم شفيق وعيسى حسن الياسري ولطفية الدليمي وعبد الستار ناصر وجاسم عاصي وناجح المعموري وآخرين، وهذا القلق وهي المسؤولية لهي دليل احترام للذين كتبوا عني ولنفسي أيضًا، فضلًا عن إيماني أن الشعر غاية ويستحق أن تُكرّس له حياتك وتضحي بالكثير من أجله.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

رمل على الطريق

موسيقى الاحد: جولة موسيقية في فيينا

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

مقالات ذات صلة

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي
عام

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

د. نادية هناويإن القول بثبات الحدود الأجناسية ووضوح مقاييسها هو قانون أدبي عام، نصّ عليه أرسطو وهو يصنف الأجناس ويميزها على وفق ما لها من ثوابت نوعية هي عبارة عن قوالب لفظية تختلف عن...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram