TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > ماذا صنعت بنا الكرةُ؟

ماذا صنعت بنا الكرةُ؟

نشر في: 27 ديسمبر, 2022: 09:39 م

كه يلان مُحمد

كل ماتوصل إليه الفكرُ البشري من الاكتشافات المعرفية وتعدين الآليات التي تمكنه من تدبير شؤونه الحياتية ماهو إلا حصيلة الصراع مع إكراهات الواقع وتحدياته.كما أنَّ التطلعَ إلى تحسين نمط المعيشة وإنشاء ما يضاعفُ من التشويق والاجواء الاحتفالية في مُهلتنا الزمنية المحدودة من العوامل الأساسية في تشكيل أسلوب الحياة،

وتعميق الرغبة في ممارسة الاختيارات التي تساهم في تركيبة الشخصية.بالطبع مايكون تحدياً كبيراً بالنسبة للإنسان هو مواجهة الجفاف الوجودي، والتخفف من القلق الروحي لذلك فإنَّ البحث مابرحَ مستمراً عن الوصفات المداوية لهذه الحالات.مع أنَّ الأولوية في معجم يومياتنا هي للواقعية والتفكير الواقعي،لكن في الحقيقة أن المرءَ لايمكنه الانخراط في الواقع وهو عارٍ من الاستعارات.والأمرُ لايقفُ عند هذا الحد،بل التعبير عن المشاعر الداخلية لايكونُ مباشراً بل يتم التستر عليها بشبكة من الاستعارات للإفصاح عن المكنون العاطفي مايعني أنَّ الإستعارة هي بمثابة تميمة يتوسلُ بها الجميعُ للتغلب على الوحشة القاتلة.إذن ماحفر على المسلات وما رسمَ على اللوحات الراقدة في المتاحف أو ما كُتبَ على جدار السجون كل ذلك ينصبُ في مساعٍ رامية لكسر الحصار القاسي والمراوغة مع الواقع وعدم التقيد بمحدوديته.كذلك فإنَّ الغرض من التماهي مع الأعمال الإبداعية والشخصيات الأسطورية هو إحداث الثغرة في طوق الإكراهات المُحيطة بحركة الإنسان.ولاشكَّ أن اللعبة تُمثلُ استعارةً رشيقة أضافها الإنسان إلى طاولة فتوحاته وزادت من خلالها إمكانية التنفس خارجَ سلسلة من الأوقات المُسقفة بحدود الالتزامات الممُلة ومن المعلوم أنَّ الإهتمام بهذا المجال الترفيهي قد أثار الجدل على نطاق واسعٍ واستخف عددُ من الفلاسفة والأدباء بظاهرة الشغف باللعبة لاسيما لعبة كرة القدم على إعتبار أنها أكثر شعبية وجماهيرية في مُختلف بلدان المعمورة.إذ يصفُ عالم الإجتماع جان ماري بروم الساحرة المُستديرة بالطاعون العاطفي.وكان تفسير بورخيس للاهتمام الذي تحظى به كرة القدم على المستوى الشعبي هو انتشار الغباء والسطحية.

صناعة الفرح

إنَّ مناهضة هذه اللعبة والاستهانة بمشاعر متابيعها لاتحجبان حقيقة مايعنيه المستطيل الأخضر بالنسبة للجماهير وتفاعلها مع حيثيات اللعبة إذ يكتسبُ وجود الفرق الوطنية في المناسبات الرياضية قيمة وجدانية ومايقدمهُ اللاعبون من الاستعراضات الكروية يكونُ أشدَ تأثيراً من رطانة الشعارات السياسية من حيث القوة الاقناعية ويفوق بلاغة على الحذلقة الثقافية،والترسانة المَفاهمية المُستهلكة في تضليل العقل وتعتيم الرؤية.ومن الملاحظ أن ثمة حملةً يشارك فيها بعضُ مايسمى بالنخبوية الثقافية تهدف إلى الربط بين التخلف والإهتمام باللعبة غير أنَّ واقع الحال يُناقض هذه النظرة النمطية فالبلدان التي يحفلُ تأخريخُها بالحراك الفني والمبارزات الفكرية تُسجلُ مآثر في الملعب، وفي هذه المساحة يدور الصراع على الجدارة بالألقاب.واللافت أن مع انطلاقة مونديال قطر قد أشارَ كثيرُ من المراقبين إلى أنَّ الفرق الأووربية قد هيمنت على المشهد المونديالي منذ 2006 وبالتالي يطرحُ السؤالُ بشأنِ إمكانية الفرق الغريمة من أمريكا اللاتينية أو من أفريقيا والبلدان العربية بانتزاع اللقب والفاتنة الذهبية.في دورة مونديال 2022؟.عليه فإنَّ المُعطيات تشهدُ على أنَّ الرياضة على العموم وكرة القدم على وجه الخاص من مؤشرات الانطلاقة الحضارية والحيوية الوجودية.أما الشعوب الخاملة التي تتراوحُ في مُستنقعِ الصراعات السياسية المضنية مصيرها الإخفاق في ملعب الحياة أولاً ومن ثمَّ الغيابُ في الفعاليات التي قوامها الإرادة والروحية المبادرة لصناعة الفرح.ومن الطبيعي أن تحاكَ القصص في البيئات المتكلسة مَفادها أنَّ كرة القدم هي مؤامرة كونية لاتسمن ولاتغني من الجوع.وإذا واجهتَ أصحاب هذه المرويات المُضحكة عن مشاريعهم البديلة لحل الأزمات المُستعصية؟ يتحرون في جعبتهم عن الوعود الخلاصية المُتخشبة.ولكن لم يعدْ مايروجُ له رواة الأوهام من الجفاف الروحي والعقلي مُقنعاً.لأنَّ مكر الحياة لايستنفدُ مفعوله ومايقامُ داخل المُستطيل الأخضر هو مجازُ لحقيقة مايتطلبهُ الفرحُ من البسالة والإستماتة في المواجهة.ومن المناسب هنا إستعادة تعقيب أحد الأصدقاء على إعجابي بوصف معلق رياضي لمنطقة الجزاء بمنطقة العمليات إذ استنكر هذا الصديق قائلاً:لماذا نحول اللعبة إلى الحرب؟ في الواقع أن اللعبة هي حرب مجازية والانصراف من الحقيقة نحو المجاز على هذا الصعيد يُعدُ قفزة حضارية. كما أنَّ العدول الأسلوبي في نسق المُصطلحات والكلمات تفصيلُ مُكملُ للمتعة الفرجوية.

تصحيح

لابدَّ أن تسبق عملية تصحيح الأفكار تدشين المشاريع الهادفة إلى تغير نمط المعيشة لأنَّ الفوضى الحياتية انعكاسُ للمُغالطات الذهنية ومن الأزمات التي يعاني منها الفردُ في البيئات الخاملة الخجلُ من التعبير عن الفرح والترقبُ للسعادة المُتكاملة وهذا يعني عدم اقتناص الومضات التي تجود بها الإرادة الحية.ولامجال للتفرغ من الطاقات العدائية للحياة دون فتح الانسدادات النفسية والتعافي من المُعادلات السقيمة.هنا يكون للعبة دورُ في نشوء المشاعر الإيجابية البناءة لأنَّ اللعب حسب رأي الفيلسوف الهولندي يوهان هويزنجا هو مركز الحضارة يذكر أنَّ يوهان قد قدمَ مصطلح «الإنسان اللاعب» مقابل «الإنسان العاقل» وهذه المعلومة على عهدة الدكتور عصام عبدالله حيث أوردها في مقاله المعنون ب»سطح الترفيه العميق» ومن الوصفات التي ينصحُك بها ألبير كامو «الخروج والاستمتاع بأشعة الشمس والذهاب إلى النزهة على الشاطيء ولعب كرة القدم وتناول الغداء مع أحد الأصدقاء ورفض الاستسلام لليأس واحتضان معنى الوجود باختيار الاستمرار مع ماتستمع به،على رغم عدم وجود المعنى لأفعالك « وكانت الكرة لدى صاحب «الغريب» تحاكي صورة الحياة الواقعية فهمي تماما مثل الكرة لاتأتي أحدنا من الجهة التي ينتظرها.ومايجبُ الإشارة إليه ونحن بصدد الحديث عن اللعبة أنَّ هذا النشاط الإنساني ليس حركةً جسدية فحسب بل يكونُ للذهن حضورُ في ترتيب أوراقه.والمتابعُ لتصريحات المدربين وتوقعاتهم عن وقائع المباريات يدرك مرونة هؤلاء في التفكير والقدرة على الافتراض للسيناريوهات المُختلفة.وذلك يثبتُ بأنَّ إدارة اللعبة وفهم قواعدها يفرضُ تأملاً واعياً ليس فيما يقعُ عليه النظر داخل الملعب إنما لاختراق مايدورُ في خلد الخصم.

لذلك تؤكدُ نتيجة المباريات صحة توقعات المدربين على الأغلب وهنا يمكن التذكير بما قاله مدرب المنتخب الإنكليزي إريكسون قبل مواجهة فريقه مع الغريم الفرنسي في كأس الأمم الأوروبية 2004حيث أكد بأن زيدان سيسببُ لهم صداعاً وكما توقع فعلا حرمهم لاعب رقم العشرة من طعم الفوز في أوقات قاتلة. ويبدو أنَّ الطاقة الاستشرافية والرشاقة في التفكير من مواصفات مميزة للعقول الرياضية.وبالعودة إلى العنوان المسبوك بصيغة انشائية يمكنُ القول بأنَّ الكرة على غرار كل ماهو صنيع الإنسان من الفن والأدب والعلم قد فتحت مجالاً آخر للإمتداد نحو وقائعية جديدة ونشأت على كنف الملاحم الكروية أيقونات ممُلهمة وتدوي الإستادات بأسماء صناع البهجة بيليه،مارادونا، رونالدو، ميسي،ياسين بونو،نيمار،مبابي.قبل أن يقفلَ قوس المقال نستعيدُ ما رأه مساعد مدرب المنتخب الأنكليزي ستيفن هولاند بأنَّه بمنزلة مباديء للعبة كرة القدم “منع استقبال الاهداف، وصناعة الأهداف،وتسجيل الأهداف“ يصحُ التعامل مع هذه العبارة بمنطق تحويلي لصياغة ما يجبُ التحلي به داخل معترك الحياة.امتلاك المناعة ضد المؤثرات السلبية،والقدرة على صناعة الفرح،وتحويل نصف الفرص إلى فرصة كاملة.خصوصا في المجال العاطفي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ضد منافس شرس.. متى تفوز المراة بحقوقها؟

ما حقيقة استقالة وزير النفط؟

البرلمان يعتزم اطلاق دورات تثقيفية "إلزامية" للمقبلين على الزواج للحد من العنف والطلاق

(المدى) تنشر قرارات جلسة مجلس الوزراء

السوداني يؤكد التزام العراق بخطط أوبك

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

 علي حسين ظل السادة خضير الخزاعي وأسامة النجيفي وصالح المطلك وإبراهيم الجعفري وفؤاد معصوم وعباس البياتي وعتاب الدوري وحسن السنيد وغيرهم يهلّون علينا كلَّ يوم قبل الغداء وبعد العشاء من خلال الصحف والفضائيات،...
علي حسين

كلاكيت: البحر الأحمر في فينيسيا

 علاء المفرجي بعد مشاركتها في الدورة السابعة والسبعين من مهرجان كان السينمائي لعام 2024م، من خلال أربعة أفلام سينمائية وعدد من المبادرات والفعاليات. وتتضمّنت قائمة الأفلام التي حصلت على دعم المؤسسة: "نورة" للمخرج...
علاء المفرجي

تدهور الرعاية الصحية الراهن لا تُعالجُه الوعود المعسولة!

د. كاظم المقدادي أنتجت المنظومة السلطوية القائمة على المحاصصة الطائفية والإثنية، وتقاسم النفوذ والمليارات، والمناصب والإمتيازات، ظواهر بغيضة، كالتسلط والهيمنة على مقدرات البلد، بدأتها بإفراغ الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى من الموظفين الكفوئين إدارياً وذوي...
د. كاظم المقدادي

عن المرجعية الدينية

حيدر نزار السيد سلمان كتب ويكتب الكثيرون عن خليفة المرجع الديني اية الله العظمى السيد علي السيستاني بالإضافة إلى جهود بعض مراكز البحوث المهتمة بالشأن العراقي، وهذا دلالة على أهمية المرجعية الدينية من النواحي...
حيدر نزار السيد سلمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram