اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > أدباء عراقيون: الجيل لا يمكن حصره بعقد أو عشرية واحدة وهو يحتاج الى حدث تاريخي كبير

أدباء عراقيون: الجيل لا يمكن حصره بعقد أو عشرية واحدة وهو يحتاج الى حدث تاريخي كبير

نشر في: 2 يناير, 2023: 10:41 م

التجييل في الأدب.. زوبعة صحفية أم فكرة أدبية متأصلة؟

علاء المفرجي

التجييل في الادب وخاصة التأريخي منه، يرفضه البعض، ويستهوي البعض الاخر، فالذين يرفضون هذا الأمر لا يمانعون في أن ينعتهم بعض مؤرخي الادب في الانتماء لهذا الجيل أو ذاك، ومن تستهويهم قضية الأجيال، يرفضون أحيانا مثل هذا الانتماء...

سؤال توجهنا به الى عدد من أدبائنا في العراق، وملخصه: هل لديك إيمان بالتجييل أم انك تعترض على ذلك.. ما السبب؟ وهل أن للجيل المعني ملامح.

عدنان الصائغ : الزفة للتجييل ما هي إلَّا زوبعةٌ في فنجانِ عملٍ صحافيٍّ، وليس شعريٍّ متأصلٍ.

- لا أؤمن مطلقاً بأي تقسيمات وخاناتٍ جيلية أو شكلية. للشعرِ والأدب وكذا الفنون. ذلك لإيماني بأن الإبداع لا يمكن حصره بزمانٍ أو مكانٍ أو ضفة أو صفةٍ أو جهة. فهو أكبر من كل هذا وأوسع وأرفع.. وهو متجددٍ ومتنوع ومتخطٍ بتجدد وتنوع وتخطي الحياة نفسها.

فمنذ البواكير الأولى، أمنت بهذا الثيمة العليا للشعر والابداع، وكنتُ أنأى بنفسي عن الانضمام إلى أي خانة جيلية أو فنية أو قطرية أو اجتماعية أو سياسية أو دينية، مؤمناً كما قلتُ يوماً في أحد حواراتي: «إن للشعر جناحين لا يتوقفان عن التحليق في أثير الحرية حتى تخومها السرمدية، ومؤمناً أيضاً ان الشاعر الحقيقي أكبر وأوسع من أن يُحصر في مربع ما.. فكل الفضاءات والأفكار والأحلام والأوطان والجمال ملكه».

ففي أية خانةٍ جيلية مثلاً يمكنك أن تضع امرأ القيس والمتنبي وأوفيد وآنا اخماتوفا وشكسبير ودانتي وريلكة ودعبل الخزاعي ورامبو ووايتمن وبودلير وسافو ولوركا وانخيدوانا وولادة بنت المستكفي وابن لنكك البصري والرومي، والخ، والى يومنا هذا.

ورغم أنني أعددتُ أول بيانٍ وملفٍ عن جيل الثمانينات في العراق بعنوان «أيها النقاد انتبهوا رجاءً.. الثمانينيون قادمون» في مجلة حراس الوطن. ضمَّ شهادات عدد من الأدباء. تلاه أكبر ملف عن الجيل الثمانيني في مجلة أسفار ضم أكثر من 40 شاعراً عن الجيل، وحوارات.

وقد أثار الملفان الكثير من الاهتمام والنقاشات ولزمنٍ طويلٍ داخل العراق وخارجه. لكنني كنتُ أدركُ في بواطني أن هذه الزفة للتجييل ما هي إلَّا زوبعةٌ في فنجانِ عملٍ صحافيٍّ عابرٍ، وليس شعريٍّ متأصلٍ.

حسب الله يحيى: الاجيال ثابتة والعالم متغير

الجيل. جذر الماضي، غير ان التعلق بأهدابه سيطفئ العيون ويجعلها في أفضل الاحوال شاخصة على ستار أسدل في الجيل الواحد. علامات، وعلى وفق هذه العلامات التي تركت بصماتها يمكن ان نتوقف ونتأمل ونتعلم ونتفاءل، ولكن ليس من المقبول الذوبان في الاخر، حد التقليد الاعمى. العلامة الواحدة المضيئة لابد من احترامها ومراجعة معطياتها، لكي تكون نبراسا امامنا ومخزونا يتم تشكيله من الزاد المعرفي والثقافي والابداعي الذي نختزنه، لا ان نعده ونتيه في معطياته , ذلك ان لكل عصر كتاباته ومعطياته، فعله وتأثيره واستجابته وتفاعله وحتى التقاطع معه في بعض الأحيان، الآجال محترمة، وما تتمخض عنه من اسماء تبقى اسماء راسخة ومضيئة امامنا ويمكن الوقوف عند أبرز ما اعطته في زمانها، لكن متغيرات الحياة ومشكلاتها من شأنه ان يجعلنا نهضم ما كان؛ لا ان نكون نسخة مطابقة منه. فأمامنا عوالم جديدة، وافاق مختلفة، وشخصيات محلية وعربية وعالمية لابد ان نتفاعل معها ومع ما ينبغي ان نحدد ملامحه وقواعده واضافاته وقراءاته الجديدة.

الجيل. لا يقدم حلوله جاهزة للحاضر، وانما هو صورة لومضات قد يكون قسم منها حيا يمكن ان نختزنه وان نتعامل معه في ضوء ما نحن عليه راهنا. ان اجيالا من مؤسسي الذاكرة الانسانية مرت، ومرورها ليس عابرا، بقدر ما هو مكون من مكونات العقلية الانسانية اليقظة التي تهضم كل شيء .. لإنتاج شيء جديد يسهم في تغيير الواقع ويعمل على بلورته من جديد لكي ينير دروب الاخرين.

عدنان حسين أحمد : الجيل يحتاج إلى حدث كبير أو ظاهرة ثقافية لافتة للنظر

لستُ ميّالاً إلى التجيّيل العقدي في الأدب لأنّ الجيل ببساطة لا يمكن حصره بعقد أو عشرية واحدة فقط وإنما هو يمتدّ إلى أربعين سنة كما يذهب ابن خلدون. كما أنّ هذا التوصيف النقدي يحتاج إلى حدث كبير أو ظاهرة ثقافية لافتة للنظر مثل قصيدة «التفعيلة» التي أتى بها روّاد الشعر العراقي أمثال السياب والملائكة والبياتي وبلند الحيدري لأنها أحدثت ما يُشبه القطيعة مع القصيدة العمودية، وهي تُشبه تمامًا ما قام به الروائي الآيرلندي جيمس جويس حينما أنجز رواية «يوليسيس» التي تشكّل قطيعة تامة مع الرواية الكلاسيكية المُتعارف عليها وقدّم أنموذجًا مُخالفًا للسرد الروائي التقليدي ليفتح لنا آفاقًا جديدة لم نألفها قبل سنة 1922م، وهو العام الذي صدرت فيه الرواية ككتاب مستقبل بعد أن نشرتها مجلة «ليتل ريڨيو» الأمريكية بين عاميّ 1918 و 1920م كأنموذج للأدب الحداثي الذي لا يخلو من صدمة، وإرباك، وكسر لأفق توقعات القارئ التقليدي.

ما دأبنا عليه في العراق هو تحقيب الأجيال على العقود المتتالية كجيل الخمسينات والستينات والسبعينات حتى وصلنا إلى الألفية الثالثة بعقديها الأول والثاني وهكذا دواليك. ويرى البعض من الأدباء والشعراء والنقاد أنّ العشرية الواحدة كافية لرسم ملامح الجيل الشعري أو الروائي مع أنّ العشر سنوات لا تكفي لتحديد ملامح هذا الجيل سواء أكان أدبيًا أم فنيًا أم نقديًا. ولو تفحّصنا تاريخ العراق مليًا فسنجد فيه بعض الأحداث والتواريخ التي تصلح لأن تشكّل جيلاً أو جماعة أو حركة أدبية مثل انهيار النظام الملكي، وإطلالة الحكم الجمهوري، ثم هيمنة الدكتاتورية، واستقدام النظام الديمقراطي المزيّف، ويمكن إضافة الحرب العراقية - الإيرانية، والحرب الإنگلو- أمريكية على العراق كحدثين بارزَين يمكن أن يندرج تحتهما جيلان أدبيان بخصائص ومُعطيات معيّنة.

علي محمود خضير: الأدب مولع بالظواهر الجماعية حين يتعلق الأمر بدراسة الأدب الجديد

أرى أن التجييل الأدبي مسألة تهم النقد الأدبي بالدرجة الأساس. هو وسيلة لتسهيل وتنظيم الدراسات في الأدب، وسياق لتنظيم الأفكار ولملمة النتاج المحكوم بالكثرة واللا انتظام. النقد يبحث عن ظواهر وسمات في أدب أمة ما لمرحلة ما، ويبدو أنه مولع بالظواهر الجماعية حين يتعلق الأمر بدراسة الأدب الجديد. هو لا يحبذ المغامرة بدراسة شاعر واحد مثلاً. بل يبحث عن سمات مشتركة يُوجدها أحياناً تكلفاً أو ابتكاراً. لم أقرأ نقدياً يتجه لقراءة شاعر جديد ضمن حركة جيل. بل يدرس عادة الجيل كله، وهو ما يفرض إشكالات تتعلق بطبيعة اختيار الأسماء واهمال بعضها على وفق سياقات غير واضحة. لذا قد يكون التجييل هنا مفهوماً مُقنعاً الى حد ما. لكنني لا أرى بأن التجييل مفهوم ومقنع بالنسبة للكاتب والفنان، الذي يفترض أن يكون حرّاً تماماً من أي سياقات وأحكام فنية ونقدية تنمطه وتقيده، سيخسر الكاتب خصوصيته الفردية وحرّيّته الابداعية لصالح الانتظام في سلك «الجماعة» و»الجيل» الذي قد يضم محددات وسمات لا تشبهه ولا تنسجم مع امكانياته وتطلعاته. لكنه سيجد نفسه مضطراً للاستجابة اليها بحكم الحاجة الداخلية في أن يكون جزءاً من جيل؛ يحميه أولاً من الضياع وسط غابة الأسماء الأدبية المتراكمة، ويخدمه ثانياً اعلامياً ونقدياً. أظن أن التجارب التي تراهن على الصعود برافعة الجيل الأدبي هي الأقل حظاً بالموهبة والفرادة. التجارب الراسخة لا يعنيها الجماعات. لإدراكها أنها تشع بمفردها مكتفية بخصوصيتها وإن تأخّر النقد عنها نسبياً. بل أنها قد تطبع الجيل الأدبي كله بطابعها الخاص. لذا، أرى، في الشعر مثلاً، أن سمات كل جيلٍ شعريّ هي سمات شاعر أو اثنين فيه، يضطر -الآخرون لتقليدهما.

يوسف أبو الفوز: ي العراق ارتبطت كل التطورات الاجتماعية والثقافية بالتحولات السياسية

هناك حقيقة لا يمكن الاختلاف عليها كثيرا، تشير الى انه في العراق ارتبطت كل التطورات الاجتماعية والثقافية بالتغيرات والتحولات السياسية، فهذه تترك تأثيرها على وجدان وقدرات الادباء في الادراك والتوجهات والابداع ، خصوصا ان الادب الحقيقي لا يكون معزولا عن المجتمع ومن مهامه ليس كشف الواقع الاجتماعي بل والعمل على ترك تأثير ما ليكون رافعة تغيير نحو الأفضل، فالعراق للقرنين الماضيين عاش فترة الاستعمار البريطاني والعهد الملكي بكل ما رافقه من احداث، ثم جاء العهد الجمهوري وحكم عبد الكريم قاسم، فالانقلاب الدموي للبعث عام 1963، حكم الاخوين عارف، ثم انقلاب البعث عام 1968 الذي يشمل فترة رئاسة البكر ، فترة الجبهة الوطنية والتحالف بين ابرز الاحزاب العراقية، فتبعا لكل ما تقدم يصعب تصنيف الافراد وخصوصا المثقفين الى مجرد أجيال تاريخية، خاصة ان الجيل عادة يعني فترة زمنية محددة ما يقارب خمسة عشر عاماً.

محمد حيّاوي: جل أمراض الإبداع العربي سببها تلك الاعتقادات الخاطئة ف الحقيقة، بسبب عقدة التجييل

مبدأيًا، لست مع نظرية التجييل العقدية ـ نسبة إلى العقد ـ السائدة في العراق، وما أريد قوله هو أن الأدب اجمالًا، ليس سلّة بيض واحدة ينبغي صونها والرقود عليها وفق طقوس قدسية معينة، إن جل أمراض الإبداع العربي سببها تلك الاعتقادات الخاطئة في الحقيقة، بسبب عقدة التجييل التي ترسخت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي نتيجة للاصطفافات الأيديولوجية خارج إطار الإبداع، لتحاول عولبة الأدباء وفق مراحل زمنية ـ عشر سنوات في الغالب ـ ليبدوا كقبيلة متضامنة، يسدّ كمال كاملهم نقص ناقصهم. لكن في المحصلة، تبقى التجارب الأدبية تجاربًا شخصية بحت، تستند بالدرجة الأساس إلى ثقافة ووعي وقدرات الأديب ذاته، وعلى الرغم من أنّها نتاج تجربته في محيطه ومجتمعه، إلّا أنَّها بالدرجة الأساس تجربة شخصية متفردة تأخذ شكلها وتكويناتها من مدركاته الذاتية. وثمة عوامل أخرى عديدة تتحكم باكتساب مجموعة ما من الأدباء لملامحهم الإبداعية، هي غير الحقب الزمنية أو الانتماءات الفكرية والإيديولوجية، كالحروب وخوض المحن المشتركة والهزات المجتمعية وارتداداتها. ولعل أبرز جيلين في العراق، وفق مفهوم التجييل التقليدي، هما جيل الستينيات وجيل الثمانينيات. الأوّل اكتسب صفته كجيل بسبب حرب العام 1967 ونكبة حزيران والمدّ اليساري الذي حدث وقتها، والثاني اكتسب صفته كجيل بسبب الحرب العراقية الإيرانية الطاحنة مطلع الثمانينيات.

ستار كاووش: بإعتقادي إختفت الأجيال والتصنيفات، وصار الإبداع فردياً في الوقت الحالي

أرى إن طريقة التجييل تكون في الغالب غير ملائمة، حيث نمسك من خلال هذه التسمية بمجموعة من المبدعين الذين ولدوا بوقت متقارب ونضعهم في علبة واحدة، حتى وإن لم يرتبطوا بروابط وثيقة إبداعياً. وهكذا نرى الشاعر العمودي وشاعر قصيدة النثر وكاتب النص المفتوح في بوتقة واحدة، كذلك يقي الوقت الحاليف رسام طليعي يبحث عن معالجات خاصة وتقنيات جديدة، جنباً الى جنب مع رسام آخر مكتفي برسم لوحات بسيطة في محاكاة الطبيعة. بالمقابل تكمن الكثير من المقاربات عند أشخاص ولدوا في أوقات مختلفة وتفصلهم سنوات عديدة، لكن همهم الابداعي يكاد يكون واحداً وحققوا نقلات عظيمة معاً. إن كنا مرغمين على تسمية الجيل، فعلينا أن نراعي الصفات المشتركة بين المجموعة التي نختارها، أن يكون هناك شيئاً من التجانس ونوعاً من الفلسفة والرؤية الخاصة التي تشير الى هذا الجيل. وبإعتقادي إن الجماعات التي أسسها الكثير من المبدعين، كانت أكثر حظاً من الأجيال في بلورة مفهوم هذه الفلسفة، سواء في إبداعنا العراقي أو الابداعات التي تعرفنا عليها في العالم، فهذه الجماعات هي التي أثَّرَتْ على المشهد الثقافي في أكثر من مكان، وتركت بصماتها بعمق سواء في الأدب أو الفن، مثل جماعة كركوك في أدبنا العراقي، وجماعة المجددين في التشكيل العراقي، كذلك جماعة البعد الواحد، وغيرها الكثير. كذلك يمكننا العودة الى تاريخ الإبداع العالمي والنظر على سبيل المثال الى الدادائيين الذين تقدمهم تزازا، والسيرياليين الذي تزعمهم بريتون، وجماعة الجسر في الرسم، وتقنياتهم التعبيرية التي أرادوا من خلالها العبور من مرحلة الى مرحلة أخرى، وجماعة الفارس الأزرق التي أسسها الرسام كاندينسكي مع رسامين أصغر منه عمراً مثل فرانس مارك وأوغست ماكه. ولا ننسى الإنطباعيين الذين أسسوا أول إنتقالة عظيمة بالرسم رغم السنوات المتفاوتة التي ولدوا فيها. أما في وقتنا الحالي، فبإعتقادي قد إختفت الأجيال والتصنيفات، وحتى المدارس والتيارات، وصار الإبداع فردياً وكل مبدع يبحث عن منطقته التي يقدم من خلالها رؤيته ونتاجه الفني أو الأدبي، وصارت الإنجازات الإبداعية مفتوحة ولا تحدها عشر سنوات أو فترة زمنية يضعها النقاد أو المؤرخين.

كاظم جماسي: نعم للتجييل لأغراض النقد والبحث والدراسة، ولا للتجييل بوصفه إلزام وقيد

في حقول الابداع المتعددة والمختلفة اجناسيا، مكتوب ومرئي ومسموع، ليس للزمن من سطوة ابدا، ولا تنقصنا الشواهد على ذلك، فقد ظل عديد المبدعين يدهشوننا بجواهر ابداعهم حتى النفس الأخير، على الرغم من بلوغهم أعمارا متقدمة .. فهذا محفوظ وذاك سكورسيزي وكذا الجواهري وماركيز وبيكاسو وبيتهوفن وانتوني كوين وحسب الشيخ وأمينة رزق و فؤاد التكرلي وادونيس و شاكر حسن ال سعيد.. وو غيرهم كثر أيضا.

وهنا ثمة سؤال يبرز: هل يمكننا وضعهم في خانة جيل ما؟ ثم ما المقصود بمفردة جيل؟. اظن، في الأقل بالنسبة لي: مفردة جيل، تعني زمن ظهور المبدع فضلا عن تمثيل منجزه لسمات مدرسة أو تيار أو حركة أدبية أو فنية، والمعني بهذا الأمر، ليس المبدع ابدا، بل الدارس من مثل الناقد أو الباحث أو الأكاديمي .

إذا كان هناك ثمة حقيقة يمكن أن نصفها ب» المطلقة» فهي أن ولادة الابداع لم تكن يوما قيصرية أو مصطنعة ابدا، بل ظلت على الدوام نتاج لحمل طبيعي، بذرته تنمو وتكبر داخل» رحم» المبدع بعديد من الارهاصات والتفاعلات الغير خاضعة، في نهاية المطاف، لإيما موجهات خارجية، الأمر الذي سيبقى محفوظا في لوح الزمن، فيما أي إنجاز وصف بإبداعي وكان بروبغندا محض، كما في ركام المنجز الموصوف بالتعبوي، فقد ولد ميتا، ولفظه التاريخ في النهاية.

نعم للتجييل لأغراض النقد والبحث والدراسة، ولا للتجييل بوصفه إلزام وقيد على الابداع من أيما جهة أو سلطة أتى.

ريسان الخزعلي: إن َّ فكرة الجيلية– كتأريخ ابداعي أوجدها المؤرخون وارتضاها الأدباء

جرت العادة في التقديرات الجيليّة تاريخيّاً بأنَّ كل 33 سنة تُمثّل جيلاً، بمعنى أن َّ في كل قرن ثلاثة أجيال متتالية. إذن توصيف الجيلية لا يرتبط أساساً بالتصنيف الأدبي الذي يشغل الكثير من المهتمين به، تأييداً أو رفضاً. وهو توصيف (أي الجيلية) سابق زمنياً لمفهوم الجيلية الأدبية التي اتخذت من العقد الزمني محدِداً تاريخياً لها.

أن َّ تسجيل الوقائع على اختلاف حالاتها لابدَّ أن يرتبط بتواريخها. وكمثال أقرب إلى الوضوح، نقول في التعبير الإحصائي جيل (مواليد) الثلاثينيات أو الأربعينيات أو الخمسينيات ...الخ. أما في التوصيفات الأدبية وهذا هو العمق الذي يبحث عنه السؤال، تم توصيف الأدباء بحقب زمنية جيلية معروفة عالميا: أدباء الحرب العالمية الأولى، أدباء الحرب العالمية الثانية، أدباء الثورة الفرنسية، أدباء ثورة اكتوبر، وغيرها. أما في الأدب العربي، ولنجعل الشعر مثالاً، فهنالك شعراء ما قبل الأسلام، شعراء العصر الإسلامي الراشدي، شعراء العصر الأموي، شعراء العصر العباسي، شعراء الفترة المظلمة، شعراء العصر الحديث. الخ . وقد قسّم المؤرخون أولئك الشعراء تقسيما ً جيليا ً حسب عصورهم.

في العراق، كانت ثورة الشعر العربي الحديث قد حصلت في الأربعينيات وتصاعدت في الخمسينيات، وهكذا ارتبطت التسمية الجيلية بهذين العقدين لكل أدباء المرحلة. كما أن َّ ثورة 14 تموز الخالدة كانت حدّاً فاصلاً بين ذينيك العقدين وما تلاهما. وهكذا استمر َ التوصيف الجيلي: جيل الستينات، جيل السبعينيات، جيل الثمانينيات الخ. مع الملاحظة أن َّ التسمية الجيلية هذه ارتبطت بتحولات سياسية معروفة أفرزت أدباً يتماهى أو يتاقطع أو يتعارض مع هذه التحوّلات وبأشكال وأنماط فنية متبايتة .

إن َّ فكرة الجيلية ، فكرة قائمة – كتأريخ ابداعي - أوجدها المؤرخون وارتضاها الأدباء كونها تضع حدودا ً فاصلة بين ثقافات وأفكار وأنماط اشتغالات فنية / جمالية والمت خالقيها . وإن َّ انكار الجيلية في الأدب وعموم الابداع يشبه مَن ينكريوم ميلاده. والذي ينكرها لا بد َّ أن يكون قد اصطدم بفقدان الخصوصية الابداعية التي ارتبطت بغيره من جيله، ومن ارتضاها فله ُ فيها إمضاء ً ما ...

حيدر المحسن: إرجاع مَنْ ظهر من الأدباء في عقد من السنين هو أمرٌ يجانب الصواب

بسبب روح الشاعر الأنكلوأمريكي (أودن) الأسلوبية والأخلاقية الجديدة، وإدخاله ما يمكن أن ندعوه بالهمّ السياسي في قصائده، اطلق النقّاد في ثلاثينات القرن الماضي على الشعراء الذين ظهروا معه بجيل أودن، وعنوا به كلّ من كتب الشعر وكان معاصرا للشاعر، وتأثّر به، وصار كأنه كويكبا تابعا يدور في فلكه. أي أن الأمر كان تتويجا استحقّه الشاعر لفرادة موهبته وللبصمة الجديدة التي أتى بها. وعندما انتهت الحرب العالمية الأولى اختارت الروائية والشاعرة الأمريكية غيرترود شتاين اسم «الجيل الضائع» على الأدباء الذين دمّرت الحرب آمالهم وأحلامهم، ورمتهم في الطرقات هائمين في دروب أوروبا وأمريكا. التسمية إذن كانت تدلّ على مرحلة تاريخيّة جمعت بين ادباء من جنسيّات مختلفة وأعمار لا تتشابه، والقصد منه فنّي واجتماعيّ وأخلاقيّ بالدرجة الأساس، وتاريخيّ كذلك، ولم تكن شتاين تقصد الجيل بمعناه الذي صار في بلداننا، يدلّ على السنّ وتاريخ نضوج الشاعر وانتشاره بين القرّاء.

اختار عالم الاجتماع والأديب علي الوردي وصف ما جرى في 14 تموز 1958 ب»الهزّة» التي تعرّض لها المجتمع العراقي، ولم يناسب العلّامة الوردي اسم الانقلاب أو الثورة، والواقع أن الذي حصل في البلد يستحقّ هذا النعت، لأن الأحداث التي حصلت والتغييرات امتدّ أثرها إلى جميع أركان المجتمع. من الطبيعي إذن أن يختلف نوع الأدب العراقي بعد هذا التاريخ، وهكذا دُعيَ الشعراء والقصّاصين الذين ذاع نتاجهم في ستينات القرن الماضي بإسم هذا العقد.

من الناحية اللغوية فإن الجيل يعني (مرحلة التعاقب الطبيعيّة من أب إلى ابن، ومدّته من 20 – 30 سنة). ما درج عليه النقد والصحافة في العراق إذن، بإرجاع مَنْ ظهر من الأدباء في عقد من السنين نسبة إلى تاريخه الزمني (السبعينات والثمانينات...) هو أمرٌ يجانب الصواب، ولا يقع في محلّه،

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

رمل على الطريق

موسيقى الاحد: جولة موسيقية في فيينا

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

مقالات ذات صلة

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي
عام

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

د. نادية هناويإن القول بثبات الحدود الأجناسية ووضوح مقاييسها هو قانون أدبي عام، نصّ عليه أرسطو وهو يصنف الأجناس ويميزها على وفق ما لها من ثوابت نوعية هي عبارة عن قوالب لفظية تختلف عن...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram