TOP

جريدة المدى > عام > قراءة في رواية ما تخيَّله الحفيد لمروان ياسين الدليمي

قراءة في رواية ما تخيَّله الحفيد لمروان ياسين الدليمي

نشر في: 8 يناير, 2023: 12:15 ص

سليم سوزه

لا رواية خيال من دون واقع. مهما كانت الرواية عملاً خيالياً، لن ينفصل الروائي فيها عن واقعه. لا قدرة للإنسان على الانفصال من عالمه المحسوس بالمرّة. ا

لخيال هنا واقع، لكنه واقع يسمح للكاتب أن “يلفِّق” فيه أحداثاً تُترجم مشاعره ومخيّلته لحظة الكتابة، وليس بالضرورة تنقل تفاصيل تجربته المعاشة حرفاً.

مع ذلك، ليس ثمة رواية خيالية بحتة، لأن الخيال من صنع الواقع بالنهاية.

«ما تخيَّله الحفيد” رواية قصيرة صدرت في منتصف العام ٢٠٢٢ من دار “حكاية” الكويتية، كتبها الروائي العراقي مروان ياسين الدليمي انموذجاً للخيال الذي يختلط بالواقع. يستذكر فيها الدليمي المعاناة التي عاشتها عائلة موصلّيّة في منتصف السبعينيات من القرن العشرين المنصرم جراء تورّط أحد أفرادها في العمل السياسي المعارض لنظام الحكم في العراق وقتها.

رغم أن الدليمي يذكر أن فكرة كتابة هذه الرواية جاءت من رغبته في تدوين ذكريات أبيه المُسن وحواراته المطولة معه، بمعنى أن الرواية اعتمدت على وقائع واحداث حصلت حقاً لعراقيٍّ موصلّيٍّ ابان السبعينيات، إلّا أنه حرص على أن تكون روايته سرداً أوسع من ذلك الواقع من خلال حشر الخيال في ثنايا قصص الرواية وصناعة نسيج حكائي يتغلب فيه المتخيل على الواقعي. من الصعب على القارئ معرفة أي من أجزاء الرواية حقيقية وتخص حقاً عائلة الكاتب وأيها خيال. تلك هي اللعبة السردية التي يلعبها الراوي ليفرش الواقع على بساط الخيال ويصوّر الألم والقلق والمعاناة التي عاشتها عائلة عراقية سُجِن بعض أفرادها وهرب آخرون الى خارج البلاد جراء سطوة نظام سياسي بوليسي ملأ سجونه بمعارضيه. صوّر لنا الراوي الدليمي تلك الأحداث بصوت “حفيد” هذه العائلة وجسّدها ببراعة حد أنني كنت أشعر كما لو كنت جزءاً من هذه العائلة فكراً وحسّاً ومشاعر.

ومع أن الحفيد يونس هو الراوي الأساس والمحوري لهذه الرواية، إلّا أنه ترك مساحات واسعة لأصواتٍ أخرى تحكي قصتها بلسانها. هذه رواية متعددة الأصوات، إذ تنتقل فصولها من راوٍ إلى آخر بسلاسة وتشويق. سردَ كلٌّ من يونس وسليمان وشكيب وغالب والجدّة أمينة حكاياتهم بلسانهم، وصاروا كلهم آباءً لهذا النص، لا مجرد شخوص بنى عليها المؤلف هيكله السردي.

ثمة دور مركزي للنساء في هذه الرواية. لم تكن المرأة في هذا النص عنصراً ثانوياً، تظهر كزوجة أو أخت أو أم فقط، أي يُختَزَل دورها في علاقتها بالرجل، بل كانت بطل الرواية وعمودها الفقري. نساء كآمال وصبحية والجدّة أمينة طغينَ على النص، وظهرن (خصوصاً آمال وأمينة) قويات شجاعات باستقلالية شخصياتهن الجريئة والمُلهمة.

«ما تخيَّله الحفيد” حكاية أعمّ من عائلتها (عائلة أمينة) وأوسع من زمانها (السبعينيات) وأكبر من جغرافيتها (الموصل)؛ هي حكايتنا جميعاً وحكاية أمم وشعوب هربت نحو الخيال تخلّصاً من الواقع، ذلك الواقع الذي استسلم فيه الحب والأمان والطمأنينة إلى طَرْقات باب زائر الليل وزنزاناته وتحقيقاته. إنها رواية تتصاعد فيها الأحداث خطيّاً، ويتشابك عبرها السارد والقارئ في أحاسيسهما ومشاعرهما، فيتبادلا المراكز في كل صفحة من صفحات الكتاب؛ يصبح السارد قارئاً والقارئ سارداً نظراً لتشابه تجاربهما.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

في مديح الكُتب المملة

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram