طالب عبد العزيز
لم يكن حفل افتتاح الدورة الرياضية في البصرة حدثاً تقليداً، أقول هذا وأنا آخر المعنيين في لعبة الركل بالاقدام هذه، ولم أكُ يوماً ممن يطيلون النظر في المستطيل الاخضر ذاك، ويبحثون عن صواب هذا وخطئ ذاك، بين الرجال المتبارين عليه. نعم، كان الحفل باهراً،
ومما لم تشهده المدينة من قبل، على طول تاريخها، لذا، من العقوق ألّا أدعَ قلبي يخفق بهذا الزهو والجمال، ومن غير المروءة ألّا أحتفل مع الذين تقطعت أنفاسهم، بانتظار ما سيكون المشهدُ الملون، أنا الواقف بينهم، وهم من شتّى الارض العراقية واقفون، بانتظار اللحظة الفاصلة، التي حددت مصير المدينة، بين الانتماء وعدمه. كيف لا وقد وقفت المدينة فاصلاً في التاريخ، بين إمّا وإمّا؟
ما كانت البصرة صعيداً مقدساً يبلغه الحجيجُ مرة كلَّ عام، ولم تك قريةً، مسجاةً على الفرات، يدخلها العاشوق عبر ضريح أخضر، ومنارة من ذهب، وما كانت منبراً للسياسة، يرتقيه الصادقون والكذابون على حدٍّ سواء، لكنها مستراحُ كلِّ ذي قلب أخضر، ومن كانت روحه بلا أقفال ولا مفاتيح، وموطن من آمن بها رغيفاً وقيعة ضوء. اللهَ أشهدُ أني مثل كلِّ بنيها بَرٌّ بها، أمينٌ على سعفها ويقطينها وقثائها وانهارها وشطها الكبير فلا تنسبوها لأحدٍ من هؤلاء، الذين اصطرعوا على مقاعد ملعبها، وحملوا ضغائنهم الى لحظة توقدها بين المدن، فما هم منها بشئ، وما كانوا ولاتها، ولا من استنابهم عليها بمخلص لها، فلا هم رواة تواريخها، ولا كتبة امجادها، ولم يحملهم سندبادها على جناح أخيلته ذات يوم.
لا يعنى غالبية البصريين بمن سيفوز بكأس الالعاب، قدر عنايتهم بما سينتج عن ذلك، بعد مغادرة الفرق وجماهيرها الى ديارهم، فالقضية الأهم هي الاقتصاد والمشاريع والبناء والطاقة.. وربما يكون حاكمُها -المرضيّ عنه من غالبية أهلها- غيرَ معنيٍّ بالكأس، والى من ستؤول، فالاعين المخلصة تتطلع الى نتائج الحفل الكبير، الذي عاشته المدينة، لا عبر رؤساء البعثات والاتحادات الرياضية، فهذا شأن آخر. لقد بعث زائرو البصرة من الخليجيين، ومن المدوّنين وغيرهم، عبر وسائط التواصل الاجتماعي رسائل غاية في الاهمية، واستطاع البصريون أن يستثمروا وجود هؤلاء بافضل ما يكون. ويأتي نجاح العيدانيِّ في تحييد جماعة الاطار - الذين لم يخفوا امتعاضهم من وجود العرب الخليجيين في البصرة، فعبّروا عنه بزرع عشرات الصور والمنشورات الحشدية داخل المدينة- يأتي نجاحه مكملاً لما يحلم به البصريون والعراقيون بعامة.
دعيني أحلم بك أكثر أيتها المدينة الام، وخذي عني رداء الحياء هذا، أنا المريض بك، الممسوس في قلبه. بالامس حين صفق الناس لك في الفضاءات لم أملك على عيني دمعها، ونشغت مختنقاً، شيءٌ من فرح ومثله أسى وغمغمات، هي أخلاط تتنزل من الرأس، فيتلقفها تجويف في العنق، أعرفه لا يقوى عن السعادات ثلاثاً ورباع. كنت واقفاً مع الحشد، وكنت أقربهم الى الشط أنا، ونسيمات باردة تجعلني أدخل في المعطف، فلا أرى ولا أُرى، أداري اخفاقة في القلب، همهمة في الروح، كلما سمعت اسمك ملوناً، صاعداً مع الضوء في الشاشة العريضة.