TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > عن أهمية الكتابة

عن أهمية الكتابة

نشر في: 11 يناير, 2023: 12:00 ص

حازم رعد

يقول الكاتب المتخصص في الدراسات الاستشراقية ادوارد سعيد ( الكَاتِبُ لاَ يُفَكِّرُ في أنَّهُ يُريدُ أن يَكتُبَ كِتابَةً أَصيلَة ، بِقَدرِ مَا يُفَكِّرُ في الكِتابَةِ ثانِيَةً ).

ولذا تجيء أهمية فعل الكتابة من الفعل ذاته “الكتابة من اجل الكتابة” فان ما يكتب في مجال المعرفة حتى لو كان حرفاً واحداً ومهما كانت قيمته العلمية والمنهجية ومهما افاد في الواقع من درجات التأثير المختلفة فهو بمثابة مسمار يدق في نعش التعصب والتطرف ، هناك نوع من القتال كما يقول جان ليوتار معركة مع وضد كلمات وجمل وعبارات وهذا عمل جميل ورهيب بمعنى ما .

فنا الكتابة اخذت شكل من اشكال المقاومة ضد العصبيات ومقولات التحيز والعنصريات الممقوتة والكتابة واثراء المعرفة في قبالها عمل جميل بمعنى ان فيه منفعة تتحقق بالاقلال من التطرف من خلال الازاحة المعرفية والكتابة .

وفي مقاربة متصلة فان “الكتابة فعل في قبال القطيعة “ليست القطيعة المعرفية هنا” بل مع الانفصام عن المجتمع والافراد وهذا لون جديد من الوصال تحققه الكتابة وهو فاعلية التواصل فهي كما يقول نعوم تشومسكي ( طريقة لا غنى عنها للتواصل بين الاشخاص في مجتمع معقد ) وفعل التواصل اولى خطوات كفكفة القبح وتقويض مساحة الفصال المجتمعي وباكورة للتفاهم بين الافراد في اي مجتمع انساني ، اذ سيشغل مساحة في حيز المعيش وهذا بدوره يدفع باتجاه ازاحه منطق الاحتكار للحق والاقصاء للاخر ويوسع مناطق التفكير والنظر والمعرفة ، وهذا الغاية من اشرف واعلى الغايات وهي تهيئة الارضية للعيش الامن المشترك من خلال اقلال الاوضاع المتحيزة التي تستلب الاخر هويته وحريته وتختزلها في وضع اخر وتزعم ان الحقيقة على ما سواه ، وان لم يكن من جهد يبذل غير ذلك لكان حرياً ان يحترم وان يحتفى به كأمثولة انسانية .

ومن جانب اخر ان ذلك يسهم في اثراء الواقع بالمعرفة من خلال طرح الفكرة وعرضها للمناقشة والحوار ويفتح امام الاخر نافذة للنقد وابداء وجهات النظر المضادة مما ينمي الحس النقدي واعادة انتاج وتقييم طرق التفكير ومناهجها واسلوب طرحها وكيفية الافادة منها على جميع المستويات .

فالتقدم الحضاري والعلمي بشكله الواسع بدايته فكرة قدحت في ذهن انسان ما ، عمل بعد ذلك على تنشيطها عبر الكتابة والاذاعة بين الناس او النخبة منهم ، او تركها لضرف ما في ساحة الامكان لان نابغة او مثابر ياتي فيعمد على تفعيلها وادخالها حيز البحث عن الجدوى وامكانية التطبيق وادخالها في تفصيلات معملية حسب ما يناسبها .

فقد “كان الأفضل لنابليون بدل كل الفتوحات وإزهاق أرواح مليون شاب ان يؤلف أربعة كتب مثل اسبينوزا” كما يقول ول ديورانت في كتابه قصة الفلسفة عن اسبينوزا ، ففعل الكتابة وان كان قد لا يجدي المتخصصين واهل المعرفة والمفكرين نفعاً او زيادة في مدخوراتهم الفكرية الا انه بشكل عام اسهام في الاقلال من التطرف والتموضع القوقعي في الواقع الانسان وانه اسهام في تعميم نمط المعرفة الانسانية فالكلام اجرائي بغض النظر عن القيمة لتلك الكتابة ومدى الانتفاع المعلوماتي الناتج عنها .

بداية كل حضارة كلمة تنطق او حرف يكتب او فكرة يتأملها انسان ان تتحقق على ارض الواقع وذلك على سبيل بناء الحياة والانسان من ذلك صح القول انه ما وضع حجر على حجر الا وكانت بدايته فكرة تبلورت في ذهن انسان ما ، وليس بالضرورة ان يكون الانسان جماعة من لون وعرق ما بل الملاحظ ان الحضارة الانسانية انما اسس لها وشيدت واخذت بالنمو والتطور من خلال مجهود لاشخاص معدودين «نخبة» من الناس بالامكان نعتهم «بعصارة الانسانية» [ كان ابراهيم امة ] كما ورد في النص القرآني فوصف الفرد بنعت يدل على الكثرة .

اذاً ما يفترض عدم الاقلال من شأن كل ما يكتب في مجال المعرفة فلعل فيه ما يخدم الانسانية على المستوى القريب او البعيد او لعله قد افاد في احداث تغيير في بعض الافراد على المستوى الشخصي .

ما كان لسقراط وهو من اكثر الفلاسفة شهرةً عبر التاريخ ان يعرف او تكون له هذه الشهرة لولاً كتابة افلاطون عنه ، اذ سقراط لم يكتب حرفاً على ورق ، ولكن ما اسهم بوصول افكاره وحواراته وسيرته هو كتابات تلميذه افلاطون عنه .

ان عملية الاستمرار بالسرد الكتابي قد يتمخض ذات مرة عن فكرة ناضجة تفتح المجال امام افاق من المقاربات والمقارنات وهي بذلك ستكون الفكرة المفتاحية على اعمال جديدة انضج واكثر افادة منها ، ( إذا كانت لديّ ألف فكرة وتبيّن أنه ليس بينها إلا فكرة واحدة جيدة ، فأنا راضِ ) كما اورد مايزنهايمر في كتابه الف سؤال تطرحها على العملاء عن ألفرد نوبل ، فهذه الفكرة هي من تسهم في الانفتاح على الاخرين وتؤسس عليها صروح المعرفة الجديدة ، ولان المعرفة الانسانية ركام غير تجاوزي ننظر بعين الاعتبار لايه فكرة جاءت وتكتب لان من خلالها تستمر عملية التنمية البشرية المستدامة ومن خلالها يكتسى الواقع بالممارسة الواعية وتتوضح الحقيقة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ضد منافس شرس.. متى تفوز المراة بحقوقها؟

ما حقيقة استقالة وزير النفط؟

البرلمان يعتزم اطلاق دورات تثقيفية "إلزامية" للمقبلين على الزواج للحد من العنف والطلاق

(المدى) تنشر قرارات جلسة مجلس الوزراء

السوداني يؤكد التزام العراق بخطط أوبك

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

 علي حسين ظل السادة خضير الخزاعي وأسامة النجيفي وصالح المطلك وإبراهيم الجعفري وفؤاد معصوم وعباس البياتي وعتاب الدوري وحسن السنيد وغيرهم يهلّون علينا كلَّ يوم قبل الغداء وبعد العشاء من خلال الصحف والفضائيات،...
علي حسين

كلاكيت: البحر الأحمر في فينيسيا

 علاء المفرجي بعد مشاركتها في الدورة السابعة والسبعين من مهرجان كان السينمائي لعام 2024م، من خلال أربعة أفلام سينمائية وعدد من المبادرات والفعاليات. وتتضمّنت قائمة الأفلام التي حصلت على دعم المؤسسة: "نورة" للمخرج...
علاء المفرجي

تدهور الرعاية الصحية الراهن لا تُعالجُه الوعود المعسولة!

د. كاظم المقدادي أنتجت المنظومة السلطوية القائمة على المحاصصة الطائفية والإثنية، وتقاسم النفوذ والمليارات، والمناصب والإمتيازات، ظواهر بغيضة، كالتسلط والهيمنة على مقدرات البلد، بدأتها بإفراغ الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى من الموظفين الكفوئين إدارياً وذوي...
د. كاظم المقدادي

عن المرجعية الدينية

حيدر نزار السيد سلمان كتب ويكتب الكثيرون عن خليفة المرجع الديني اية الله العظمى السيد علي السيستاني بالإضافة إلى جهود بعض مراكز البحوث المهتمة بالشأن العراقي، وهذا دلالة على أهمية المرجعية الدينية من النواحي...
حيدر نزار السيد سلمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram