TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الاوليغارشية العراقية بعد 2003 وترف السلطة

الاوليغارشية العراقية بعد 2003 وترف السلطة

نشر في: 11 يناير, 2023: 12:01 ص

د. حيدر نزار السيّد سلمان

مكّنت الأقدار بعد 2003 مِن بروز طبقة سياسية حاكمة جديدة تشكّلت مِن المكونات العراقيّة العِرقية والمذهبيّة والطائفية. ورغم الانقسامات الأيديولوجية والخطابية بينها فإنها اشتركت بسِمة تقاسم مغانم السلطة وامتيازاتها،

فضلاً عن الاستئثار بثروة البلاد نهباً وسلباً. وأمسى الحديث عن فسادها مقروناً بالأدلة والفضائح، كما أنَّ أغلب أفرادها ينحدرون مِن أصول فقيرة، وأكثرهم ذاق عذابَ الحرمان والفاقة، لاسيما الذين كانوا مستقرّين خارج العراق وعادوا بعد احتلاله في عام 2003.

انفتحت أمام المنتمين لهذه الطبقة السلطوية أبواب العراق بكلّ ما يملك من ثروة ومزايا ومغانم بشتّى أنواعها، وقد ساعدتهم في ذلك قوّة احتلال غاشمة تفتقر لمعرفة عميقة بثقافة البلاد وأوضاعها الاجتماعية. كما أنها مهدت الطريق أمام هذه الطبقة لفرض هيمنتها وسيطرتها كجيل جديد من الحكّام. وفتحت شهيتها لالتهام ما يمكن أن تلتهمه من مال ونفوذ وسطوة. والمثير أن شهيةَ هذه الطبقة للاستحواذ على المال والعقار والأرض فريدة في جشعها وتماديها! فكلّما حصلت على شيءٍ سال لعابها للمزيد. وبدلاً من البيوت البسيطة في أحياء المدن الفقيرة -قدر تعلّق الأمر بمن كان يعيش في داخل العراق- وبدلاً عن حالة الشظف والحرمان وسكن المنافي وصعوباته لمن ورد مِن الخارج؛ اتجه أفرادُ هذه الطبقة لِشراء العقارات والدور السكنيّة الفخمة بأحياء المدن الراقية وبأسعارٍ باهظة ليسكنوا فيها وبمساحات واسعة. بل بتعدد لِلبيوت لتوزيعها كمقرّات للحمايات والمكاتب الحزبية والشخصية.

تفاقمت حالات الثراء وتمثلاتها بحياة الرفاهية، وتبلورت بانتقال طبقيّ قد أبرز وضعاً مثيراً وشاذاً جاء من سرعة الانتقال بالطبيعة الطبقيّة دون كدّ وجُهد وتراكم حقيقيّ لِلثروة، الأمر الذي بلور طبقةً هجينةً تفتقد لِلمعايير المحددة لصفات الطبقات الراقية بسلوكياتها وتقاليدها وأزيائها وإنفاقها وعلاقاتها البينية والعامة. فاندفع أفرادٌ من هذه الطبقة وبسباق محموم لتأكيد تحولها الطبقي إلى امتلاك السيارات والملابس ذات الماركات العالمية الباهظة الثمن. وقد حدث تطوّر آخر تجسَّد بولع شديد بالسُبحات (جمع سُبحة) والأحجار الكريمة ذات النوعية الفريدة كالكهرب البولندي والألماني والساعات من علامات شهيرة كفليب باتك ولونجين ورولكس وتوسيت، وأصبح التفاخر بها أمارة دالّة على الغنى الفاحش! لكنّه الشاذ البعيد عن سلوكيات الطبقات الأرستقراطية الحقيقية التي يبذل هؤلاء محاولات التشبه بهم. بيد أنَّ التعليم والثقافة والسلوكيات المكملة تخونهم في أغلب الحالات، ومِن الملاحَظ أنَّ محاولات التقليد الأعمى بلغت حداً مثير للاشمئزاز، إذ كشفت هذه الرغبة عن تناشز في الاختيارات وافتقار لِلذوق. ويُعزى ذلك لِعدم التأقلم مع الطبقة الجديدة ولسرعة التقليد ولتبديد الثروة المستحصَلة دون عناء. وبالفعل جرى ذلك من خلال التوجّه لاقتناء التُحَف والنوادر مِن الأشياء وشراء لوحات الرسم دون فهم محتواها الفني. غير أنَّ الأكثر إثارة وتساؤلاً هو الاقتران بالمحظيات والغَواني (أو الفاشنيستات)كما يُطلَق عليهنّ جزافاً، ومنحهنّ هدايا ثمينة وحمايتهنّ! حتّى تحوّلت بعضهنّ إلى نسوة يتفاخرن بعلاقاتهنّ مع هذا الطرف أو ذاك، وتمثلن بحالات قوّةٍ ونفوذٍ وتدخّلٍ في أجهزة الدولة ومؤسساتها. وقد توسّع الأمر أكثر مِن خلال الاقتران بزوجات جديدات على حساب من تَحَمَلن حياة الضنك، وحتّى المذيعات الجميلات كانت لهنّ حصة من المصاهرات السياسية التي شاعت بين أفراد من السلطويين كجزء من التحالفات العائلية الحاكمة الباحثة عن مناصب ونفوذ لأبنائها وبناتها.

يحوز أفرادٌ من هذه الطبقة على رغبات عارمة مدفوعة بفائض ماليّ بالتمتع بحياة رفاهية مخمليّة تقطع صلتهم بالحياة السابقة. وطبقاً لذلك فقد أصبح التوجّه لامتلاك المزارع الخاصة بقصورها ومسابحها ووسائل الترفيه فيها سمة معروفة، حيث يمارس فيها هؤلاء الأفراد حياة الأرستقراطية الثرية، كما امتدّت هذه الرغبة إلى خارج حدود البلاد من خلال شراء العقارات، خصوصاً في لبنان، وارتياد الفنادق ذات التصنيف عالي الجودة والمرتبة، حيث الفخامة والشعور بالترف الكبير.

قد تبذل هذه الطبقةُ المستحدَثة بعد انتقالها في التراتبية الاجتماعية محاولات لإبقاء حبل وصل واهِ مع حاضنتها الاجتماعية وإظهار أصالتها وثباتها الأيديولوجي والمعيشي. لكنّها تواجه استنكاراً، بل نَبذاً، يتصاعد ويتّسع زمنياً. لاسيما أنَّ أفراداً مِن جيل الأبناء والأحفاد في هذه الطبقة السلطويّة المستحدَثة فضحوا جيلَ الآباء بروعونتهم وتصرفاتهم البعيدة عن القيم الاجتماعية والنمطية السائدة. وقد تتجلّى محاولات هؤلاء بإبقاء خيط الوصل مع الحاضنة الاجتماعية الأولى عبر مشاركاتهم في المناسبات الدينية والاجتماعية الشعبية، ولكنّهم في فعلهم وواقعهم الجوهريّ يشعرون بثقل امتدادهم السابق ويحاولون الاستقرار في بيئتهم الجديدة والاستمتاع بمحاصيلها مِن الثروة الهائلة التي وفرتها السلطة. ومع تزايد الإدراك الشعبي بحقيقة التضليل الذي تعتمده، ظهر السخطُ والغضبُ كعلامات رفض ثوريّ، وهو ما تواجهه الطبقةُ الموصوفةُ بهذه الصفات بالقمعِ والتسفيه، وإشباع أصوات الاستنكار بالاتهامات والتنكيل الرمزيّ ذات الصبغة العقائدية أحياناً، والسياسية أحياناً أخرى، وبأشرس وسائل الدفاع عن مصالحها المستحدَثة.

في المحصلة النهائية؛ تكوّنت طبقةٌ أوليغارشية ذات مصالح اقتصادية وسياسية مشتركة ومتداخلة، وتصل أحياناً مرحلة التوزيع المصالحي النفعي المستند إلى استغلال المنصب والسلطة لجني الثروة وتكديسها وبذل جهود من خلال منظومة زبائنية متخادمة معها على خنق حالات الرفض والانتقاد الشعبي وقمع الأصوات الساخطة على ما يحدث من استنزاف واستحواذ على الثّروة دون وجه حقّ. والأشدّ مرارةً أن أفراداً من هذه الطبقة يتغافلون عن مصادر ثرواتهم غير المشروعة، فلا يتوانون عن إظهار الترف والبذخ الذي يعيشون بظلّه وكأنَّهم يتعمّدون استفزاز مشاعر الناس! وهو ما يمكن ملاحظته بالقصور الفخمة والسيارات الفاخرة وكثرة حماياتهم في أثناء المناسبات، ورغم تستر بعضهم بالتقوى والزهد، بيد أنَّ انكشافهم أمام الناس بات واقعاً ملموساً، ساهم ذلك في اتساع الفواصل بينهم وبين مجتمعهم الذي يتساءل بقلق عن مدى توقف خاصية الجشع والثراء عندهم بعد أن أصبحت خزائنهم ممتلئة بالمال والعقارات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ضد منافس شرس.. متى تفوز المراة بحقوقها؟

ما حقيقة استقالة وزير النفط؟

البرلمان يعتزم اطلاق دورات تثقيفية "إلزامية" للمقبلين على الزواج للحد من العنف والطلاق

(المدى) تنشر قرارات جلسة مجلس الوزراء

السوداني يؤكد التزام العراق بخطط أوبك

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

 علي حسين ظل السادة خضير الخزاعي وأسامة النجيفي وصالح المطلك وإبراهيم الجعفري وفؤاد معصوم وعباس البياتي وعتاب الدوري وحسن السنيد وغيرهم يهلّون علينا كلَّ يوم قبل الغداء وبعد العشاء من خلال الصحف والفضائيات،...
علي حسين

كلاكيت: البحر الأحمر في فينيسيا

 علاء المفرجي بعد مشاركتها في الدورة السابعة والسبعين من مهرجان كان السينمائي لعام 2024م، من خلال أربعة أفلام سينمائية وعدد من المبادرات والفعاليات. وتتضمّنت قائمة الأفلام التي حصلت على دعم المؤسسة: "نورة" للمخرج...
علاء المفرجي

تدهور الرعاية الصحية الراهن لا تُعالجُه الوعود المعسولة!

د. كاظم المقدادي أنتجت المنظومة السلطوية القائمة على المحاصصة الطائفية والإثنية، وتقاسم النفوذ والمليارات، والمناصب والإمتيازات، ظواهر بغيضة، كالتسلط والهيمنة على مقدرات البلد، بدأتها بإفراغ الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى من الموظفين الكفوئين إدارياً وذوي...
د. كاظم المقدادي

عن المرجعية الدينية

حيدر نزار السيد سلمان كتب ويكتب الكثيرون عن خليفة المرجع الديني اية الله العظمى السيد علي السيستاني بالإضافة إلى جهود بعض مراكز البحوث المهتمة بالشأن العراقي، وهذا دلالة على أهمية المرجعية الدينية من النواحي...
حيدر نزار السيد سلمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram