طالب عبد العزيز
إذا كان الحجر والحديد والاسمنت مادة بناء المدن فأن الفكر والعلم والثقافة مادة بناء الانسان فيها. شاهدنا كيف أغمر ملعبا جذع النخلة و الميناء في البصرة احاسيس الناس بالجمال، وأضافت صور الامكنة الجميلة الاخرى (كورنيش شط العرب وشارع الفراهيدي ووو) احساساً مضاعفاً لديهم، في تساوق جميل بين معلمين، لا يمكن الفصل بينهما، فالملعب فصل في فن العمارة والتنشئة والشارع والرصيف والمتنزة فصل آخر في امكانية تقبل الحياة.
نجحت حكومة البصرة المحلية في احراج الحكومة الفدرالية في أكثر من مبنى ومعلم وفعالية، وفي فترة قياسية، جداً ما أن توافرت لها الاموال والصلاحيات. ومع اتساع رقعة المدينة الجغرافية وكثافة السكان فيها، وكثرة الطامعين بالسكن فيها من أبناء المحافظات الاخرى سيلاقي القائمون على تخطيط وتنفيذ المشاريع الخدمية فيها صعوبة بالغة، وقد لا يظهر من جهدهم إلا القليل.
في تصريح بدا لنا حماسياً، أكثر مما يجب، أعلن المحافظ بأنه يسعى لجعل المدينة (وجهةً سياحيةً) وهو إعلان على أهمية كبيرة لو أخذ به، وفعل يماثل فعله في قطاع الرياضة، الذي شهدناه معا عراقيين وعربا، ويماثل الطرق والمدن السكنية والمشاريع الاخرى التي قام بها من يلاحظ حماس العرب الخليجيين ورغبتهم في زيارة البصرة والاقامة الطويلة فيها سيعلم الجدوى الاقتصادية المرجوة من ذلك. وهنا يمكننا أن نهمس بأذن المحافظ: توكل، وكل البصريين معك. أحرج حكومة بغداد أكثر.
لكنَّ مشاريع السياحة بحاجة الى المزيد من استباب الامن، الذي يأتي من تفعيل القانون، بغية لجم المنفلتين والخارجين عليه، ويأتي من وعي الناس والارتقاء بثقافتهم، ويأتي من الروح السياحية التي يجب أن تتحلى بها المؤسسات والافراد على حدٍّ سواء، ومن ثم التفكير الجاد في خلق بيئة سياحية لا تقتصر على فصل الشتاء، وهذا يتم عبر استشارة الشركات العالمية ذات العلاقة، والاهم من ذلك كله هو نوعية المشاريع ومواقع انشائها. لا يكتفي السائح بالمنظر الجميل على البحر، أو بالغابة الظليلة، او بالصحراء مع امتداد البصر إنما بحركة النقل وسرعة التحرك واختيار الانسب في الاسعار وهكذا.
الفندق والمطعم والمقهى والنادي الليلي والحانة والسينما والمسرح وصالات الالعاب والشاليهات والحدائق الواسعة وغيرها الكثير أمكنة يقصدها السائح، وهي بغيته في كل يوم فإذا نجح العيداني في ترويض الاسلاميين، أو استمالتهم بالمال، أو بالخداع السياسي فسيكون قد أدى المهمة العظيمة، وأخذ المدينة الى برِّ الامان، وحقق ما كان لها في سالف عهدها، وأضاف لصندوق مالها الكثير . أما هؤلاء(إطاريون وغيرهم) فهم عقبة العقبات في تحقيق اي مشروع تنويري وحضاري، لأنهم يرون هزيمتهم في المشاريع هذه، التي تخرب عليهم وعي جمهورهمن وتصرفهم عنهم الى الحياة الحقيقية، الى حيث يجد الانسان رزقه وسبل عيشه ومستقبل أبنائه. وفي النهاية فأنَّ بناء الانسان يتم في الامكنة تلك، وهنا سيحتاج العيداني الى فريق يعي معنى السلم والمدنية والتحضر قوام كل تحول مجتمعي.