طالب عبد العزيز
فسحة الامان التي تمتعت البصرةُ بها خلال أيام خليجي 25 لم تكن عفويةً، ولم تأت من فراغ، لمن خبر السياسة العراقية، وصراع الأضداد على المغانم، وواضح أنَّ حكومة محمد السوداني و(دهاء)أسعد العيداني كانا وراء الهدوء الذي ساد اجواء المدينة داخل وخارج الملاعب، وانسيابية الحركة وتسويق مدن العراق والبصرة بخاصة بوصفها واحة رخاء وأمن..ولعمري ترفع لهما القبعات فقد كانا سياسييَّن اكثر من كونهما أيَّ شيء آخر.
في بلاد الله، وأينما توجهنا لا وجود للمثالية، في ايِّ مفصل من مفاصل الحياة، إذ لم تكن اسطنبول مدينة آمنة ذات يوم، وليست طهران كذلك، ولن تكون المدن في اوربا وأمريكا نهاية المثال والكمال في الهدوء والامن والدعة، أبداً، ذلك لأنَّ القاعدة في الحياة قائمة على صراع ابدي بين الخير والشر، أما نقطة الحسم بين ذلك فهو القانون، وقدرته على الحد من الجريمة ومحاسبة المجرمين، ومن يتجول في قاع أي مدينة سيعثر على ما لا يتوقعه، هناك شوارع ضيقة، وبخدمات قليلة، وهناك مجاميع بشرية غير قادرة على تأمين لقمة العيش، او بالكاد تؤمنها وهناك نقص في التعليم والصحة و..الخ
وسائل الاعلام الرسمية وشركات السياحة وبعض المدونين، من عشاق مدنهم يحاولون أن يقدموا لنا الجانب المشرق من الحياة في مدنهم، وهذا امر طبيعي، بل وهو حسنة، فالمستفيد في النتيجة هو المواطن البسيط، أوالتاجر الثانوي.. ولنأخذ مثال المدن التي تعتمد السياحة مصدراً في اقتصادياتها مثل بيروت والقاهرة وبعض مدن جنوب شرق آسيا، ولنحسب الفائدة المستقاة من دخول السائحين، ومن ثم نحسب الخسارة المتوقعة جراء عدم دخولهم، وتداعيات ذلك على حياتهم. في مثل التصور هذا يمكننا الحديث عن البصرة بوصفها وجهة سياحية- بعيداً عن منطق الكرم والضيافة- حيث ستعم الفائدة على شرائح اجتماعية عريضة من الذين لم يجدوا فرصتهم بالعمل في قطاعات الدولة أو الشركات النفطية والاهلية.
لعلنا نهمس في آذان السياسيين، من أصحاب الضمائر الحية، أو معدومي الضمير بالاساس ونقول لهم: لتكن وقائع خليجي 25 في البصرة نقطة تحول في منهاج خلافاتكم، والمشهد الذي كان يستحق ذلك منكم. وفكروا ملياً في ما عجزتم عن تحقيقه، من فرص العمل والوظائف العامة لجمهوركم، وندعوكم مخلصين أن تعلقوا مطامعكم من أجله، أو تتناسوها لحين معين، فقد فتح عينيه على أمر جديد، وهو قادر على قلب الطالولة عليكم فاحذروه. ومثل هذه نقولها لشيوخ العشائروخطباء المنابروكل الذين ولغت ألسنتهم في مستنقع خطاب الكراهية والتخريب: كفوا ايدكم والسنتكم عن هذا الشعب المسكين، واتقوا الله فيه.
قد لا نعدم مشاعرالوطنية في قلب السيدين السوداني والعيداني، وفي قلوب الكثيرمن رجال السياسية لدينا، ونعرف عن قرب صعوبة ما هم فيه، جراء التجاذبات الدولية والاقليمية، ونعرف أنَّ ايدي البعض منهم مغلولة الى الاعناق، وغير قادرة على حماية أنفسهم، وأن قوة غيب معلومة عند الجميع قادرة على أن تقذف بهم خارج الحلبات كلها، وتطيح بهم في اي ساعة، وهم يتعرضون الى ضغوطات تفوق قدراتهم. لكننا نخطب فيهم مخافة الله في شعبهم أولاً وما تبقى في انفسهم من احساس بالوطنية ثانياً لا أكثر.