TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الحوكمة وقيمة العمل

الحوكمة وقيمة العمل

نشر في: 15 يناير, 2023: 11:12 م

إسماعيل نوري الربيعي

النشاط الاقتصادي الذي تتفاعل فيه التنمية، والذي يقوم على بيئة إستثمارية تتيح المرونة والمجال الواسع لقطاع الأعمال. والذي لا يمكن له أن يقوم من دون الاستناد إلى محددات و أركان يقوم عليها، لعل الأبرز فيها يتمثل في ؛ الشفافية والمساءلة وسيادة القانون.

إنها الوصفة التي يثمر عنها المزيد من الثقة في بيئة العمل، والمسار الذي يتم فيه تعزيز مسار التنافس. ولا يقف الأمر عند حدود التوصيف بل يتخطاه نحو التطلع إلى تكثيف الجهود في صلب الممارسة. تلك التي تتبدى في تأسيس اللجان المتخصصة، القائمة على مبدأ الإفلات من السمعة التقليدية التي ترافق عمل اللجان. لجان تمنح الصلاحيات العميقة والدالة، حيث الهدف الذي يحفزها ينطلق من التطلع نحو رسم معالم (قيمة العمل الجديد) الخالي من الرتابة و العلاقات التقليدية والترهل والهزال و البطالة المقنعة، انطلاقا من تقديم مباديء الكفاءة و الانضباط و النزاهة والتقويم، سعيا نحو تحريك المياه الراكدة والعمل على حفز واقع الأداء الحكومي، و التوجه الحثيث نحو تطبيق المباديء التي تساهم في تفعيل التنمية الاقتصادية. حيث الاعتماد على الضبط والانضباط لا بوصفهما أداة للمعاقبة والمراقبة، بقدر ما يكون التطلع نحو تغيير طريقة التعاطي مع مفهوم الانجاز الوظيفي، بدءا من تفعيل مسار تقييم الأداء، وجعله معيارا يتم من خلاله تمييز العنصر الوظيفي، وتقييم انجازه، والعمل على تطوير قدراته من خلال التطوير و التدريب، وخلق بيئة العمل التي تقوم على فريق العمل والمشاركة، وغرس قيم العدالة و الحرية والديمقراطية.

قيمة الحوكمة تستمد من إستيعابها لمجمل التيارات والاتجاهات والرؤى والتصورات، التي تتمثلها عناصر المجتمع. فالأمر لا يتعلق بتيار حزبي أو اتجاه سياسي، أو كتلة برلمانية تحاول أن تحظى بالسيطرة على مصادر التشريع، بقدر مايتعلق بعموم المواطنين داخل كيان الدولة الواحدة، والذين يهمهم العيش في بيئة خالية من الفساد الإداري، ويمنحون القدرة على المشاركة العميقة و الأصيلة في صناعة القرار ورسم معالم مستقبل الوطن. مشاركة جوهرية لا تتوقف عند قطاع أو حقل،هي لا بالسياسية أو الاجتماعية أو الثقافية أو الاقتصادية، بقدر ما هي تمثيل عميق لمجمل هذه القطاعات. ولا هي بالموسمية أو تجنح للتوافق مع إملاءات من طرف ما، بقدر ما تقوم على شرعية العلاقة الأصيلة و الراسخة بين الوطن والمواطن. إنه المعطى الذي يجعل من حقوق الإنسان، جزءا راسخا من الثقافة الاجتماعية، ويعمل على مواجهة الفساد، لا بوصفه تقصيرا إداريا، بقدر ما يكون التطلع نحو ترصده وملاحقته، واعتباره مهمة يجب أن يضطلع بها المجتمع كافة. من خلال توسيع آليات الرقابة الشعبية و المساءلة والمحاسبة، و التوجه نحو توسيع عمل الأجهزة الديمقراطية، والتأكيد على استقلال السلطة القضائية، و التوجه نحو ترسيخ الحرية المسؤولة وصيانة حرية التعبير، وغرس قيم المشاركة والمبادرة و الانتماء والولاء المنّقى من المصالح الذاتية و الاعتبارات الشخصية.

على الرغم من حداثة تداول مصطلح (الحوكمة)، والذي يعود إلى تسعينات القرن العشرين من قبل صندوق النقد الدولي و هيئات الأمم المتحدة العاملة في مجال التنمية. إلا أن الأصول التاريخية له تبقى متجذرة في البدايات الأولى لظهور النظام السياسي للبشرية، باعتبار التمييز بين العدالة والظلم، فيما تطورت التجربة من خلال النظام الديمقراطي الذي نشأ في بلاد الإغريق و على نطاق محدود. أما التطبيق المعاصر للحوكمة فيتمثل في توجه الأنظمة السياسية القائمة على المباديء الديمقراطية، تلك التي راحت تحث الخطى نحو توكيد وترسيم ملامح الآليات الحاكمة لهذا النموذج، و تحديد الأركان التي تميزه، سعيا إلى تعميمه ونشره، باعتباره التجربة الأكثر حضوة وقدرة في مواجهة الأزمات والمشكلات التي راح يواجهها العالم المعاصر، لا سيما و أن البنية القانونية والمفاهيمية والتشريعية التي يقوم عليها، في منتهى الوضوح و خالية من التعقيد. هذا بالإضافة إلى المسعى والجهد الذي راحت تتطلع اليه النظمة الديمقراطية في تأكيد جدواه وأهميته، عبر الإشارة إلى التجارب المباشرة في الحكم الرشيد. و التطلع نحو حث المنظمات الدولية على دعمه وتشجيعه و تعميمه، لا سيما في البلدان النامية.

يرتبط مفهوم الحوكمة بالمشاركة العميقة والمؤثرة. تلك التي يمكن أن تكون مباشرة، حيث يتبدئ دور الفرد الفاعل والمؤثر في صياغة وبناء المجتمع، عبر اسهامه العميق في الرقابة و المتابعة والرصد والتحليل، وحث الجهود الإيجابية نحو مواجهة الأخطاء والممارسات التي تضطلع بها بعض الجهات. فيما يبرز مجال المشاركة غير المباشرة عبر تفعيل دور مؤسسات و منظمات المجتمع المدني، سعيا نحو بلورة الثقافة الديمقراطية، تلك التي ترتبط بالتنمية البشرية. ومن هذا المعطى تبرز أهمية التوصيف الذي و ضعه برنامج الأمم المتحدة للتنمية البشرية، والذي يقوم على ثلاثية:

1.تنمية الإنسان: حيث التطلع نحو بناء الإنسان المؤهل للمشاركة في التفاصيل التي تزخر بها الحياة، بإيمان و فاعلية و و عي عميق بالدور.

2.التنمية من أجل الإنسان: العمل على خلق المناخ العادل، الذي يؤمن للإنسان الإفادة المباشرة من فعالية التنمية، من خلال التشريعات و التنظيمات السياسية والقانونية و الإدارية. إلا أن الواقع يبقى منفتحا على المجمل من التناقضات التي يزخر بها المجتمع، لا سيما على صعيد الصراع الفئوي والطبقي ن او التداخل في المصالح بين من يملك ومن لا يملك على الصعيد الاقتصادي. أو بين من يحكم ويهيمن ويسيطر على صناعة وصياغة القرار السياسي، ومن يتعرض للسيطرة و الخضوع.

3.التنمية بالإنسان: حيث السعة والمجال المفتوح للإنسان من أجل المساهمة المباشرة في في الإعداد و البناء والتطوير الاجتماعي. انطلاقا من تفعيل مبدأ (التمكين Empowerment)، و على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. فيما يتسع نطاق المساهمة، إن كانت على الصعيد الفردي، أم على مستوى الفعاليات الجماعية، والتي تتمثل في منظمات المجتمع المدني (أحزابا و نقابات وجمعيات)، سعيا نحو تفعيل مستوى الأداء، و العمل على خلق الحافز الذي يسير في اتجاه (التنمية المستدامة Sustainable Development)، تواصلا نحو بناء نموذج الحكومة اللامركزية، وخلق الفرص امام مساهمة الأفراد في صلب ممارسة السلطة وصناعة القرار، في مجتمع تسوده العدالة والمساواة والحرية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

"قوانين جديدة".. طالبان تعتبر وجه وصوت المرأة "عورة"

تشكيلة ريال مدريد المتوقعة لمباراة لاس بالماس اليوم في الليغا

اسقاط مسيرة تركية وسط كركوك

الضفة الغربية.. الاجتياح يتواصل لليوم الثاني وارتفاع حصيلة الشهداء

الصحة: لا توجد مبررات كافية لإدخال لقاح جدري القردة إلى البلاد

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

 علي حسين ظل السادة خضير الخزاعي وأسامة النجيفي وصالح المطلك وإبراهيم الجعفري وفؤاد معصوم وعباس البياتي وعتاب الدوري وحسن السنيد وغيرهم يهلّون علينا كلَّ يوم قبل الغداء وبعد العشاء من خلال الصحف والفضائيات،...
علي حسين

كلاكيت: البحر الأحمر في فينيسيا

 علاء المفرجي بعد مشاركتها في الدورة السابعة والسبعين من مهرجان كان السينمائي لعام 2024م، من خلال أربعة أفلام سينمائية وعدد من المبادرات والفعاليات. وتتضمّنت قائمة الأفلام التي حصلت على دعم المؤسسة: "نورة" للمخرج...
علاء المفرجي

تدهور الرعاية الصحية الراهن لا تُعالجُه الوعود المعسولة!

د. كاظم المقدادي أنتجت المنظومة السلطوية القائمة على المحاصصة الطائفية والإثنية، وتقاسم النفوذ والمليارات، والمناصب والإمتيازات، ظواهر بغيضة، كالتسلط والهيمنة على مقدرات البلد، بدأتها بإفراغ الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى من الموظفين الكفوئين إدارياً وذوي...
د. كاظم المقدادي

عن المرجعية الدينية

حيدر نزار السيد سلمان كتب ويكتب الكثيرون عن خليفة المرجع الديني اية الله العظمى السيد علي السيستاني بالإضافة إلى جهود بعض مراكز البحوث المهتمة بالشأن العراقي، وهذا دلالة على أهمية المرجعية الدينية من النواحي...
حيدر نزار السيد سلمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram