اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > باليت المدى: حين صرتُ لصاً!

باليت المدى: حين صرتُ لصاً!

نشر في: 15 يناير, 2023: 11:18 م

 ستار كاووش

إنتقلتُ من مدينة نايميخن الى مدينة خوركم جنوب هولندا، وقضيتُ بضعة أشهر في السكن الجديد، الذي كان عبارة عن سفينة كبيرة، يعيش فيها عدد كبير من الأشخاص، ممن ينتظرون الإقامة الرسمية في الأراضي المنخفضة، وهناك بدأت التعرف على بعضهم وتوطدت علاقتي بهم.

أستعيد تلك السنوات البعيدة دائماً، وأتذكر ذلك اللوح الخشبي الذي يوصلنا بخارج السفينة وكيفَ يهتز ونحن نمشي فوقه بحذر. وكم كان الأمر رائعاً بعد حصولي على غرفة صغيرة تتأرجح فوق الماء. في تلك السفينة تعرفتُ أيضاً على بعض الهولنديين الذين كان يقتضي عليهم مساعدتنا، كانوا لطيفين كالعادة ويحاولون تسهيل الكثير من الأمور، وبينهم شاب لطيف إسمه يان، كان يكرر دائماً كلمة (كُوكُووك) وكان يلفظها بطريقة مضحكة، ويقولها عادة عندما يفاجئني بالقدوم وأنا غير منتبه له، أو حين يريد تذكيري بشيء ما وأنا في غفلة، أو حتى لإثارة إنتباهي وإيقاظ ذاكرتي عند عدم فهمي لبعض الكلمات الهولندية، لذلك صرتُ أيضاً أردد هذه الكلمة المضحكة في بعض المواقف وأعقبها بإبتسامة مصطنعة تشبه إبتسامة أودي ميرفي.

خرجت ذات يوم للتسوق متأخراً، بعد أن نصحني جاري الروسي بالذهاب الى سوبرماركت كبير إسمه (سي ثاوزن)، لم أكن قد سمعت عنه في السابق. وصلت الى هناك وتناولتُ سلة التبضع ودخلت كأي غريب لا يعرف تفاصيل المكان جيداً ويتردد بالمضي نحو هذه الجهة أو تلك. كان عليَّ إكتشاف التفاصيل والبضائع بنفسي، فتظاهرتُ بإني أعرف المكان جيداً ومضيت أبحث عن ما أحتاجه، وأنا في تلك الحالة من البحث العشوائي، لمحتُ رجلاً هولندياً تُشير ملابسه الى أنه يعمل في السوبرماركت، وهو يحاول ملاحقتي ومراقبة تصرفاتي التي بدت له غريبة، وهكذا كنت كلما أمضي نحو جانب، يتربص بي من بعيد ويمشي خلفي وهو يحاول إخفاء مراقبته لي، عن طريق تعديل هذه العلب أو الإعتناء بتلك الرفوف، وهو لا يعرف بأني قد إنتبهت له. لم أعرف وقتها الطريقة التي يمكن أن أتصرف بها معه وليس لديَّ خبرة كافية للتعامل مع الهولنديين، لكني فهمتُ بأنه قد ظنَّني لصاً وعليه مراقبتي. كيف أثبت له بأني ولد طيب أريد شراء بضع قنانٍ من البيرة والخبز وقليل من الجبن والذهاب الى حال سبيلي حيث السفينة التي تتأرجح بين الماء والسماء.

بقي الرجل مصراً على متابعة شاباً أسمراً وبشعر أسود مثلي، وكانت طريقة بحثي العشوائية عما أريد شراءه وأنا أتيه وسط الرفوف المتنوعة قد أعطته ذريعة أكبر للقيام بمراقبتي. وربما جلبَ هذه الفكرة الخاطئة من ذاكرة بعيدة تتعلق ببعض الأجانب. وفيما أنا أحاول التملص من هذا الرجل، سمعته يتحدث مع أحد الزبائن قرب قسم الفاكهة، فقفزتُ بسرعة فائقة وانعطفتُ في واحدة من الزوايا المليئة بالثلاجات والفريزرات المليئة بالسمك والأطعمة المجمدة، ومن هناك إستدرتُ بطريقة حذرة، حتى صرتُ وراء الرجل الذي يراقبني تماماً، وصرتُ أنا الذي أراقبه، وقد علتني إبتسامة شخص منتصر، حيث تابعته وهو يفتح ذراعيه ببطء ويدير رأسه هنا وهناك وكإنه يتساءل: (أين ذهب هذا اللعين؟) وأنا أضحك في سري. وهنا تذكرتُ الكلمة التي تعلمتها من يان في السفينة، فإقتربت ببطء من الرجل، وحين صرت خلفه أطلقت بإتجاهه كلمة (كُوكُووك)، فقفز من مكانه، مستديراً ناحيتي بدهشة، وتظاهرَ بأنه يبحث عن شيء ما. فإقتربتُ منه وكإني لا أعرف شيئاً عن الموضوع وسألته (أين أجد قناني البيرة من فضلك؟) فأجابني بإرتباك وهو يشير بإصبعه نحو المكان. مددتُ يدي نحو ست قناني مغلفة في باكيت واحد، ثم عثرت على الخبز وشرائح الجبن، وذهبتُ لدفع الحساب. وهناك كان الرجل ذاته هو المحاسب الذي يستلم مني ثمن الأشياء التي إشتريتها، والغريب إنه حين أمسك قناني البيرة بيده، نظرَ اليها وكإنه يقرأ شيئاً ثم هز رأسه كمَن يفكر في شيئ ما، لكني لم أفهم ما فكر به. عدت الى المركب ووضعت حقيبتي الصغيرة على المنضدة، وأخرجتُ مباشرة واحدة من القناني وفتحتها، ومع أول رشفة أحسست بأن طعم البيرة غريب أو كإنها تبدو قديمة أو هناك شيء غير صحيح.

تفحصتُ القنينة جيداً، فوجدتُ مكتوباً عليها (مالْت) أي بدون كحول، يالهي، بسبب عجالتي إشتريتُ بيرة بلا كحول! وهنا فهمتُ لماذا نظر الرجل نحو القناني عند دفعي الحساب! ربما كان يفكر بأني جئتُ من بلد لا نشرب فيه الكحول، لكننا مع ذلك يمكن أن نسرق!! نظرتُ الى النافذ الزجاجية التي إقترب الماء من حافتها السفلية، وفتحتها نحو الأعلى، ورميتُ القناني الخمسة المتبقية في الماء وهي مازالت مغلقة، وراقبتها وهي تطوف وتذهب بعيداً عن السفينة. أغلقتُ النافذة ونظرتُ الى ساعة الحائط الصغيرة، فعرفتُ بأني لا يمكن أن أحضى اليوم بقنانٍ أخرى، لأن السوبرماركت كان قد أغلق أبوابه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram