طالب عبد العزيز
في بضعة أيام، أثبتَ العراقيون عراقيتهم في فعاليات خليجي 25 فقد كان كرنفالاً كبيراً، إجتمعت فيه الاقوام، من الشمال الى الجنوب، ومن كلِّ عرق ولسان، عبّروا فيه عن انتمائهم للوطن الكبير(العراق) ما أن اختفت يدُ السياسة الوسخة عن المشهد، وأثبت الجميع فيه على أنَّ تحقيق المواطنة وبكرامة غير منقوصة فعل ممكن، وأنَّ العيش تحت راية الوطنية والانسانية أسهل بكثير من العيش تحت راية الدين والمذهب والشعارات الزائفة.
لم يكتف العراقيون(عرب وكرد وآشوريون وتركمان وأيزيدية وشبك وو) من تحقيق عراقيتهم في دورة الالعاب هذه، إنما تححقَّ العربُ(عراقيون وخليجيون وغيرهم) من قرب العراق منهم، وشاهد الناس مئات الصور وسمعوا مئات القصص التي تؤكد انتماء البلاد لمحيطها الخليجي والعربي، وإذا تحسسَّ الكردُ أو التركمانُ من مقولة(العراق) بصبغتها العربية أو ذهبوا لرسم حدود شخصية معينة للتسمية هذه فليس في القضية ما هو جديد، حيث إختلفت تسمياتُ العراق قديما وحديثاً، بين قائل بالعراق العربي، أو شمال العراق، أو كردستان العراق.. فقد كان الانجليز قبل وبعد الحرب العظمى الاولى يطلقون تسمية العراقِ العثماني عليه، ومن قبلهم سمّى الاتراك العثمانيون الجزءَ الجنوبي من العراق بالعراقِ الفارسي، لكنَّ ذلك كله ذهبَ أدراج الرياح، وظلَّ العراق كما خُطَّ على الارض، وطناً لنا جميعاً.
لا ينتفع من البحث عن اسم تتقلص وتتقزم فيه صورة البلاد هذه إلا أصحابُ الآفاق الضيقة، من القوميين والشوفينيين، الذين يجدون أسباب سلطتهم بين ثنايا كتب الجغرافيا، وفي بطون كتب التواريخ، والذين يبحثون عن وطن قوميٍّ أو دينيٍّ وطائفي.. اما الذين يتطلعون الى بلادٍ تحكمها المؤسسات، وتؤطرها الحدود المرسومة في المحافل الدولية، وينعم الانسانُ فيها بروح المواطنة، التي لا تخضع لمعايير الانتماء العرقي والاثني فهذا العراق الذي يريده الجميع، وهو الوحيد الذي يحقق الانسانُ فيه ذاته، بعد عن التهميش والقهر، فقد أثببت التجارب في العالم كله فشل الحكومات القومية والطائفية، وعانى الانسان ما عانى من حكم القبائل والأديان والطوائف.
من استمع الى صوت المعلق الكردي (لاوين هابيل) وهو يعلق باللغتين الكردية والعربية، في مباراة منتخب العراق مع منتخب عمان وغالبية ألعاب العراق مع الفرق الاخرى وقد بحَّ صوته، واختلط بالدموع والعبرات، أو وهو ينادي باسم العراق كاملاً غير مقتطعٍ، ومن رأى الدبكات الكردية والتركمانية والموصلية والبدوية التي أقيمت في البصرة على شارع كورنيش شط العرب، ومن وقعت عينه على مئات الصور التلفزيونية التي عبرت جميعها عن صورة البلاد الحقيقية، سيبحث عمّن يرسم له خريطة جديدة للعراق، صورة لا تخطُّ بأفواه وأقلام السياسيين والفاسدين والقتلة، إنما بأفئدة وعيون وقلوب ملايين الامهات والاطفال والشباب، من أبناء البلاد الواحدة، الذين أفلحت الكرة بتوحيدهم، بعد أن خابت ظنون السياسيين بتفريقهم.