عبدالمنعم الأعسم
الرياضة نشاط يزاوله اصحاء البدن، اصحاء العقل، فيما السياسة يزاولها اصحاء ومعتلون، والفارق بين هذه وتلك ان العقل في الرياضة عنصر بِناء، وفي السياسة عنصر بِناء وتدمير في آن، ومنذ زمن بعيد حذر سقراط من تدنيس الرياضة بالسياسة، وقال ان الخلط بينهما يضر بالرياضة ولا ينفع السياسة، وتماهت الرياضة في عقل هرقل ليتحدا في اعمال مجيدة، وكان اليونانيون يعتبرون ابطالهم الرياضيين هبة من السماء واجبة العرفان بالجميل.
انتصارات الفريق العراقي في دورة الخليج 25 تعيد الذاكرة الى الوراء بمسافة 19 عاما حيث كان الفتيان العراقيون قد ذهبوا الى اثينا للمشاركة في دورة الالعاب الاولمبية الصيفية وتركوا بلادهم تلوذ (آنذاك) بالاشجار والحيطان اتقاء التفجيرات والسيارات المفخخة ومليشيات الساسة المتهورين، وبالرغم من ذلك سجلوا، من غير مسبوقات بالتشجيع والوعود بالمكارم، ملحمة أذهلت العالم حين صعدوا عتبتين باسقتين فيما لم يرتقها قبلهم أي فريق عربي زُفّ الى الدورة بالطائرات الخاصة وطوابير الطبالين والراقصات وحشود المشجعين. وكان واضحا بان اللياقات والارقام المتوقعة والخدمات الاعلامية وكواليس التحكيم التي تحيط بالتنافس بين الفرق تمضي على مسارات معقدة وتأخذ في الحسبان “ملمس” الدول المشاركة من حيث خشونة كف اليد وسخائها.. وقل، هكذا قيل ونُشر في نطاقات معينة، في وقت لم يكن للعراق ملمس يُذكر.
بموازاة ذلك كانت الملاحم الفردية العظيمة تفلق الفضاءات لتروي لنا حكاية العداء الصيني «تويننغهام” الذي كان قد تعرض وهو صبي الى حادث حُرقت فيه ساقاه، وفقد الامل في امكانية السير على رجلين سليمتين، لكن عقله السليم قاده الى تحدي العائق ليصبح بطلا اولمبيا في الجري بعد عشر سنوات ونيف، والحال ينطبق على “ديفز” الذي كان يشكو من شلل مزمن لكنه استطاع بعد معركة مع علته ان يحطم الرقم القياسي في القفز العالي، اما “نانكي ميركي” التي اصيبت في طفولتها بشلل الاطفال فقد تجاوزت في الثالثة عشرة من عمرها الرقم القياسي في السباحة.
الرياضة تأنف العناد والسياسة تتعاطاه، ومما يلفت نظر الباحثين في التراث الاولمبي انهم لاحظوا بان اليونانيين القدامى كانوا يرون بأنه لا فرق بين المغرور والعنيد، وأن الغرور والعناد يعبران عن نفسهما في التوافه من الأمور التي لا تستحق مجرد النظر إليها من الأسوياء، وان المدربين اليونانيين القدامى كانوا يلقنون المتسابقين فضيلة التواضع والاعتراف، بفروسية نبيلة بحكم النتائج التي تسفر عنها المسابقات، ويحذرونهم من العناد الذي يوقع الابطال بالعثرات.
في أثينا، قبل حوالي عقدين من السنين، عم الذهول في محافل الدورة الاولمبية والعالم حين تغلب فتيان العراق على الفريق الاسترالي، ذائع الصيت، وتأهلهم الى دور نصف النهائي لبطولة كرة القدم الاولمبية..
عندما عاد الفريق العراقي الى بغداد منتصرا كانت الطوائف منشغلة عنه بحروبها، والشوارع مسبية بالتفجيرات والاحتلال وفلول النظام المهزوم، وشاءت الكهرباء ان تستقبل الابناء المنتصرين بالنكران.. والظلام الدامس.
استدراك:
« من صمم على الانتصار يقرب جدا من النصر”
روترو/مطران كاثوليك فرنسا عام 1109