TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > شروط إنجاح أكبر حملة للشمول بالحماية الاجتماعية

شروط إنجاح أكبر حملة للشمول بالحماية الاجتماعية

نشر في: 28 يناير, 2023: 10:21 م

د. أحمد عبد الرزاق شكارة

إن أنطلاق أكبر حملة للشمول بالحماية الاجتماعية مسألة حيوية إستراتيجية تنتظرها بفروغ الصبر الملايين من الفئات الاجتماعية الهشة المعرضة للمخاطر الانسانية والتي يفترض أن ترتقي بمستوى حياتهم التنموية الانسانية مع التركيز بخاصة على الفئات المحرومة والفقيرة.

حملة مهمة جدا إن أحسن تطبيقها ولكنها لازالت تمثل في إجتهانا المتواضع بداية الطريق نحو شوط طويل الامد زمنيا وصولا لمرحلة الاستدامة التنموية الهادفة لإنقاذ الملايين من مجتمعنا العراقي من براثن الفقر المدقع والحرمان المرير في شتى ميادين الحياة. من هنا تراودنا كمحللين ومراقبين للمشهد العراقي المعقد الذي يمر حاليا بمرحلة غاية في الاهمية تساؤلات مهمة بحاجة للاجابة تتركز حول طبيعة الشروط الاساسية التي بمكنتها إنجاح مثل هذه الحملة الانسانية الستراتيجية التي أطلقها في الايام القليلة الماضية السيد محمد شياع السوداني رئيس الوزراء العراقي الذي له باع في مجال متابعة وتطور مسار الشؤون الاجتماعية والعمل في العراق نظرا لخبرته في وزارات انتاجية وخدمية بضمنها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية. تستهدف الحملة عقب أنتهائها تلبية إحتياجات ومطالب إنسانية لأكثر من 1.7 مليون أسرة تقدمت عبر النافذة الالكترونية بطلبات شمولها بمبلغ الاعانة (لم يحدد بشكل دقيق قد يصل إلى 7 ترليون دينار). الحملة تجيئ أمتثالا وتطبيقا للبرنامج الحكومي الاصلاحي لحكومة السيد السوداني بأعتباره يركز على معالجة الفقر كأحد أهم الاولويات. المكتب الاعلامي للسيد رئيس الوزراء اضاف عبارة مهمة مفادها ضرورة التخفيف من معاناة الفئات الهشة والفقيرة إتساقا مع توفير سبل العيش الكريم مسألة ينتظر أن تترجم عملا وفقا لسياقات زمنية محددة كي تنعكس إيجابا على نوعية ومستوى حياة الفئات الفقيرة والمحرومة المهمشة المعرضة لحجم لايوصف من المعاناة الانسانية. من النقاط المهمة التي وردت في مضمون الحملة المعلنة في شهر يناير 2023 مشاركة 2000 باحث من هيئة الحماية الاجتماعية في وزارة العمل يفترض أن تغطي معطيات ونتائج بحوثهم استيفاء ما مجموعه 1746086 اسرة لشروط الحماية الاجتماعية مسألة في نظرنا ليست هينة طالما سجلت اعداد كبيرة بالالاف من المتجاوزين على الرعاية الاجتماعية الذين يجب أن تسترد اموالا اكتسبت بطرق غير مشروعة لتضاف لبرنامج الرعاية الاجتماعية بصيغته الشمولية. موضوع حيوي يحتاج إلى باحثين متخصصين متطوعين وبإعداد كبيرة لإجراء الاحصاء الدقيق عن اوضاع الفئات التي تقع تحت خط الفقر. علما بإن أعداد الباحثين حاليا محدود جدا (2000) قياسا على كمية العمل البحثي – الميداني الاستقصائي المناط بهم إجرائه. اخذا بالاعتبارأهمية مشاركة وزير العمل والملاكات المتقدمة بالوزارة في الحملة يبقى مثل هذا الجهد المرحب به بإنتظار فتح مجال أوسع لإنضمام مزيدا من الباحثين الفنيين والاحصائيين من مختلف التخصصات في المؤسسات والادارات الحكومية وغير الحكومية لهذه الحملة الانسانية الكبرى. لعل مما يستوجب مزيدا من أهتمامنا وتشجيعنا لهذا الجهد الحيوي يتوافق مع عملية إدخال بيانات أكثر من مليون و(500) ألف اسرة مشمولة بشبكة الحماية الاجتماعية في نظام زيادة مفردات الحصة التموينية التي اقرها مجلس الوزراء بصورة تمكن من استلامها من قبل الفئات الفقيرة بدءا من شهر يناير 2023. مسار يرتكز على تطبيق البحث النشط Action Research أحد مناهج البحث العلمي الوصفي Qualitative Research من خلال دور تسهم به لجان البحث والتقصي للبحث عن الفئات المستهدفة تصل اعدادها إلى 2 مليون شخص. هذا وعقب الانتهاء من عملية التأكد من إدخال كافة البيانات المطلوبة الكترونيا تنطلق حملة موسعة هدفها تلبية مطالب المناطق السكنية المعنية في المحافظات التي تعاني من الفقر (الاقضية والنواحي والقصبات والاحياء السكنية). من منظور مكمل اشار السيد أحمد الاسدي وزير العمل والشؤون الاجتماعية إلى أن الحملة ستشمل 20 قضاء 3 منها في بغداد و2 في الناصرية و2 في نينوى و2 في صلاح الدين وقضاء في ال15 محافظة المتبقية. عقب هذه العملية الاولية ستتجه الجهود الحكومية إلى 33 قضاء أخر مشمولة هي الاخرى بخط الفقر(مؤشر البنك الدولي للفقر المدقع = 1.90 دولار). من هنا أولوية أعتماد شروط جوهرية تقع مضامينها في مجالات تنموية إنسانيا هدفها إنجاح أكبر حملة للحماية الاجتماعية.

الامر يحتاج منا تشخيصا عام للتحديات الانسانية التي وضعت العراق في مناخ أو محيط في تقديري يمكن وصفه يمكن «جيوسياسي – اقتصادي – اجتماعي – إنساني مآزوم". علما بإن التاريخ السياسي الاقتصادي المعاصر للعراق حمل أزمات أنسانية مثلتها تحديات كبرى على الصعيد الاقتصادي - الجيوستراتيجي – الانساني. مايهمنا اساسا تسليط الضوء عليها في ظل مفارقة مهمة ميزت المرحلة مابعد 2003 مفادها استمرار اعتماد الدولة على الاقتصاد الريعي "النفطي" بشكل يكاد يكون كليا بينما لازالت مجالات التنمية الزراعية، الصناعية والخدمية بشتى مضامينها تعاني من أزمات "بنيوية تنموية – إنسانية" تجسدها إتساع مساحات واسعة الفقر، البطالة، الجهل والمرض في بلد لديه إمكانات بشرية ومادية حيوية!. ضمن هذا السياق يذكرنا مؤلف كتاب أزمة التوزيع وأداء النظام السياسي العراقي بعد العام 2003 عبد الحسن عصفور الشمري بقساوة الوضع الانساني الذي تضمن تفاوتا في الدخل والثروة كبيرا بين الفئات المالكة لرأس المال والاخرى التي تعاني شغف العيش والتشرد او التهميش وهنا نقتبس : «لايمكن إغفال تفاوت الدخل والثروة بين المناطق، المحافظات وفي مابين وحداتها الادارية وأجزاء المدينة الواحدة وبين الريف والحضر ولازالت وسائل معالجة هذا النوع من التفاوت ضعيفة أو تنعدم أحيانا. كما تختلف الخدمات العامة في تغطيتها للسكان ونوعيتها بين المدن وأحياء المدينة الواحدة". الامر الذي نتفق فيه مع وجهة نظر مؤلف الكتاب في ضرورة «المباشرة بتلافي هذا التفاوت ضمن سياسة موحدة وبالتزامن مع مسوحات تفصيلية وإعادة تصميم المدن وتصحيح أوضاعها الحالية». علما بإن "الارياف كانت دائما أدنى في مستويات المعيشة من الحضر وفي وصولها للخدمات العامة «. الحل الافضل الذي اقترحه الباحث " تنسيق سياسة العدالة التوزيعية مع مهمات التنمية الزراعية». إستجابة سليمة ولاشك نعززها من رؤيتنا الستراتيجية للحل الكامن في أن تتسع دائرة التنسيق لتغطي عملية شاملة للتنمية الستراتيجية – الانسانية بمختلف تفاصيلاتها وتداعياتها. ترتيبا على ماتقدم، لابد من الارتقاء وباسرع وقت ممكن بالمحيط المجتمعي – الاقتصادي (الزراعي، الصناعي والخدمي) المتخلف، ولن يتسنى ذلك بيسر دون معالجة جذرية للملفات التالية: اولا: الفساد (الاداري – السياسي – المالي والاقتصادي- المجتمعي)، ثانيا: الاحتكام إلى الادارة الرشيدة من خلال اختيار الكفاءات المتخصصة التي تتمتع بمصداقية مهنية وأخلاقية في ظل الاعلاء من قيمة الولاء للوطن اولا وهذا ماجسده انتصارالعراقيين في شتى ميادين الحياة العلمية والفنية والرياضية بضمنها ما حققوه مؤخرا من نصر رابع جميل في بطولة خليجي 25، ثالثا: تأسيس دولة المؤسسات الدستورية – السياسية المستقرة أمنيا والمستدامة ديمقراطيا بعيدا عن ظاهرة التوافقية أو المحاصصة الحزبية التي تسمح بإنتشار مساحات واسعة من الفساد في ظل مايعرف بالدولة العميقة او الموازية في محيط يتسم بالضبابية و العشوائية في عقد الاتفاقات العرفية او الشخصية او العائلية او القبلية بل والجهوية غير القانونية التي تتسبب ليس فقط بإهدار للمال العام بل وبتداعيات سلبية ناجمة عن حالات من العنف والتطرف السياسي – المجتمعي ما يبعد البلاد كثيرا عن بناء محيط مستدام حضاريا وأمنيا يسمح بعقد صداقات وتحالفات تفتح ابواب للاستثمار المثمر في مجالات حياتية هدفها تنمية بلادنا مجتمعيا – اقتصاديا – ثقافيا - بيئيا وسياسيا – إستراتيجيا في ظل علاقات دولية مثمرة وعادلة او منصفة نسبيا. إن تحسن الواقع الاقتصادي – السياسي – المجتمعي كفيل بفتح المجال للقطاع الحكومي بفتح مجالات جديدة للاستثمار الوطني المنتج تستقطب كفاءات عراقية تحتاجها بلادنا هذا من جهة مع تنمية حقيقية للقطاع الخاص المنظم كي يشارك مع القطاع العام والمشترك بدور فاعل هدفه أنعاش دورة الصناعة الوطنية الحديثة التي تسهم ببناء مشروعات متنوعة "صغرى، متوسطة وكبرى» تستقطب اعدادا كبيرة جدا من السكان خاصة من فئة الشباب او الجيل الجديد الناهض من الطبقة الوسطى او من الفئات الفقيرة.

أخيرا فأن الاعتماد الذاتي على النفس وتشجيع مشروعات مبدعة للتنمية الانسانية "الخضراء والمتجددة الطاقة" ستقلل «إن أحسن تطبيقها» من حجم المعاناة الانسانية وعدم العدالة السائدة في اوساط الفئات الفقيرة والمحرومة مؤسسة مناخا صحيا وبيئيا مواتيا لسياسات إستراتيجية مستقبلية تتكيف معها مؤسسات ومنظمات الحماية الاجتماعية - بشكلها الرسمي او غير الحكومي- مع متغيرات عصر الحداثة والتقنية العالية تلبية للمطالب الانسانية وإتساقا مع تحويل التحديات إلى فرص مناسبة تنقل بلادنا إن عاجلا أم آجلا لمرحلة متقدمة تليق ببلدنا وشعبنا مضمونها إرتباط قوي بمشروعات حيوية للتنمية الانسانية المستدامة تتمحور حول بناء الانسان من خلال برامج سليمة ترفع من الوعي العام بعظم المسؤولية الاجتماعية وترتقي بمناهج التعليم والتربية وغيرها من سبل تنشط العمل المنتج والمبدع. علما بإن وجود شبكات الحماية الاجتماعية ستستمر بإداء عملها خدمة لفئات الشعب المحرومة والفقيرة خاصة التي وصلت لمرحلة متقدمة في العمر باسلوب ومنهج جديد ينمي طاقات البشر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

"قوانين جديدة".. طالبان تعتبر وجه وصوت المرأة "عورة"

تشكيلة ريال مدريد المتوقعة لمباراة لاس بالماس اليوم في الليغا

اسقاط مسيرة تركية وسط كركوك

الضفة الغربية.. الاجتياح يتواصل لليوم الثاني وارتفاع حصيلة الشهداء

الصحة: لا توجد مبررات كافية لإدخال لقاح جدري القردة إلى البلاد

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

 علي حسين ظل السادة خضير الخزاعي وأسامة النجيفي وصالح المطلك وإبراهيم الجعفري وفؤاد معصوم وعباس البياتي وعتاب الدوري وحسن السنيد وغيرهم يهلّون علينا كلَّ يوم قبل الغداء وبعد العشاء من خلال الصحف والفضائيات،...
علي حسين

كلاكيت: البحر الأحمر في فينيسيا

 علاء المفرجي بعد مشاركتها في الدورة السابعة والسبعين من مهرجان كان السينمائي لعام 2024م، من خلال أربعة أفلام سينمائية وعدد من المبادرات والفعاليات. وتتضمّنت قائمة الأفلام التي حصلت على دعم المؤسسة: "نورة" للمخرج...
علاء المفرجي

تدهور الرعاية الصحية الراهن لا تُعالجُه الوعود المعسولة!

د. كاظم المقدادي أنتجت المنظومة السلطوية القائمة على المحاصصة الطائفية والإثنية، وتقاسم النفوذ والمليارات، والمناصب والإمتيازات، ظواهر بغيضة، كالتسلط والهيمنة على مقدرات البلد، بدأتها بإفراغ الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى من الموظفين الكفوئين إدارياً وذوي...
د. كاظم المقدادي

عن المرجعية الدينية

حيدر نزار السيد سلمان كتب ويكتب الكثيرون عن خليفة المرجع الديني اية الله العظمى السيد علي السيستاني بالإضافة إلى جهود بعض مراكز البحوث المهتمة بالشأن العراقي، وهذا دلالة على أهمية المرجعية الدينية من النواحي...
حيدر نزار السيد سلمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram