اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > سينما > الفيلم الأيرلندي (bunshes of inisherin)

الفيلم الأيرلندي (bunshes of inisherin)

نشر في: 1 فبراير, 2023: 11:36 م

رحمن خضير عباس

تجري أحداث هذا الفيلم قبل قرن من الزمان، أي عام ١٩٢٣،وهو من إخراج الإيرلندي (مارتن ماكدوناه)،الذي أضفى طابعا أسطوريا على جزيرة (إنشيرن)،التي لا وجود لها من الناحية الجغرافية،بل إنها مكان مُتَخَيّل. وتنطلق التسمية من خلال أغنية فولكلورية يعزفها الموسيقي (كولم)،حيث تحمل روحا أنثوية تهجس الموت، وتتنبأ به.

تبدأ عقدة الفيلم من انفصام مفاجئ لعلاقة صداقة بين صديقين حميمين ، حينما يقرر (كولم) عازف الكمان،أن يقطع علاقته مع صديقه وجاره( بادريك)، دون مقدمات أو أسباب أو دوافع موجبة سوى شعوره بأن هذا الصديق القديم،أصبح مملا وثرثارا، ولا يريد أن يضيّع وقته معه،هذا ما اعترف به كولم إلى سيوبان شقيقة بادريك،حينما ذهبت تعاتبه على غرابة سلوكه مع شقيقها بادريك. ولكنّ بدريك راعي البقر الوسيم والذي يميل إلى السذاجة قد أوجعه هذا السلوك، والذي لم يصدقه، حتى راودته الظنون على أن سلوك كولم معه ما هو إلا كذبة أبريل التي صادفت أيام القطيعة، مما جعله ينتشي ويذهب مباشرة إلى كوخ صديقه، ليضرب له موعدا للقاء في الحانة. وهنا يكتسي التشنج مرحلة متقدمة، فقد هدد كولم صديقه بادريك، بأنه إذا لم يكف عن ملاحقته وإزعاجه، فسيقوم ببتر أحد أصابع يده احتجاجا. ولكنّ الأخير لم يأخذ تهديد كولم على محمل الجد، وبقي مصرّا على رأب الصدع الذي طرأ على صداقتهما، ومحاولة استمالة كولم بكل الوسائل الممكنة، مما حدا بكولم الموسيقي أن ينفذ تهديده، فيقوم بقطع إصبعه رغم أهميته في العزف، ثم يحمل هذا الإصبع، ويقذف بها على باب غريمه بادريك الذي تذهله وشقيقته المفاجأة. ولم تقف الأمور عند هذا الحد، بل أن إلحاح بادريك على رأب صدع العلاقة، قد ساهم في تعقيد الأمر، لأن تشبث كولم بعناده ،جعله يبتر ما تبقى من أصابع يده اليمنى ، ويرميها على باب كوخ بادريك،كرسالة نهائية لغريمه أن يتوقف عن مضايقته، وحينما عاد بادريك إلى كوخه، وجد حمارته قد ماتت لأنها ازدردت إحدى الأصابع المقطوعة والمرمية على الباب، مما يبعث جوّا من الوجوم والحزن، فقد ذهبت الأمور إلى درجة اللاعودة بينهما. فبعد دفن الحمارة من قبل بادريك يشعر برغبة من الانتقام من صديقه القديم، فيضرم النار في كوخ كولم، فيحترق الكوخ بكل آثاثه ومقتنياته.

لقد هيمنت شخصيتا بادريك وغريمه كولم على مشاهد الفيلم من بدايته حتى نهايته. سيوبان شقيقة بادريك كان لها دور في الأحداث، فقد كانت تمتلك المؤهلات الثقافية التي جعلتها لا تُطيق العيش في هذا القحط في الثقافة،وتطفل الناس بشؤون بعضهم، ورتابة الحياة، فتقرر أن تهاجر من الجزيرة إلى الأبد، تاركة شقيقها بادريك فريسة لعنف اللحظة الزمنية المشحونة بالرتابة، وفي جزيرة لا تُنتج سوى أوهام الموت والضجر. كما ظهرت شخصية ( دومينيك) الأهوك والابن غير الشرعي للشرطي حاد الطباع،والذي يمثل أسوأ النماذج البشرية التي تنتجها العزلة.

يُصنّف الفيلم من قِبَل الكثير من النقاد على أنه ينتمي إلى الكوميديا السوداء، ولكنني لا أرى فيه أية مسحة من تلك الكوميديا، لأنه مشحون بالقطيعة والكراهية ومحاولة تدمير الآخر،من خلال القطيعة غير المبررة بين أبناء الجلد الواحد،حيث تقطّعت الخيوط التي تربط بين أبناء تلكم الجزيرة التي تقع على حافة الموت،حتى حوّلها المخرج إلى أسطورة إيرلندية تحاول أن تقتبس من الحرب الأهلية بعضَ عبثيتها، من خلال هذا العداء والحقد الذي لم يكن مقنعا، مما حدا ببعض النقاد الإيرلنديين وهو بصدد تحليل هذا الفيلم في أن يقول «لا أحد يكره نفسه مثل الإيرلنديين "

ورغم بشاعة بتر الموسيقي كولم لأصابعه، الذي يشبه عملا انتحاريا، ولكنّ المخرج لم يركز على الألم أو النزف، بل على قدرة البطل على تنفيذ تعهده،أو لنقل عناده وإصراره على موقف غير مبرر، مع ما تشكل له أصابع اليد أهمية في العزف الذي يريد أن يكرس وقته له، كما أن حجته لم تكن مقنعة ، مما يجعل المشهد برمته ينأى عن الواقعية، ويرتمي في فخ الرمزية،وقد تكررت تلك الرمزية بحرق بادريك لكوخ غريمه. إنه العنف الناعم الذي جعل الأحداث، وكأنها رسائل مُشفّرة، تعانق فحوى الأسطورة الإيرلندية التي تتغنى بموت قادم.

ورغم ذلك فقد كان الفيلم بمثابة لوحة فنية مزدانة بالألوان والأفكار والحوارات الدافئة، إضافة إلى هذا التصوير البانورامي الذي يُظهر لك جمال الطبيعة، حيث الصخور، والحقول والمراعي، ولجة البحر الذي يحيط الجزيرة،كما أن الفيلم كان وديعا حتى في اللحظات المشحونة بالتوتر، فلم نر عنفا جسديا ، ولا مشاهد جنسية أو عاطفية. إنه فيلم بتحدث عن لغز الأهواء البشرية في حدة طباعها،وصراعها العبثي المجنون، والذي يكون تربة مناسبة لنشوء الصراعات والحروب. لذلك فالفيلم بحد ذاته تحفة فنية، فمن الطبيعي أن يحصد الجوائز، وقد أصبح من الأفلام المرشحة للفوز بجوائز الأوسكار لهذا العام٢٠٢٣.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

الأثر الإبداعي للكتب السينمائية المترجمة ملف "السينمائي" الجديد

ياسر كريم: المتلقي العراقي متعطش لأفلام أو دراما غير تقليدية

مشهد بصري لشاعر يتلهّى ويستأنس بالكلمات والصُّور الشعرية

مقالات ذات صلة

ياسر كريم: المتلقي العراقي متعطش لأفلام أو دراما غير تقليدية
سينما

ياسر كريم: المتلقي العراقي متعطش لأفلام أو دراما غير تقليدية

المدىياسر كريم مخرج شاب يعيش ويعمل حاليا في بغداد، حصل على بكالوريوس علوم الكيمياء من الجامعة المستنصرية. ثم استهوته السينما وحصل علي شهادة الماجستير في الاخراج السينمائي من Kino-eyes, The European movie master من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram