TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: بلاد الشعارات

العمود الثامن: بلاد الشعارات

نشر في: 5 فبراير, 2023: 11:27 م

 علي حسين

ماذا تسمي هذه البلاد ياسيدي القارئ العزيز؟.. أنا أسميها بلاد الخطابات والشعارات، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة واقع يسير بنا إلى الخلف،

مسؤولون يعتقدون أن المايكرفون يعطيهم فرصة ليخدعوا الناس، وليخفوا وسط ضجيج الخطابات ملامح العجز الممتدة في مدن وقرى العراق. كان "الإمبريالي" هنري كيسينجر يميّز بين المسؤول الحقيقي والمسؤول الساعي إلى النجومية، الأول هو الذي يعمل من أجل الناس بصمت، والثاني مصاب بهوس الميكرفونات والصراخ، لذلك يمضي الأول عمره في تحقيق الإنجازات، ويمضي الثاني حياته يصرخ كلما وضع مايكرفون أمامه.

كلما أنظر إلى وجوه مسؤولينا أتذكر التجارب التي خاضتها الشعوب للتخلص من ثقافة المايكرفون، وأتساءل كيف استطاعت بلدان مثل سنغافورة والصين والبرازيل أن تحقق كل هذا التطور في سنوات معدودات؟ قبل أيام وقع في يدي كتاب "أفكار من العالم الجديد" أصدره المركز القومي للترجمة في القاهرة، الكتاب يتناول الأسس التي قام عليها التطور في بلد مثل الصين، التي لم يتوقع باني سنغافورة لي كوان، أن تنافس يوماً أميركا على المكانة الأولى في العالم لأنها حسب قوله آنذاك، كانت دولة ينخر فيها الفساد، ولا رقابة حقيقية على سرّاق أموال الشعب، فما الذي حصل؟، يخبرنا لي كوان في مذكراته، كيف استقبل ذات يوم الزعيم الصيني دينغ شياو الذي جاء في زيارة لسنغافورة ليكتشف بنفسه سر تطورها وبعد أسبوعين قال لمضيّفه كوان: أعتذر إذ أقول لك بأنك لم تكن صريحاً معي، لا بد أنك تخفي سراً، كل ما في الصين أرخص سعراً من هنا. الأرض والطاقة والماء واليد العاملة. فلماذا تنجحون أنتم ونفشل نحن؟ ما هي الوصفة السحرية التي استخدمتموها؟، يخبرنا لي كوان أن الرئيس الصيني كان ينتظر منه خطبة عصماء في السياسة، لكنه اختصر النجاح بكلمات قليلة، وهي حب الحياة، السعي لمعرفة كل شيء، والأهم الإيمان بقدرة الإنسان على صنع المستحيل، بهذه الوصفة استطاع لي كوان أن يحول سنغافورة من مستنقع فقير إلى قوة اقتصادية كبرى، أفكار لي كوان ألهمت دينغ شياو لكي يبني الصين الجديدة.

نقرأ تجارب الشعوب ونتحسر لأننا نعيش في ظل مسؤولين لا يريدون لنا أن نخرج إلى المجتمع المعافى، حيث يمكن للإنسان أن ينام على أصوات المصانع، لا أصوات الخطابات. العالم من حولنا يمشي ونحن أسرى شعارات سياسية عفا عليها الزمن، أعطينا الثروة والأرض فقررنا أن نطلق النار على التنمية والتطور والمستقبل، لنعيش في ظل مسؤولين يعشقون ضياع الأمل وإهدار الحاضر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram