TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > توازننا الاقتصادي.. أفقاً ومشهداً

توازننا الاقتصادي.. أفقاً ومشهداً

نشر في: 7 فبراير, 2023: 12:46 ص

ثامر الهيمص

بصراحة جلية يصعب تجاهلها، هو اننا كبلد نعاني من اللاتوازن في الملف الاقتصادي - على الاقل داخليا- فيما يتعلق بمشكلة الموازنة، التي هي رمز لللاتوازن، والخلفية الاساس هو اقتصادنا الريعي الذي لا زال يمضي بساق وحيدة عمليا في المشهد والافق المنظور.

ولكن لا يعني كل هذا انغلاق الافق القريب والبعيد , ما دمنا نحاول الاستفادة من دروس الحربين الخليجيتين وثالثة الاثافي الاحتلال والمقرون بالمحاصصة , عمليا يلوح في افقنا ’ وبالتحديد اعتبارا من مونديال البصرة بخلفيته وثقافته التشرينية. اذ نحن اجمالا في الخطوة الاولى الاصح , كونها الاكثر عقلانية وشعبية , لنضع عن وعي حجر الاساس بوعي وطني ناجما عن تجربة مريرة بوطنية مستهدفة دوليا واقليميا وهذا مصداقها حيث تتناغم مع عقلانية الاقتصاد الذي ترسم له السياسات الناجحة.

ان القانون الاقتصادي كان ساريا في روما القديمة او امبراطورية الانكا بنفس درجة صلاحه اليوم. ليست هناك (ظروف خاصة) لثقافة او دين او سياسات يمكن ان تلتف حول هذا القانون. وكل قائد وحكومة تصاب على ما يبدو بغرور السلطة , حيث ان التاريخ الاقتصادي لديه سجل طويل من السياسات الحكومية التي فشلت ,كونها وضعت على نحو يتجاهل قوانين الاقتصاد. (تومباتلر –باودون / الاقتصاد / خلاصة اعظم الكتب / ص 211/ 2020).

فالدفعة القوية الاولى ’ تبدأ من البنية التحتية , التي لا يجد القطاع الخاص لوحده جدوى اقتصادية مباشرة او غير مباشره في المجازفة باقامتها ’ حتى لو تخدم مشروعه مستقبلا ’ الا اللهم عبر تحالف وتضامن الكارتلات على الصعيد الوطني ’ وهذا غير موجود في الاقتصادات الناشئة. وهذا ما ادركته قيادة ثورة 14/تموز 1958 لتولي اشاعة النمو المتوازن , بدأ دور الدولة في تعظيم البنية التحتية الكلية كونها المقدمة الاساسية لتحريك النشاط الانتاجي الصناعي المؤسس لتنويع الاقتصاد. فالنمو في البنية التحتية بمقدار 1% سنويا ’ يؤدي الى نمو بمقدار و يؤدي الى نمو في الناتج الاجمالي بمقدار واحد ونصف في المئة سنويا. وهنا تصبح المشاريع رابحة جميعا ليس بمعنى الربح الفردي وانما الربح الاجتماعي بسبب اثر العامل الخارجي الموجب في رفع كفاية الانتاج الذي هنا يولده الاستثمار في البنية التحتية او ما يسمى براس المال الاجتماعي العلوي.(د. مظهر محمد صالح / مجلة الثقافة الجديده عدد/ تموز 2022 ص 72).

يعزى غالبا عدم التوازن في اتخاذ القرارات الصائبة , كنتيجة مباشرة لعدم الاستقرار وهذه طبيعة الامور ’ وتعتمد على المتصدي ومدى شرعيته السياسية والاجتماعية لتصنع ارادة معبرة عن اغلبية , وهذا يعني مباشرة ايضا هو وجود الفقر مع التفاوت الصارخ طبقيا والذي ندفع ثمنه بشكل حاد كنتيجة لفساد استشرى كما اعلنت عنه سرقة القرن الاخيرة. فقد رأى الرئيس الصيني (بعد تجربة حادة في ظل نظام اشتراكي) بأنه على قناعة تامة بأن بناء المجتمع المتناغم لا يمكن ان يتم مع وجود الفقر في الصين. اذ من المستحيل ان يتوقع المرء ان يسود الانسجام والاستقرار والتناغم في مجتمع تفصل فئاته هوة سحيقة من الكراهية والضغائن التي تتطور الى احقاد طبقية.(محمد خير الوادي / تجارب الصين من التطرف الى الاعتدال /ص/ 171/ 2008).

اما ما يتعلق بالبلدن النامية او ذات الاقتصادات المتخلفة اجمالا , فقد كان عدم الاستقرار يغلي تحت مطرقة الاستبداد كعامل تسكين للصراع الاجتماعي , لينفلت بعد تدخل غير محسوب من قبل الطغمة , كما لمسناه بعد 2003 , نظرا لغياب التناغم الاجتماعي من خلال التوازن الاقتصادي بهوية العدالة , فما الذي يمنع من التناغم والتوازن الاقتصادي , بكل الاحوال لا تضمن التوازن الجهات الدولية او الاقليمية والتناغم الاجتماعي ’ انما يضمنها البنية التحتية كحجر اساس لا غيره , بعد 2003 ’ كوننا لا نزال نزحف بتراوح خجول بين الفصلين السابع والسادس من عقوبات مجلس الامن الدولي , ليصبح صندوق النقد الدولي جهازا تنفيذيا لهذه العقوبات ’ وهذا شأن جميع المدينين الذين اقترضوا منه لاي سبب وهذه شروطة كبنك لضمان السداد.

ان النهج الذي يتبناه صندوق النقد الدولي على صعيد الاستدانة الخارجية، هو اجبار البلدان المدينة على التخلي عن الدعم المالي للسلع الاساسية كالخبز والرز والذرة والشاي والسكر والزيت ومشتقات الطاقة، وغير ذلك من السلع التي تشكل القوت اليومي. ويلزمها بتخفيض عملتها النقدية مقابل العملات الاجنبية كي تصبح المواد الخام والسلع الاخرى المصدرة الى الخارج باقل ثمن. كما يلزم البلدان المدينة بتقليص الانفاق على القطاعات الخدمية كالصحة والتعليم والاسكان والضمان الاجتماعي، ويطالبها بزيادة الضرائب على الخدمات اليومية كالماء والكهرباء والنقل والاتصالات وما شابهها. كما يؤكد د. عودت ناجي الحمداني في بحثه (صندوق النقد الدولي ودوره في تعميق ازمة الديون الخارجية للبلدان النامية - خصوصية ديون العراق / ص83/2014).

الم يكن هذا الدور معززا للفقر والتفاوت والصراع وعدم الاستقرار؟ لاشك ان هذا هو ايضا جالبا للاقتصاد الموازي، على حساب الاقتصاد الحقيقي بزراعته وصناعته وخدماته. فينشئ مباشرة التهريب وغسيل الاموال وصولا الى تجارة البشر واعضائهم بواسطة عصابات الجريمة المنظمة وكذلك المخدرات، كتعويض ومحاولة لتلافي الفقر المدقع والمطلق المتفاقم في السياسات المطلوبة من صندوق الدولي، لتصبح تلك السياسات باقتصادها الموازي وسيلة لخرق سيادة الدولة من خلال ادوات ومرجعيات اعمدة الاقتصاد الموازي من خلال الفساد الذي يغطي نشاط هذا القطاع غير الشرعي والقانوني، كما جسدته عمليات تهريب النفط. بذلك تظهر من خلال نفوذ الاقتصاد الموازي مراكز قوى ليتمأسس الصراع بين الاقتصاد الحقيقي وغير الحقيقي، لضمان جهات ترغب في الهيمنة سواء كانت اقليمية او دولية،بادوات متطرفة طائفيا وعنصريا.

فالصراعات التدميرية الطائفية والعنصرية المشحونة بالحقد والكراهية العنيفة التي يجري تغذيتها وتبنيها وفرضها من الخارج وتخدم في نفس الوقت مصالح محلية وداخلية. (د. خالد المعيني /الطبقة القائدة/ص239 / 2017).

تبدو ومن خلال ما تقدم صعوبة الامر على اي متصد اقتصاديا كان او سياسيا ولكن ليس مستحيلا ’ سيما خطورة الامر، ونحن امام تحولات دراماتيكية دولية واقليمية لا ترحم حسب تجربة لعشرين من السنين خلت , حيث فعلا التجربة اكبر برهان ’ ولكي لا تتكرر اللدغة.

ولذلك تكون الحلول والمواجهة مستندة اولا على البنية التحتية لخلق توازن او مرجعية ترتكز عليها الشرائح التي وعت وطنيا بعد تشرين ومونديال البصرة بروح عراقية اولا واخيرا , فاما الرجوع لاقتصاد الدولة بالتدخل من خلال التصنيع كقاطرة وتوفير الادوية وعناصر البطاقة التموينية , ويعلن عن يف رفع سعر الدينار بنسبة 10% , وتدفع الضرائب بالافصاح بتحويل النقود او شراء البيت اوحتى المعمل وفرض الضرائب على الانتاج, ورب تساؤل يطرح من ان ادوات الادارة لوثها الفساد كما معلوم , وهذا يحتاج الى موقف مسيس لصالح التنمية اجمالا. او سحب الرصيد من نيويورك وهذا صعب سياسيا سيما والاحتدام في الشرق الاوسط بات اكثر سخونه.

بكل الاحوال الخطوات نحو الكهرباء كبنية تحتية لازالت مشجعة خصوصا من ناحية انتاج الغاز المهدور الذي نأمل ان يكون اولا بعيدا عن ارتباطات بالطاقة الكهربائية لكي لا يصبح هذا الربط بكل اشكاله ورقة ضغط ’ على الاقل لحين وقوفنا على ارجلنا في الماء والكهرباء، لنباشر بعلاقات متكافئة متوازنة من خلال توازننا الاقتصادي لنفض غبار الريعية نهائيا لنطل عمليا على افق التنمية المستدامة شعارا ومصيرا بدون القلق على صندوق الاجيال.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

"قوانين جديدة".. طالبان تعتبر وجه وصوت المرأة "عورة"

تشكيلة ريال مدريد المتوقعة لمباراة لاس بالماس اليوم في الليغا

اسقاط مسيرة تركية وسط كركوك

الضفة الغربية.. الاجتياح يتواصل لليوم الثاني وارتفاع حصيلة الشهداء

الصحة: لا توجد مبررات كافية لإدخال لقاح جدري القردة إلى البلاد

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

 علي حسين ظل السادة خضير الخزاعي وأسامة النجيفي وصالح المطلك وإبراهيم الجعفري وفؤاد معصوم وعباس البياتي وعتاب الدوري وحسن السنيد وغيرهم يهلّون علينا كلَّ يوم قبل الغداء وبعد العشاء من خلال الصحف والفضائيات،...
علي حسين

كلاكيت: البحر الأحمر في فينيسيا

 علاء المفرجي بعد مشاركتها في الدورة السابعة والسبعين من مهرجان كان السينمائي لعام 2024م، من خلال أربعة أفلام سينمائية وعدد من المبادرات والفعاليات. وتتضمّنت قائمة الأفلام التي حصلت على دعم المؤسسة: "نورة" للمخرج...
علاء المفرجي

تدهور الرعاية الصحية الراهن لا تُعالجُه الوعود المعسولة!

د. كاظم المقدادي أنتجت المنظومة السلطوية القائمة على المحاصصة الطائفية والإثنية، وتقاسم النفوذ والمليارات، والمناصب والإمتيازات، ظواهر بغيضة، كالتسلط والهيمنة على مقدرات البلد، بدأتها بإفراغ الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى من الموظفين الكفوئين إدارياً وذوي...
د. كاظم المقدادي

عن المرجعية الدينية

حيدر نزار السيد سلمان كتب ويكتب الكثيرون عن خليفة المرجع الديني اية الله العظمى السيد علي السيستاني بالإضافة إلى جهود بعض مراكز البحوث المهتمة بالشأن العراقي، وهذا دلالة على أهمية المرجعية الدينية من النواحي...
حيدر نزار السيد سلمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram