اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > أديب كمال الدين: أيّ شاعر مبدع ومتميز وخلّاق ينبغي أن يمتلك قاموساً شعرياً خاص به

أديب كمال الدين: أيّ شاعر مبدع ومتميز وخلّاق ينبغي أن يمتلك قاموساً شعرياً خاص به

نشر في: 7 فبراير, 2023: 12:52 ص

أركز على النصّ أولا وأخيراً، فأنا أكتب لأضيف لتجربتي الشعرية نصّاً جديداً

حاوره/ علاء المفرجي

أديب كمال الدين شاعر ومترجم وصحفي. ولد عام 1953 في محافظة بابل العراق. تخرّج من كلية الإدارة والاقتصاد جامعة بغداد 1976.

كما حصل على بكالوريوس أدب انكليزي من كلية اللغات- جامعة بغداد 1999، وعلى دبلوم الترجمة الفوريّة من المعهد التقني لولاية جنوب أستراليا 2005.

أصدر 25 مجموعة شعريّة بالعربيّة والإنكليزيّة، منذ مشواره الشعري الذي بدأه مع مجموعته الأولى: "تفاصيل" 1976، منها: "نون"، "النقطة"، "شجرة الحروف"، "الحرف والغراب"، "مواقف الألف"، "في مرآة الحرف"، "حرف من ماء"، وفي الإنكليزية صدرت له مجاميعه: " أبوّة"، " ثمّة خطأ"، " حياتي، حياتي!".

كما أصدر المجلّدات الستة من أعماله الشعرية الكاملة، وفيها يظهر جليّاً تفرّده باستخدامه الحرف العربي ملاذاً روحياً وفنيّاً.

 

1-2

تُرجمتْ أعماله إلى العديد من اللغات كالإيطالية والإنكليزية والفارسية والأوردية والإسبانية والفرنسية والكردية. نال جائزة الإبداع عام 1999 في العراق. واخْتِيرَتْ قصائده ضمن أفضل القصائد الأستراليّة المكتوبة بالإنكليزيّة عاميّ 2007 و 2012 على التوالي.

صدر 14 كتابا نقديّا عن تجربته الشعريّة، مع عدد كبير من الدراسات النقدية والمقالات، كما نُوقشت الكثير من رسائل الماجستير والدكتوراه التي تناولت أعماله الشعريّة وأسلوبيته الحروفيّة الصوفيّة في العراق والجزائر والهند والمغرب وإيران وتونس.

ومن أهم أعماله: تفاصيل، ديوان عربيّ، جيم، نون،أخبار المعنى، النقطة، حاء،ما قبل الحرف، شجرة الحروف، أبوّة، أربعون قصيدة عن الحرف، مواقف الألف، أقول الحرف وأعني أصابعي، مواقف الألف،ثمّة خطأ، الحرف والغراب، تناص مع الموت: متن در متن موت، إشارات الألف، رقصة الحرف الأخيرة، الحرف وقطرات الحُبّ، حرف من ماء، دموع كلكامش وقصائد أخرى، في مرآة الحرف.

 حدثنا عن المراجع والمصادر التي قادتك الى الشعر في الطفولة... وبمن تأثرتَ في تلك الفترة؟

- وُلِدتُ عام 1953 في أسرة علم ودين. وكنتُ منذ صغري ميّالاً للقراءة بل كنتُ عاشقاً لها. وساعد وجود مكتبة عامرة في البيت على أن أقرأ منذ وقت مبكر في حياتي مختلف الكتب وفي مقدمتها قصص ألف ليلة وليلة وروايات جورجي زيدان. وقد ألهبت هذه الكتب خيالي بشكل عميق جداً. وبخاصة قصص ألف ليلة وليلة التي جعلتني أبحر كلّ ليلة مع شهرزاد لتحدثني عن السندباد البحري، وعن علاء الدين ومصباحه السحري، وعلي بابا ولصوصه. كنتُ أعيش القصص هذه بكل نبضات قلبي وأسرح بعيداً في دنيا الخيال إلى الحدّ الذي كنت أحلم بمصباح علاء الدين وجنّيه الظريف!

أمّا الشعر فأتذكّر أنني وجدت في مكتبة البيت دواوين كثيرة للشريف الرضي، والمعري، وشاعر المهجر إيليا أبو ماضي الذي أحببتُ شعره منذ صباي، وكأنني منذ ذلك الحين على موعد مع الرحيل إلى المهجر أو المنفى!

وكان لموت والدي رحمه الله بين يدي وأنا صبي، بعد أن عانى لسنوات طويلة من الشلل النصفي، الأثر العميق الفادح في حياتي. فبه تعرّفت إلى الموت واليتم والفقدان دفعة واحدة، دفعة شديدة القسوة أثرّت عليّ، فجعلتني أفكر كثيرا منذ ذاك الوقت بالموت وسطوته! وجعلتني أتمسّك بكتب القصص والأشعار وأتخذها ملاذاً وصديقاً ليل نهار.

أنهيتُ دراستي الجامعية في قسم الاقتصاد بكلّيّة الإدارة والاقتصاد-جامعة بغداد عام 1976. وعدتُ للدراسة ثانية في قسم اللغة الإنكليزية بكلّيّة اللغات-جامعة بغداد لأتخرج عام 1999. وما بين الزمنين عملتُ محرراً ثقافياً في ألف باء وآفاق عربية. وصلتُ إلى أستراليا مطلع عام 2003 بعد عامين قضيتهما في الأردن، لألتحق بالمعهد التقني لولاية جنوب أستراليا وأنال الدبلوم في الترجمة الفورية.

 ما الذي جعلك تتجه الى الشعر. هل لفهم أسرار الحياة أم هو محاولة لفهمها أم لطرح الأسئلة الوجودية عبر الشعر؟

- اتجهت إلى الشعر بمركب الألم تدفعني ريح عاصفة! جئتُ مدفوعا إلى الكتابة بمزيج عجيب من محن الذات وأسئلتها الوجودية، من مِحَن الحرمان والحرب، من مِحَن القمع والحرية، من مِحَن الجوع أو مِحَن الذهب، من مِحَن الحلم والموت، من مِحَن الطفولة الضائعة والشباب المحروم والشيخوخة المتوحدة، مِحَن الوطن والغربة، من مِحَن أن تكون أو لا تكون.

من كل هذا المزيج العجيب الغريب، المضحك المبكي، بدأت أنسج حروفي محاولاً التكيّف مع الحياة ومحاولا فكّ شفرة الحياة نفسها لفهم أسرارها العميقة والزائلة، الجميلة والبشعة، المبكية والساخرة.

ولعل مركب الألم المدفوع بعاصفة لا تهدأ والذي قادني إلى الشعر هو الذي جعلني غزير الانتاج، مثلما جعلني أقدس دور الشاعر حتى صار عندي أن تكون شاعراً فذلك يعني أن تكون ضمير الإنسان الكوني وقلبه النابض بالجمال والصدق واللطف!

نعم، فدور الشاعر كبير، بل عظيم، في تحقيق روح المحبّة والسلام والوئام للإنسانية في كل مكان من العالم. وهو بوصلة روحية كبيرة تشعّ شمسَ حروفٍ تكتب كلمات السلام وجُمل المحبة وقصائد التأمل في المغزى الحقيقي للحياة، وتنبذ، بقوّة وشجاعة، لغةَ التطرف والكراهية والعنف والعنصرية والطائفية بكل صورها وأشكالها.

ولا شك فإنّ هذه الرؤية تتطلب ثمنا باهظا للتمسك بها خاصة لشاعر عاش أغلب عمره في العراق، تحت وطأة المؤسسة الإعلامية للطاغية التي كانت تنظر للشعر على أنه فقط وسيلة «لتثبيت الكرسي» والدفاع عنه حتى النَفَس الأخير. وهذا الامتهان الخطير للشعر سبب طوفاناً من الرداءة الشعرية، العمودية خصوصاً، في عقد التسعينات: عقد الحصار القاسي، والتي اكتسحت الصحف اليومية والمجلات على اختلافها. وقبلها كانت سنوات الحرب العراقية الإيرانية حيث طغت «دواوين المعركة» على كلّ شيء، واضطرت دواوين الوجع الإنساني والروحي إلى التستر والاختفاء حفاظاً على نفسها وعلى أرواح شعرائها.

فأنا لم أستطع من نشر مجموعتي الشعرية «جيم» إلّا عام 1989 أي بعد انتهاء حرب العبث المخيفة تلك التي أكلت الملايين من شباب العراق وإيران ورمّلتْ مَن رمّلتْ ويتّمتْ مَن يتّمتْ، وأهدرت المليارات من الدولارات حتى خرج العراق منها يرزخ تحت طائلة ديون أسطورية وهو الذي بدأها بفائض مالي كبير. وماهي إلّا شهور معدودة حتى دخل العراق في الحرب مجدداً ليعود شعر الحرب ليتسيّد الخطاب الإعلامي من جديد وبشكل مفجع. وكنتُ قد نشرتُ مجموعتي «ديوان عربي» عام 1981 أي توقفتُ أو أُرغِمت على التوقف بعبارة أدق لمدة 8 سنوات بالتمام والكمال.

كان كلّ شعر لا يخدم الطاغية هو شعر لا ضرورة له حسب تعبير مسؤولي الإعلام في الحقبة السابقة المنهارة. وكلّ شعر لا يمجّد حروبه وغزواته وصولاته هو شعر مريب ومشكوك فيه، وشاعره يعيش في الوقت الخطأ والمكان الخطأ. نعم، لا وقت لشعر كهذا على الاطلاق وسط وسائل النشر والصحافة التي تسيطر عليها الدولة سيطرة مطلقة.

حقاً كانت محنة قاسية، والتهميش الذي ولّدته في روحي هذه المحنة سبب لي هو الآخر معاناةً كبيرةً وألماً فادحاً. وقد تحمّلتُ كل هذا التهميش وذلك التجاهل بصبر أيّوبي منطلقاً من إيماني الأكيد بحقيقة أن الشعر هو صوت الإنسانية النبيل والعميق والنادر، وكل ابتذال له انما هو ابتذال لا يُغْتَفر ولا يمكن تبريره بأيّ شكل كان. ولقد أعانني التصوف على مواجهة هذا الألم الثعلبي الرمادي لسنوات وسنوات رغم شعور المرارة الفادح.

 بدأت بقصيدة التفعيلة، ثم تحولتَ الى قصيدة النثر ابتداء كما أرى منذ مجموعتك (نون).. هل لك أن تحدثنا عن تلك التحولات في شعرك؟

- مرّت قصيدتي بمراحل عديدة منذ صدور مجموعتي الأولى (تفاصيل) عام 1976 لعل من أهمها تحوّلي من كتابة قصيدة التفعيلة إلى كتابة قصيدة النثر التي تتيح، إذا أُحسِنَ استخدامها، فضاء شعرياً أكثر اتساعا من قصيدة التفعيلة. إذ كانت مجاميعي (تفاصيل) و(ديوان عربي) و(جيم) و(أخبار المعنى) قصائد تفعيلة. وبصدور مجموعتي (نون) بدأت رحلتي مع قصيدة النثر وتواصلت حتى الآن. ثانياً، صدور أكثر من مجموعة ذات ثيمة محددة كما في مجاميعي: (أخبار المعنى) و(مواقف الألف) و(أشارات الألف) و(حرف من ماء). وفي كل تفاصيل رحلتي الشعرية، فإنني حين أكتب نصّاً جديداً، سواءً أكان قصيدة تفعيلة أو قصيدة نثر، أخضعه بصرامة إلى مسألة القاموس الخاص، والاقتصاد في اللغة، والنمو العضوي للقصيدة.

إنّ أيّ شاعر مبدع ومتميز وخلّاق ينبغي أن يمتلك قاموساً شعرياً خاص به. ومن دون هذا القاموس يكون الشاعر عبارة عن درهم ممسوح لا تعرف ملامحه حقاً. امتلاك القاموس الخاص لا يتمّ بالتمنّي والترجّي بل بالمكابدة الروحية والإبداعية، والتبحّر في قراءة الشعر قديماً وحديثاً، غرباً وشرقاً ودراسته وتأمّله. ويأتي عبر تراكم كمّي ونوعي عند الشاعر بحيث إن قصائده تلد قاموسها اللغوي بنفسها وتبدعه وتشير إليه بفرح حقيقي وزهو مبارك.

ثمّ تأتي مسألة الاقتصاد باللغة. الشاعر الذي يجيد استخدام المفردة بطريقة مبدعة دون تعسف ولا تحجّر هو شاعر حقيقي وليس مفبركاً. وهذا يتطلّب منه معرفة حقيقية بأسرار الصورة الشعرية وتفاصيلها كي يعرف متى يحذف الصورة المهلهلة أو الضعيفة أو المقحمة دون مسوّغ فني أو يعيد كتابتها إلى أن يكون وجودها ضرورياً لجمالية القصيدة.

وأخيراً هناك مسألة النمو العضوي، حيث ينبغي للشاعر أن يراقب بوعي دقيق وصارم مطلع القصيدة ونهايتها التي ينبغي أن تحتوي ضربتها الشعرية معالجاً الاستطرادات داخل النص بالحذف أو إعادة الكتابة لتكون القصيدة في نهاية الأمر كتلة متماسكة متراصّة من المطلع إلى الخاتمة، بحيث إذا حذفتَ منها مقطعاً اختلّت وارتبكت وإذا أضفتَ إليها مقطعاً اختلّت وارتبكت أيضاً.

 هل كان لقصيدة النثر ضرورات معاصرة، هل يحتم هذا ان يجهل كتّابها أسس البلاغة العربية وجمال اللغة؟ فكثيرا ما نقرأ لغة ركيكة وكلاما لايمت للشعر بشيء؟

- للأسف، فإنّ ما ذكرته صحيح عن جهل الكثير من كتّاب قصيدة النثر بأسس البلاغة العربية وجماليات اللغة. لكن هيمنة قصيدة النثر على الساحة الشعرية أصبحت مسألةً مؤكّدةً لا تقبل النقاش بسبب السيل الجارف من القصائد والمجاميع الشعرية التي تُكتب وتُنشر من خلالها في مختلف البلدان العربية. وهذه الهيمنة الشديدة المتحققة في الوقت الحاضر تؤكّد الهيمنة المستقبلية بالطبع، إضافة إلى ما تمتلكه قصيدة النثر نفسها من أسباب فنية تعينها بقوّة على البقاء حيّة كالتحرّر من الوزن والقافية، والمرونة، والومضيّة، والتداخل مع الأجناس الأخرى.

وبعيداً عن الشكل الشعري المستخدم، سواءً أكان قصيدة عمودية او تفعيلة أو قصيدة نثر، فإنني أرى الشعر اكتشافاً لإعماق الحياة في ومضة روحية وفنية نادرة وبأقل عدد من الكلمات. فإذا طبّقنا هذا «التعريف» سنجد أن في سيل قصيدة النثر الهائل المنشور يومياً غَلَبة واضحة للقصائد الضحلة المرتبكة الفارغة! وقد زاد من فداحة الأمر أنّ قصيدة النثر تفتقد إلى الوزن والقافية فتصوّر الكثير من كتّابها أنّها يمكن أن تكون أيّ شيء!

إذن، هناك أزمة واضحة في الحصول على الشعر الحقيقي المتفوق المبدع، لأنّ الكثير من الشعراء والشاعرات في بلداننا العربية يفتقدون إلى الفهم الدقيق لمسألة بُنية القصيدة، ولمسألة النمو العضوي، والاقتصاد في اللغة، والقاموس الشخصي للشاعر، كما يعانون من الخواء الروحي والإنساني أحياناً. الكثير منهم لا يملكون تجارب روحية أو إنسانية ذات شأن أو عمق بحيث تستحق أن تُكتب أو ترى النور. وتجد جملهم الشعرية وصورهم الفنية مليئة بالهذيان حتى تحوّلت قصائدهم إلى ما يشبه ركّاب عربة القطار الذين لا يعرف بعضهم بعضاً، ولا يجمعهم أي جامع سوى العربة!

نعم، سيكون حضور الشعر الحقيقي والعميق نادراً على الدوام. والغلبة في الظهور للنماذج غير الأصيلة، للنماذج التي تعوزها الومضة النادرة في اكتشاف الحياة أو تعوزها قدرة الشاعر على تجسيد هذه الومضة بشكل عميق ومبتكر.

إنّ معادلة الإبداع في الشعر مهما كان شكله صعبة حقاً وصدقاً، وتتطلّب من الشاعر خبرة حياتية وثقافية ولغوية وشعرية، مع مران مستمر، وإيمان حقيقي بالشعر ودوره الإنساني الخلّاق.

 يصف البعض قصائدك أنها يسيطر عليها الجانب الصوفي فضلا على اهتمام القصيدة بآيات القرآن الكريم، وقصص الأنبياء ومروياتهم.. ما تعليقك؟

- نعم أنا شاعر متصوّف لكن ليس كلّ شعري هو شعر صوفيّ. فقد كتبتُ القصائد الصوفية ونشرتها في العديد من مجاميعي. كما كتبت مجموعتين صوفيتين هما (مواقف الألف 2012) و(إشارات الألف 2014). وقد لفت ذلك انتباه النقاد. فمن النادر جداً عراقياً وعربياً أن يفعل ذلك شاعر معاصر. ولذا كتبوا عنهما الكثير من المقالات والدراسات، خاصة وأن التناول الصوفي فيهما كان مبتكراً، كان تناولا حروفياً حتى أصبحت تجربتي تُدعى بالصوفية الحروفية.

لكنني من جانب آخر، كتبت مئات القصائد عن الحب والمرأة، بل كتبت مجموعتيّ حبّ، كانت الأولى بعنوان (نون 1993) والثانية بعنوان (حرف من ماء 2017). وأنا بصدد الانتهاء، بمشيئة الرحمن، من كتابة المجموعة الثالثة التي تحوي قصائد حبّ فقط، وعنوانها (لم يبقَ من «أحبّكِ» سوى نقطةِ الباء). وهي قد استمدت عنوانها من إحدى قصائد المجموعة القصيرة، وفيها أقول:

على مرآةِ حياتي

لم أكتبْ سوى كلمةٍ واحدة:

«أحبّكِ»

لكنَّ مرآةَ حياتي تشظّت

حتّى صارتْ سبعين شظيّة.

فلم يبقَ من «أحبّكِ»

-وا أسفاه-

سوى نقطةِ الباء.

كذلك كتبت مئات القصائد عن البحر، والحلم، والمنفى، والمعنى، والموسيقى، والفن، والفنانين، والشعر، والشعراء، وغير ذلك.

 هناك الكثير من كتب النص الحروفي، لكن هذا بالنسبة لك وكما قلت انت: (هناك إقامة أبدية فيه) حيث كتبتَ 25 مجموعة شعرية متضمنة نصا حروفيا.. كيف تولدت فكرة الحرف في تجربتك بشكل عام؟

- حروفيتي في أصلها قرآنية. فالحرف حمل معجزة القرآن المجيد ولا بدّ لحامل المعجزة من سرّ له، كما أنّ الله سبحانه وتعالى أقسم بالحرف في بداية العديد من السور الكريمة، وكان في ذلك ضمن ما يعني وجود سرّ اضافي يُضاف الى سرّ القرآن المجيد نفسه. فمِن القرآن الكريم نهلتُ معارفي في مختلف الأصعدة. فالقرآن الكريم بحر عظيم وفيه علم ما كان وسيكون، أي علم الأسئلة الكبرى التي واجهت البشرية منذ خلق آدم إلى يومنا هذا عبر أخبار الأنبياء والمرسلين، وتفاصيل عذاباتهم ومعاناتهم وصبرهم وغربتهم وأحزانهم وهم يبلّغون في مختلف الأزمنة والأمكنة رسالةَ التوحيد والمحبة والسلام واحترام الآخر وعدم تحقيره أو الاعتداء عليه بأيّ شكل كان وبأيّة صورة كانت. وهو لكلّ كاتب وشاعر وأديب كنز لا يفنى من المعارف اللغوية والروحية والفكرية، والأسرار الإلهية، والقصص المعتبرة، والمواقف الأخلاقية ذات المضامين العميقة، والحوارات الفلسفية واليومية ما بين الخالق ورسله وما بين رسله وأناسهم. قادني القرآن الكريم إلى التصوّف، ومن التصوّف تعلّمتُ معنى التأمل في ملكوت ملك الملوك، ذاك الذي يقول للشيء كنْ فيكون. وتعلّمتُ عظمةَ الزهد، وأسرار الروح الكبرى، ومعنى سياحة الروح عاريةً إلّا من رحمة ربي في زمن يعبد الناس فيه دنانيرهم ودولاراتهم حدّ الجنون.وحين تأملت في الحرف العربي خلال رحلة شعرية قاربت الخمسة عقود، ولم تزل متواصلة بحمد الله، وجدتُ أن للحرف العربي ما يمكن تسميته ب(المستويات) فهناك المستوى التشكيلي، القناعي، الدلالي، الترميزي، التراثي، الأسطوري، الروحي، الخارقي، السحري، الطلسمي، الإيقاعي، الطفولي. وعبر كتابة المئات من القصائد الحروفية التي اتخذت من هذه (المستويات) دليلا جمالياً وفنياً وروحياً بتفاصيل لا تنتهي من التجريب لكشف أسرارها، وأسرار الحرف، وأسراري، وعبر اتخاذ الحرف نفسه رفيقاً ومحاوراً وقناعاً، من خلال ذلك كله صار استخدام الحرف بصمتي الفنية التي لازمتني وستلازمني أبداً.

 قرأنا لك مجاميع شعرية تتحدث عن حرف النون كما في مجموعة (نون)، وأخرى تتحدث عن حرف الجيم كما في مجموعة (جيم)، وثالثة عن حرف الحاء كما في محموعة (حاء). ثم قرأنا لك مجموعة بعنوان (النقطة). ماذا عنها؟

- إنّ النقطة بلغة التصوّف هي الكينونة ومركز الكون والعالم الأكبر. هذه هي النقطة كرمز صوفي. لكنني انطلقتُ إلى استخدامات أخرى عديدة للنقطة ولم أكتفِ بهذا الترميز فقط، فبدت النقطة في الكثير من قصائدي مركزاً للقلب ومركزاً للروح ومركزاً للجسد ومركزاً للرؤيا.

إنّ ما يميز تجربتي الحروفية عن الاستخدام الصوفي الحروفي القديم هو أنّ هذا الاستخدام كان ذهنياً على الأغلب، وأحيانا طلسمياً لا يفهمه إلّا خواص الخواص. وقد حاولتُ جاهداً أن أجعله شعرياً عبر الصورة المجسَّدة، ذلك أنّ الذهنية برأيي هي أشد أعداء الشعرية ضراوة. وحاولتُ أيضاً أن أجعل استيعاب هذا الاشتغال مُشاعاً للكلّ دون أن أفقد الخواص ولا خواص الخواص. وفي ذلك يكمن التحدي الجمالي: الشعري الفلسفي لتجربتي الحروفية. أما الحرف فهو في شعري يظهر بصور شتّى وهيئات لا تُحصى فهو العاشق والمعشوق، والملك والصعلوك، والدليل والتائه، والحكيم والضائع، والزاهد والشهواني، والعارف والخاطئ، والوليّ والمُهَلْوِس، والذاكر والناسي، والمتأمّل والمعربد، والشيخ والطفل، والصوت والصدى، والروح والجسد، والبعيد والقريب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالصور| تظاهرات حاشدة أمام وزارة التخطيط للمطالبة بتعديل سلم الرواتب

805 قتلى وجرحى بأعمال شغب مستمرة في بنغلاديش

مجلس النواب يعقد جلسته برئاسة المندلاوي

خبراء يحذرون: أغطية الوسائد "أقذر من المرحاض" في الصيف

القبض على 7 تجار مخدرات في بغداد وبابل  

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

رمل على الطريق

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

موسيقى الاحد: جولة موسيقية في فيينا

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram