علي حسين
بالأمس وأنا أتجول داخل معرض القاهرة الدولي للكتاب، شعرت وكأنني أتجول في عواصم العالم، وخيل إليّ وأنا أنظر إلى رفوف الكتب أنني أجوب شوارع روما، أو أقطع المسافات بين بيوت ماكوندو بحثاً عن العقيد أورليانو،
وأن أفلاطون سوف يطل في أية لحظة بردائه الطويل ليقول لي: «لا يمكن زوال تعاسة الدول ما لم يتمتع حكامها بفضيلة التعلم، إن طلب العلم شرط لمن يتقلد زمام الحكم، والسبب هو ما يتميز به الحاكم المتعلم من حكمة وصدق»، وأن سيمون دي بوفوار ستخرج من صفحات روايتها «المثقفون» لتعيد على مسامعي درس الحرية الذي قال فيه ألبير كامو لسارتر ذات ليلة «لا يمكن للإنسان العاقل أن يختار العيش في قفص، إلا إذا أراد أن يربط مصيره بآيديولوجيات ميتة» فيما سارتر ينظر إلى وجه صديقه اللدود الشبيه بوجوه نجوم السينما ليعيد على مسامعه درس المثقف الملتزم: «لا يمكن للمثقف أن يحاكم عصره دون الخوض في أوحاله»، وأن امرئ القيس لن يحدثني عن ملك ضاع وإنما عن قلب متيم بالهوى: «أغرك مني أن حبك قاتلي وأنك مهما تأمري القلب يفعل»، وأن الإمام الفقيه بن حزم سيلقي على دراويش حكومتنا درساً في المحبة: «الحب أوله هزل وآخره جد، دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف، وليس بمنكور في الشريعة، ولا محظور في الديانات».
انظر إلى الكتب التي غصت بها قاعات المعرض وأسأل رفيقي في رحلة التجوال كريم راهي: كيف يمكن قراءة كل هذه الكتب وقبل أن ترتسم الدهشة على معالم وجهه أقول له ما قاله فرنسيس يبكون لأحد طلبته “بعض الكتب وجد لكي يذاق وبعضها لكي يبتلع والقليل منها لكي يمضغ ويهضم” من أجل هذا القليل قادتني قدماي باتجاه مذكرات أندريه مالرو وزير ثقافة ديغول والتي أطلق عليها عنوان “لا مذكرات” أتصفح الطبعة الجديدة من الكتاب، ولا أعرف عدد الطبعات التي صدرت منذ أن ترجم لنا الشاعر الفذ فؤاد حداد هذه السيرة الممتعة، ليعدني شريط الزمن إلى المرة الأولى التي قرأت فيها كتاب مالرو الذي أراد له أن يكون شهادة على عصر مثير أصر فيه الجنرال ديغول على أن تكرس الثقافة لأقصى حد من أجل إزالة آثار الحرب العالمية الثانية من نفوس الفرنسيين.
يتلصص علينا العلامة ابن خلدون ويذكرنا بنصحيته لنا قبل ألف عام عندما كتب: “كلما أوغلت الأمم بالبداوة، كانت أبعد ما تكون عن الحرية” لكن ساستنا اليوم يا صاحب المقدمة الشهيرة يوغلون وباسم الحرية، بالتطرف ونهب الثروات، والانتهازية، ويمتطون الديمقراطية لقهر الناس وإذلالها.