TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > هل تقود (رياضة الأثرياء) الى ابتكارات نافعة للتقدم البشري؟

هل تقود (رياضة الأثرياء) الى ابتكارات نافعة للتقدم البشري؟

نشر في: 7 فبراير, 2023: 10:48 م

فيليب سيلبيرزان*

ترجمة :عدوية الهلالي

قد يجد المبتكر نفسه في مواجهة عدائية اجتماعية يمكن أن تعيق نجاحه بشكل كبير لأنه يتعارض مع النماذج العقلية السائدة.فماذا يفعل الرجل الثـري عندما يشعر بالملل؟ قد يشرع في خوض مشروع ابتكاركغزو المريخ،أوعبور المحيط الأطلسي، أوإطالة عمر الإنسان، أوابتكار الذكاء الاصطناعي، أوإنشاء روبوت ، وما إلى ذلك. وغالبًا ما تُعتبر هذه المشاريع عديمة الجدوى أو تتم معاملتها كبدع .

ولكن ماذا لو كانت بدع اليوم هي ابتكارات الغد المفيدة؟ وإذا كان علينا أن نكون حريصين على عدم إصدار حكم أخلاقي على ما حدث بأنه عديم الفائدة! وعلى أولئك الذين يفعلونه بأنهم أغنياء ولهم أهوائهم؟

وعندما نتحدث عن بدع الأثرياء ، سيتبادر إلى الذهن على الفور اسم إيلون ماسك وجيف بيزوس. فكلاهما شرع في خوض مغامرة الفضاء اذ يريد ماسك تثبيت مستعمرة بشرية على سطح المريخ ،وهوالأمرالذي يعتبره العديد من المتخصصين غيرمجدٍ. حتى أن مجلة ايكومونست الأسبوعية الجادة للغاية وصفته بأنه نشاط بلوتوقراطي أي مايدعى، (رياضة الأثرياء).

وغالبًا ما يكون من المستحيل تقييم فائدة الابتكار مسبقًا إذ يبدو أن معظم هذه المشاريع غير ضرورية إلى حد كبير. فما فائدة إنشاء مستعمرة على سطح المريخ في وقت يتساءل فيه العديد عن جدوى عمل أشياء فائدة في فترة الاحتباس الحراري ، والحرب في أوكرانيا ، والتضخم ، وما إلى ذلك. ومع ذلك، فإن الابتكار، الذي يتوافق مع الواقع ، يُنظر إليه بسهولة على أنه غير معقول.

بالإضافة إلى ذلك ، غالبًا ما يكون من المستحيل تقييم فائدة الابتكار مسبقًا. فهناك حالات واضحة ولكنها نادرة، فقد علمنا أن لقاحًا ضد فيروس كورونا سيكون مفيدًا قبل أن نتمكن من إنتاجه.كما تم اعتبار معظم الابتكارات غير ضرورية في البداية. وكان هذا هو الحال بشكل خاص مع آلة التصوير ، والليزر ، والإنترنت ، والهاتف المحمول ، وعلى سبيل المثال لا الحصر. كانت اللوموند قد تساءلت عن اهمية الليزر واعتبرته بلا فائدة خلال السبعينات .

لقد كانت بعض هذه "البدع" ناجحة وتبين أنها مفيدة جدًا فيما بعد. ومنها مشروع ستارلينكلايلون ماسك ايضاالذي يوفر خدمة إنترنت عبر الأقمار الصناعية والذي تم إنشاؤه في عام 2018. كانت الفكرة غريبة بعض الشيء؟ ومع ذلك ، فإن ستارلينك تعمل بكامل طاقتها اليوم وتسمح للجيش الأوكراني بتنسيق عملياته. وهكذا أصبحت رياضة الأثرياء حيوية بالنسبة للأوكرانيين في أقل من خمس سنوات.لذلك فإن التحدي الذي يواجهه المبتكر هو أن يكرس حياته لشيء يجده الجميع عديم الفائدة اليوم وقد يجده لاغنى عنه غدًا.

أما الأمر الثاني الذي يزعج العديد من المراقبين هو أن هذه المشاريع ينفذها أثرياء ويبدو أنهم يفعلونها من أجل المتعة فقط. وهذا الجانب الحر من العمل لا يطاق. فالأخوانرايت كانوا مقتنعين بأنه يمكن للمرء أن يقود طائرة ، الأمر الذي يبدو سخيفًا للعديد من معاصريهم.وبعد العديد من الاختبارات ، نجحا في رحلة تاريخية في عام1903، والتي كانت بمثابة ولادة الطيران.

ولا تطاق أيضًا حقيقة أن الاغنياء ، لا يحتاجون إلى طلب أي شيء من أي شخص وخاصة من أي سلطة للشروع في مشاريعهم وتمويلها. وبالنسبة إلى الأخلاقيين الذين غالبًا ما يكون لديهم رؤية أرستقراطية للمجتمع ، فإن هذه الحرية خطيرة .فقد تميزت جهود ايلون ماسك الأولى في مجال الفضاء بالعديد من الإخفاقات التي أثارت السخرية. وهكذا، وبعد انفجار أحد صواريخه على الأرض في عام 2016 ،قوبل بانتقاد شديد ،بينما تطلق سبيس إكس أكثر من صاروخ واحد في المتوسط شهريًا ، وتطلق محتوياتها في الفضاء وتعود إلى الأرض ؛وهو أداء تقني استثنائي لم يكن من الممكن تصوره على الإطلاق قبل عشر سنوات.

لقد كان هوارد هيوز هو إيلون ماسك في الخمسينيات من القرن الماضي ، وكان أحد أغنى الرجال في العالم ، سواء كان منتجًا سينمائيًا أو رائدًا في مجال الطيران. وقام بشراء شركة ترانس وورلد ايرلاين وتوسيعها لتصبح واحدة من أكبر شركات الطيران في فترة ما بعد الحرب. لكن أهواءه كانت مع مشروع الطائرة المائية العملاقة المصنوعة من الخشب ، والمصممة للجيش. وقد اكتملت الطائرة في عام 1947 ، وحلقت مرة واحدة فقط ، وبصعوبة ، تم التخلي عن المشروع. وكان هيوز قد أنفق 300 مليون دولار دون جدوى.

فهل هناك جزء من الأنا في هذه الشركات؟

بالتأكيد ولكنها محرك تاريخي لمشاريع ابتكارية عظيمة. لذلك فإن هذه المشاريع تعكس خاصية إنسانية عميقة ، وهي محاولة حل المشاكل الكبيرة ، والحلم بأحلام عالية للغاية ، وأحيانًا بشكل مفرط.

ويتمتع الأثرياء بميزة واضحة إذ يمكنهم تمويل مشروعهم بأموالهم الخاصة. إنها نزواتهم ، ويمولونها ، وإذا فشلت ، فلا بأس بذلك ، سيكون لديهم دائمًا بضعة مليارات من الملايين لتعويضها. وبعبارة أخرى ، ما تقدمه بدعة المليارديرات للنظام هو اختياري ، أي حقيقة السماح بإيجاد خيارات بديلة لا يؤمنون بها. فلايعتقد النظام أن تحليق جسم أثقل من الهواء ممكن. وهو ليس بالأمر المهم ، لكن الملياردير يحاول إثبات خلاف ذلك. وإذا لم ينجح الأمر ، فهو من يتحمل النتائج . اما إذا نجح ، فإن النظام يستفيد دون إنفاق فلس واحد. وهكذا،ليس هناك من إهانة للأخلاقيين ، فإن أهواء الأغنياء هي صفقة جيدة للمجتمع. إنها مصدر فعال ، حتى لو لم تكن المصدر الوحيد ، للتقدم البشري.

* أستاذ الإستراتيجية في كلية إمليون لإدارة الأعمال.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

في طبيعة المجتمع المدني في الدولة الديمقراطية ومهامه

العمودالثامن: أين اختفوا؟

 علي حسين ظل السادة خضير الخزاعي وأسامة النجيفي وصالح المطلك وإبراهيم الجعفري وفؤاد معصوم وعباس البياتي وعتاب الدوري وحسن السنيد وغيرهم يهلّون علينا كلَّ يوم قبل الغداء وبعد العشاء من خلال الصحف والفضائيات،...
علي حسين

كلاكيت: البحر الأحمر في فينيسيا

 علاء المفرجي بعد مشاركتها في الدورة السابعة والسبعين من مهرجان كان السينمائي لعام 2024م، من خلال أربعة أفلام سينمائية وعدد من المبادرات والفعاليات. وتتضمّنت قائمة الأفلام التي حصلت على دعم المؤسسة: "نورة" للمخرج...
علاء المفرجي

تدهور الرعاية الصحية الراهن لا تُعالجُه الوعود المعسولة!

د. كاظم المقدادي أنتجت المنظومة السلطوية القائمة على المحاصصة الطائفية والإثنية، وتقاسم النفوذ والمليارات، والمناصب والإمتيازات، ظواهر بغيضة، كالتسلط والهيمنة على مقدرات البلد، بدأتها بإفراغ الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى من الموظفين الكفوئين إدارياً وذوي...
د. كاظم المقدادي

عن المرجعية الدينية

حيدر نزار السيد سلمان كتب ويكتب الكثيرون عن خليفة المرجع الديني اية الله العظمى السيد علي السيستاني بالإضافة إلى جهود بعض مراكز البحوث المهتمة بالشأن العراقي، وهذا دلالة على أهمية المرجعية الدينية من النواحي...
حيدر نزار السيد سلمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram