ثائر صالح
يطول الحديث عن علاقة الموسيقي البريطاني اللامع بنجامين بريتن (1913 - 1976) بموسيقى الأطفال واليافعين.
إذ تحتل أبرز مؤلفاته في هذا المجال مكانة مرموقة وكثيراً ما تؤدى في صالات الموسيقى، منها عمله الأشهر "دليل اليافعين إلى الأوركسترا" الذي ألفه سنة 1945 وهو تنويعات تختتم بفوغا، تستند إلى لحن من عمل الإنكليزي العظيم هنري برسيل (1659 -1695) المسمى "عبد العازر" أو "انتقام العربي". تقدم أقسام الأوركسترا التنويعات التي عددها 13 تنويعا بالتوالي، بعد مقدمة تعرض اللحن، ويختتم العمل بشكل الفوغا وهو عمل متعدد الأصوات تكرر اللحن الأساسي بالتوالي في بناء بوليفوني محكم، اشتهر في عصر الباروك وانتشر في أوروبا من إيطاليا، وبرع فيه باخ ووصل بهذا الشكل إلى القمة.
كما ألف مجموعة من 12 أغنية لطلبة مدرسة كلايف هاوس في برستاتين في ويلز (مديرها أخوه روبرت بريتن) عندما كان يزور المدرسة بانتظام عصر كل يوم جمعة بين سنوات 1933-1935. اسم المجموعة "عصرونيات الجمعة" (1936) للبيانو وكورس الأولاد. اللحن الذي يغنيه الكورس بسيط يتناسب مع مستوى الفتيان لكنه جميل جداً ومثير في نفس الوقت. أما مصاحبة البيانو فهي تتطلب مهارة بالغة من العازف.
لكن القليل منا سمع بعمل بريتن "تنويعات الجوزاء (التوأمان)" وقصته الغريبة. زار بريتن بودابست مع المغني الشهير بيتر بيرس (1910 - 1986) لتقديم حفلات ربيع سنة 1964، زار بريتن ناد للموسيقى في إحدى مدارس بودابست للاستماع إلى سباق بين التلاميذ، فرأى توأمين هما إبنا زولتان يًنًي عازف الفلوت في دار الأوبرا في بودابست: غابور عازف الكمان وزولتان عازف الفلوت، وكلاهما عزف على البيانو بمهارة، وكان التوأمان في الثانية عشرة وقتها. ألف بريتن عملاً لهما بالاستناد إلى ثيمة عمل مضيّفه المؤلف المجري زولتان كوداي المسمى "نقش" (Epigramma). تفاصيل العمل تثير الاستغراب: "رباعي لعازفين (أو أربعة)" مكتوب لبيانو بأربع أيادي وكمان وفلوت. قدم الفتيان هذا العمل يوم 19 حزيران 1965 في مهرجان آلدْبورو الذي أسسه بريتن بالتعاون مع صديقه بيتر بيرس والمخرج أريك كروزير سنة 1948. وجه الطرافة في هذا العمل هو قيام التوأمان بالعزف على البيانو بأربع أيادي وكذلك على الفلوت والكمان.
سجّل الأخوان العمل لدى شركة ديكا سنة 1967، ويقول زولتان يَنَي في رسالة توضيحية بأنهما (أي الأخوين) لم يعجبا بالتسجيل، فقد حصل في نهاية جولة فنية لهما مع فرق مجرية أخرى وكانا مرهقان من العروض المتواصلة، ولم يتدربا كفاية، علاوة على قلة خبرتها. العرض الأول في المهرجان كان ممتازاً، وقد قدم في كنيسة المدينة حيث اعتاد الجمهور على عدم التصفيق بعد العرض احتراماً لقدسية المكان، لكنه انفجر بالتصفيق والتهليل عند الانتهاء من عزف أخر الكوردات على البيانو ثم بالكمان. ولم يحصل زفياتوسلاف ريختر عازف البيانو الشهير قبل ذلك ببضعة أيام على أي تصفيق في ختام حفله. وقد قدم راديو بارتوك المجري مؤخراً تسجيلاً يعتقد أنه العرض الأول في الكنيسة، يختلف عن تسجيل ديكا.