علي حسين
عندما نشرت صحيفة الأخبار المصرية على صفحتها الأولى مانشيت بخط عريض "ماتت أم كلثوم"، كانت مصر في ذلك اليوم، الثالث من شباط عام 1975، تطوي صفحة مهمة من تاريخها الفني والثقافي، وتودع أهم وأطول صفحة في تاريخ الغناء العربي.
المتحف الذي زرته في منطقة الروضة بالنيل داخل قاعة ملحقة لقصر المانسترلي والذي افتتح عام 2001 ، هو متحف "الذكريات"، ذكريات تعبر أفق خيالنا، وتنبه القلب من غفوته، وتجلي سر أيامنا الخوالي، ذكريات تداعب فكرنا وظننا، هي في سمعِنا على طولِ المَدى، نَغم لا يزال ينساب رغم رحيل صاحبته قبل ما يقارب النصف قرن.
وأنا أتجول في غرف المتحف قلت لزميلي في الرحلة، ما من مسيرة مشابهة لمسيرة أم كلثوم. ذكاء وصوت وحب وسياسة ومواقف وطنية وشعراء تتناثر قصائدهم على عتبات بيتها في الزمالك، وملحنين كبار ينتظرون إشارة من منديلها. ينطوي متحف أم كلثوم على حكاية مصر منذ أن ولدت ابنة الشيخ المؤذن إبراهيم السيد البلتاجي في الحادي والثلاثين من كانون الثاني عام 1898، ولم تنته برحيلها، بل لا تزال علامة من علامات الزمن الجميل، كانت لأم كلثوم جمهوريتها ومواطنون يرددون معها كل مساء وهي تشد على منديلها: "خذ عمري، عمري كله إلا ثواني أشوفك فيها".
أتجول في المتحف وأتذكر زمن العمالقة رياض السنباطي، محمد عبد الوهاب، زكريا أحمد، محمد الموجي، بليغ حمدي، أحمد رامي، إبراهيم ناجي، بيرم التونسي، كتّاب وملحّنون ساروا في ركب السيدة بين أنغام صوتها وسحر حضورها، لكل قصيدة قصة، ولكل لحن حكاية، وكل أغنية حوار بين السيدة وجمهورها العاشق. وأشعر بالأسى لحالة الجحود التي نعيش فيها ، العام الماضي مرت ذكرى قرن على ولادة " نغم " العراق ناظم الغزالي بصمت ، وربما يضحك مواطن عراقي عندما تسأله اين متحف محمد القبانجي او عفيفة اسكندر !
في معرض القاهرة للكتاب تلاحقني أم كلثوم، فهذا كتاب فيروز كراوية "كل ده كان ليه" تخصص فيه فصلاً لسيدة الغناء العربي ومغامراتها الغنائية الهائلة، والمهارة التي قادت بها مسيرتها في ظل وجود أصوات أخرى لا تقل عنها مهارة وقدرة. وفي "دندنة" تكتب سناء البيسي "أم كلثوم نعمة من نعم الدنيا".
ويأخذني الباحث الموسيقي كريم جمال في رحلة استقصائية ممتعة في كتابه المتميز " ام كلثوم وسنوات المجهود الحربي " حيث نذهب مع سيدة الغناء في رحلاتها الطويلة حول المدن والعواصم العربية والعالمية لإحياء الحفلات دعماً للمجهود الحربي، مسلطاً الضوء على العلاقة بين الفن والسياسة، بين الفن والمشاعر الوطنية، يخبرنا كريم جمال أن كتابه ليس سيرة تاريخية لرحلات أم كلثوم وإنما هو محاولة للبحث عن وجه آخر للست، فنجده يبذل جهدا كبيرا في عالم من الذكريات والحنين وأرشيف الصحف ، ليقدم لنا حكاية وطن .
جميع التعليقات 1
ماهر
مقالة مميزة ونشكرك على محتواها. نحن لدينا الرادود باسم الكربلائي حيث يخصص بعض مردود حفلاته الروزخونية وعطوره الى الفقراء والمحتاجين. وشكراً