حيدر المحسن
نسمع بين سنة وأخرى فضائح تدور حول المسابقات الأدبيّة في البلدان العربيّة، الخليجيّة خاصّة، لأنّ المبالغ الضخمة التي يخصّها المسؤولون عن رعاية المسابقة في هذه الدول تتحوّل إلى مصائد لشياطين تسكن نفوس البشر، وإذا أُعلنت النتائج في الأخير جاءت لتعبّر عن معارك تجري في الخفاء، لكنها تتسرّب شيئا فشيئا إلى الجمهور، وتذيع بينهم أكثر مما لو كانت وسائل نشرها الصحافة والإذاعة وغير ذلك، والطريف في الأمر أن الأعمال الأدبيّة الفائزة سرعان ما يلفّها النسيان، وتبقى دائرة في الأثير أخبار تلك الفضائح.
قلتُ مرّة إن الأدب العظيم بيّن مثل الحلال من الحرام، والنبيذ الجيّد لا يحتاج إلى إعلان، والفنّ كذلك، كما أن النقد الأدبيّ لا يحتاج إلى كاف ولام، وشين وزاء، وتنظير وتحليل وتفسير، فأهل البحر يعرفون الدرّة من أوّل نظرة، وتستطيع أن تقرأ ألف رواية مما يُكتب في هذه السنين في يوم واحد، وأكثر من مليون قصّة فاشلة، لأن الصفحة الواحدة أو السطر الأول والاثنين والثلاثة تكفي الفاحص الناقد، ولعلّه اكتفى بالعنوان وحده، أو بنظرة إلى غلاف الكتاب، فالرائج في سوق الحبر الآن الأدب السيء مما تأتينا به العقول والأفئدة التافهة الطعم والوزن في ميزان العلم والمعرفة. ولهذا صار الأدب بضاعة كاسدة لا يُغامر بالمتاجرة فيها أحد خشية الإملاق والفقر، ويعود السبب في هذا الافتراء الباطل لا إلى النقد بل مزيّفيه، والعملة الرديئة تطرد العملة الجيّدة من السوق. فإذا كان الغرض من المسابقة الأدبيّة نشر الأدب بواسطة الجائزة والمال ونيل الحُظوة في الوسط الأدبي، جاءت النتيجة بالتضادّ مع القصد، وأدّت الدولارات الممنوحة إلى انتشار الأدب الهابط، وشيئا فشيئا وسنة بعد أخرى وعقد بعد عقد من هذا الهبوط في الذوق لدى الاثنين، القارئ والكاتب، إلى أن شهدنا اليوم الذي صار فيه معنى الثقافة بين الناس يُقصَد به حصرا ما انحطّ من عمل في عُرف الشعائر والأخلاق؛ كالقوادة والدعارة والعياذ بالله من الأفعال الثلاثة...
أكثر من سؤال يمكن توجيهه إلى الجهات المانحة للجوائز في فروع الأدب والفنّ، محليّا وخليجيّا وعربيّا، وكلّما ابتعدنا إلى جهة الغرب في الوطن زادت الرصانة في معنى التسابق بين الأدباء، وفي فحوى الجائزة، والجهة التي تديرها والاسم الذي تحمله. في إحدى السنين كانت الجائزة من حصّة (سين) من الناس، وعندما قرأت ما أتانا به أخبرتُ من كان معي بأن الأمر لا يعدو أن يكون فضيحة، وعلينا التستّر عليها كي لا ندع الناس في الخارج تهزأ بنا وتتندّر... حضرتُ جلسة سمر بين متأدّبين من أشتات بلاد العرب، وعرفتُ من حديث أحدهم أنه يعمل حكما في الجائزة الفلانيّة، ورئيس الحاكمين في المسابقة العلانيّة، ونائبا للرئيس في أخرى. سألتُ الرجل عن مؤلفاته، وكانت النتيجة أن اسم كتابك هو عنوانك، ودلّ هذا على أن إنتاج الرجل فاخر من الدرجة الثامنة، أي ما بعد الأخيرة.
الجامعات الرصينة عندما تأتي إلى بلداننا، كأنما يصيبها الخواء بالعدوى. تُفتّش بالعين واليد والقدمين عن إنجاز حقيقيّ يمكن أن تشير له بصفة الرِفعة فلا تكاد تجده. القصّة التي تفوز في المسابقة التي ترعاها الجامعة تشبه العروس الصينيّة، وهذه تمثال لدن لإمرأة لديها ذراع وبطن وفخذان لكنها ليست من بني آدم، ولا يأتي منها بعد الليالي العديدة من معاشرتها حتى قملة تعيش في فروة رأس المؤلف، فربما نفعته بالوخز والتنبيه إلى أن ما أتانا به مجرّد قملة ضارة.
الموضة السائدة اليوم هي كتابة الرواية والقصة القصيرة جدا، والاثنان لا يبدع فيهما إلّا من امتلك الخبرة في فنّ العيش وفنّ الأدب، بينما نراها عندنا لقمة تبدو سهلة ويتهافت عليها الصبيان، وهي تضمّ في الحقيقة طُعما يصطاد الطريدة الغافلة. أما حقل القصة القصيرة فقد بات محروثا بالألغام ولا أحد يقربه أو يجرّب السير في دربه، وإن جرّب قاصّ وفاز وقرأتَ قصّته كانت عروسا صينيّةً.
جميع التعليقات 1
سامي سعيد
مثل كل شىء في هذا الزمن تحتاج لعدسة للبحث عن عمل جيد او محتوى جيد خارج نطاق الاعلان والدعاية والسوشيال ميديا