TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > هل يجب أن نتسامح مع عدم التسامح؟

هل يجب أن نتسامح مع عدم التسامح؟

نشر في: 15 فبراير, 2023: 11:25 م

يوهان ريفالاند

ترجمة :عدوية الهلالي

للتسامح فضائل سلمية.تاريخيًا ، كان الأمر في البداية يتعلق تحديدًا بمفهوم يجعل من الممكن إنهاء النزاعات بين الأديان. وعلى نطاق أوسع ، تهدف هذه الفكرة إلى تبني موقف للاعتراف بأن لدى الآخرين طريقة في التفكير أو العيش تختلف عن أسلوبنا. في الواقع ، ما الذي يمكن أن يكون أكثر صحة من احترام آراء ومعتقدات وأفكار الآخرين حتى لو انحرفت عن تلك التي قد تكون لدينا؟ باختصار، ايجاد طريقة للتعايش السلمي مع احترام الاختلافات.

ويرتبط تاريخ التسامح ارتباطًا وثيقًا بالليبرالية والدفاع عن الحقوق الفردية. هذا ما أظهره لنا المؤلفون الذين كتبوا عن تاريخ العلاقة بين التسامح والحرية، فقد كان إيراسموس عام 1533 ، وحتى قبله توماس مور ، ومن ثم مونتين قد اعتبروا التسامح أداة للسلم الأهلي في مواجهة متاعب محاكم التفتيش وحروب الدين. بعد ذلك ، وفي القرن التالي ، سيكون على المؤلفين الآخرين (ولا سيما جون ميلتون) ، أن يروا فيه وسيلة للدفاع عن حرية التعبير ، في مواجهة الرقابة على السلطة السياسية في عهد الحكم المطلق الملكي ، على وجه الخصوص. أما في أمور الدين فتصبح المواجهة الحرة الأفكار (مع حدود معينة) شرطًا للتقدم.

ولكن خلال النصف الثاني من القرن السابع عشر قبل كل شيء ، قام الفلاسفة الذين ميزوا ظهور الليبرالية الأخلاقية والسياسية (باروخ سبينوزا ، وجون لوك ، وحتى بيير بايل) بتعميق السؤال ، واعتمد نهجهم على الحقوق غير القابلة للتقادم بالنسبة للضمير المستقل ، وبالتالي للفرد الحر. وقبل ذلك ، في نهاية القرن التالي ، قدم فلاسفة عصر التنوير (إيمانويل كانط ، بدرجة أقل ، وفولتير ، ثم قبل كل شيء فيلهلم فون هومبولت ، وبعده جون ستيوارت ميل) آراءهم بأن التسامح “يمر عبر الاعتراف الفعال بالحق السيادي للفرد في التفكير والعيش بالشكل الذي يراه مناسبًا ، بشرط ألا يفرض خياراته الخاصة على الآخرين».

ومن الأسس الدينية البحتة ، تم الانتقال تدريجياً إلى الكفاح ضد الاستبداد السياسي ، ومن ثم ، بفضل مساهمات الليبرالية ، إلى استبداد آراء الأغلبية في مسائل الأخلاق ، وإلى حرية الرأي والتعبير.

إن التسامح غير المحدود حتى تجاه المتعصبين الذين يرفضون أي نقاش منطقي ولا يردون إلا على الحجج بالعنف يؤدي إلى نتيجة قاتلة لاختفاء التسامح. ومع ذلك ، يشيرآلان لوران ،في الواقع ، إلى تراجع الدول المتسامحة لصالح أولئك الذين يقمعون حرية التعبير (الصين ، وروسيا ، والدول الإسلامية ، ولكن الآن أيضًا دول مثل الهند أو الولايات المتحدة ، حيث يتقدم التعصب على القناعات الأخرى) ، مما يكشف عن هشاشة الوضع في مجال التسامح.موضحا أن التسامح هو موقف غير بديهي. إنه يتطلب ضبط النفس واكتساب الانضباط الذاتي ، وهو بالتالي مسألة ثقافية ، في حين أن غياب التسامح هو بالأحرى مسألة طبيعة ، على عكس مايراه رينيه ديكارت. ومن ثم فهو يبدو غزوًا أساسيًا للحداثة وثمارًا لصراع فكري طويل بل يُعتبر أحد المبادئ التوجيهية للحضارة الغربية الحديثة ،حيث يمكن للفرد قبول التناقض والمناقشة ، ويمكن للجمهور أن يكون سلطويًا بقدر ما هو غير متسامح ، وقادرًا على قلب القيم الأخلاقية للفرد الى نقيضها.وكما أوضح جان فرانسوا ريفيل أيضًا ، فإن التسامح يقوم على دحض أطروحات المتناقض أو الخصم ، التي يحاول المرء إثبات زيفها “من خلال الحجج العقلانية والأدلة والحقائق الملموسة”. ولكن من الناحية العملية ، فإن تاريخ المثقفين في القرنين التاسع عشر والعشرين مليء بالافتراءات والنداءات والشتائم والابتذال وتزييف الفكر.

ومن وجهة النظر هذه ، لا يمكن فصل التسامح عن الفردية ، التي تعتبر على العكس مكونًا أساسيًا وبالتالي،يمكن للفرد،الذي يتم اعتباره منعزلاً،أن يكون متسامحًا تمامًا في ظروف معينة، حتى في معظم الأوقات.وقد يتحول كذلك فجأة إلى شخص غير متسامح ، عندما يجد نفسه غارقاً وسط كتلة جماعية ، مما يؤدي إلى التنازل عن إحساسه بحكمه الشخصي لإفساح المجال للمجتمع.

وتتجلى أصالة الثقافة الغربية في إنشاء محكمة للقيم الإنسانية وحقوق الإنسان ومعايير العقلانية التي يجب أن تظهر أمامها جميع الحضارات أيضًا. وليس من المفترض أن تكون قد أعلنت أنها كانت جميعها متساوية ، الأمر الذي من شأنه أن يرقى إلى عدم الإيمان بأي قيمة.وتكمن الصعوبة في أنه إذا كان التسامح مع غير المتسامح بطريقة غير محدودة يمكن أن يكون قاتلاً للتسامح. وهذا يمكن أن يكون خطيرا.فإذا كانت الدولة هي المسؤولة عن تحديدها ، فنحن لسنا محصنين ضد التعسف. بغض النظر عن النوايا الحسنة من ورائه. ولهذا السبب ، حسب قول كارل بوبر فإن “المبدأ الليبرالي في عدم الاعتداء هو الرد العقلاني الوحيد على مفارقة التسامح ،مما يضمن التعايش المتناغم بين أفراد متنوعين في مجتمع حر».

وبطبيعتها ، تقوم الليبرالية بالفعل على مبادئ التسامح التي تحترم تنوع المبادئ ، وعلى فضائل التجارة والتبادل والتعاون في مختلف المجالات - بغض النظر عن أحكامها أو قناعاتها الأخلاقية أو تفضيلاتها الشخصية. أما العدوان والعنف والقتل ، السرقة ، التي تشكل الحدود التي لا يمكن التسامح معها فهي المبادئ الأساسية التي تميز ، بحسب فريدريك هايك ، الليبراليين عن المحافظين أو الاشتراكيين ، مؤيدي استخدام القوة القسرية للدولة في مختلف المجالات.

بروفسور في الفلسفة والاقتصاد

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

في طبيعة المجتمع المدني في الدولة الديمقراطية ومهامه

العمودالثامن: أين اختفوا؟

 علي حسين ظل السادة خضير الخزاعي وأسامة النجيفي وصالح المطلك وإبراهيم الجعفري وفؤاد معصوم وعباس البياتي وعتاب الدوري وحسن السنيد وغيرهم يهلّون علينا كلَّ يوم قبل الغداء وبعد العشاء من خلال الصحف والفضائيات،...
علي حسين

كلاكيت: البحر الأحمر في فينيسيا

 علاء المفرجي بعد مشاركتها في الدورة السابعة والسبعين من مهرجان كان السينمائي لعام 2024م، من خلال أربعة أفلام سينمائية وعدد من المبادرات والفعاليات. وتتضمّنت قائمة الأفلام التي حصلت على دعم المؤسسة: "نورة" للمخرج...
علاء المفرجي

تدهور الرعاية الصحية الراهن لا تُعالجُه الوعود المعسولة!

د. كاظم المقدادي أنتجت المنظومة السلطوية القائمة على المحاصصة الطائفية والإثنية، وتقاسم النفوذ والمليارات، والمناصب والإمتيازات، ظواهر بغيضة، كالتسلط والهيمنة على مقدرات البلد، بدأتها بإفراغ الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى من الموظفين الكفوئين إدارياً وذوي...
د. كاظم المقدادي

عن المرجعية الدينية

حيدر نزار السيد سلمان كتب ويكتب الكثيرون عن خليفة المرجع الديني اية الله العظمى السيد علي السيستاني بالإضافة إلى جهود بعض مراكز البحوث المهتمة بالشأن العراقي، وهذا دلالة على أهمية المرجعية الدينية من النواحي...
حيدر نزار السيد سلمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram