اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > قراءة في كتاب في علم الحياة العامة لاهاي عبد الحسين تدعو الى توسيع التقييم النقدي والنظر من زوايا مختلفة

قراءة في كتاب في علم الحياة العامة لاهاي عبد الحسين تدعو الى توسيع التقييم النقدي والنظر من زوايا مختلفة

نشر في: 18 فبراير, 2023: 10:50 م

سعدون هليّل

​يعلمنا علم الأجتماع المعرفي بأنه لا تصدر أية أفكار أو مذاهب أو نظريات جديدة عن فراغ، ولايمكن فهم هذه الأفكار أو النظريات فهماً صحيحاً إلا بمعرفة المناخ الفكري والسياسي الذي ساد قبل وأثناء ظهورها في مجتمع بعينه.

الدكتور سعد الدين ابراهيم

صدراً مؤخراً عن دار المدى، كتاب الدكتورة وعالمة الأجتماع لاهاي عبد الحسين “ في علم إجتماع الحياة العامة”، لعام 2023 من القطع المتوسط، ويقع في 578 صفحة، تناولت فيه الباحثة على ما أشتمل عليه عددا كبيرا من المقالات التي كُتبت ونُشرت في صحيفة المدى للمدة بين 2016-2020، وأشارت عبد الحسين الى الإطار المعرفي الذي تضمّن محتوى وتحليل جميع تلك المقالات، في أحدث فروع علم الاجتماع الحديث وتحديداً في علم اجتماع الحياة العامة حيث يُعنى إهتماماً بالشواغل ذات المغزى اليومي والمباشر وعدم الاكتفاء بدراسة الظواهر والمؤسسات الكبيرة وعلى المستوى البنيوي الذي يحمل الى حد كبير صيرورات التحول والتغيير.

وأكدت الدكتورة لاهاي بشأن مقولتها الأساسية في هذا الكتاب على أن منهجها الكتابي لا يكتفي بعرض وتفسير القضايا والمشكلات القائمة والسائدة بل يتخطاه الى اقتراح ما يجب ان يكون عليه واقع الحال، وتسعى عبد الحسين الى توسيع التقييم النقدي البناء الذي يضع حلولاً لمعالجة ما هو كائن ويشجع على النظر إليه من زاوية مختلفة.

وفي ضوء هذا المنهج ، تناولت المؤلفة قضايا المرأة والدين والعشيرة وجدل العلمانية والمجتمع، والشموليات السياسية المتجددة، وشؤون اليسار العراقي والديمقراطية، الازدواجية في المجتمع مرفقة بدراسة نموذجية عن علي الوردي وفالح عبد الجبار، والثقافة في مجتمع متغير وحقول أخرى.

وضعت المؤلفة عدداً كبيراً من الكتب والأبحاث والمقالات والنصوص، وتناولت بالبحث والتقصي لظواهر اجتماعية وثقافية مختلفة، طالت مواضيع متنوعة في حقول السيكولوجيا الاجتماعية، والتاريخ والاقتصاد والسياسة والفن، والأنثروبولجيا الاجتماعية، وغيرها الكثير. ونلاحظ أن مقالاتها ذات صلة مباشرة بمعاناة الإنسان العراقي، الذي يعيش عوامل وظروف مرحلة انتقالية صعبة ومعقدة.

أمتاز اسلوبها بالبساطة والوضوح، لكنها لم تتعمق كثيراً في مباحث العلل والأسباب، نظراً لأن مقالاتها أساساً قد نشرت في ميدان أعلامي أو صحفي؛ فقد تولت جريدة المدى، نشر تلك المقالات منذ عام 2016 وحتى عام 2020م، ثم جمعت الباحثة تلك المقالات في كتاب، اطلقت عليه عنوان: ((علم اجتماع الحياة العامة))، وهو الكتاب الذي بين أيدينا الأن ومن المعلوم لدى المختصين في ميدان النص المقالي، أن للمقالة الأدبية والاجتماعية حدود ورسوم، من غير الجائز تجاهلها؛ ومن تلك الرسوم الواجب مراعاتها، أن النص الإعلامي يختلف عن الاكاديمي اختلافاً جذرياً.

حاولت الباحثة لاهاي عبدالحسين، أن تحدد التشخيص الملائم لبعض الظواهر والاختصاصات السلبية في مرحلة ما بعد سقوط النظام القمعي الشوفيني عام 2003، وأن تجد الحلول العملية أو الممكنة، والباحث لا يمتلك قوة تنفيذية أو عصا سحرية لإصلاح الواقع لكنه يمكنه أن يتكلم بضمير حرّ وشرفٍ مهني وأخلاقي، وأن يرفع صوته عالياً، خصوصاً أن كان الأمر يتعلق بمصير الناس، أو مستقبل الوطن، ومع الأسف نجد الكثير من الكتاب والاكاديميين والصحفيين قد خسروا شرفهم المهني، واصبحوا أدوات رخيصة بيد كل من يرغب أن يدفع ثمناً أعلى في مزادات شراء الضمائر ويمكن للباحث الحر، أن يقول كلمته، ويفرغ ما في قلبه من صدق، ثم يمضي في طريقه، لا يبالي للومة لائم، ولا عذل عاذل.

في القسم الأول تتحدث د. لاهاي عبدالحسين، عن الثامن من آذار، يوم المرأة العالمي قائلة : لم يكن الثامن من آذار عام 1908 يوماً سعيداً بالنسبة إلى مجموعة عاملات النسيج في مصنع للنسيج في مدينة نيويورك الأمريكية، حيث اقدم صاحب المصنع على إحراقهن مجتمعات بسبب تجمعهن للتظاهر والمطالبة برفع الأجور وتحسين ظروف العمل ومنع عمل الاطفال.

استغرقت المطالبات بتخصيص يوم عالمي للمرأة ما يقرب من سبعين عاماً حتى اقنعت الأمم المتحدة بالاقتراح على دول العالم عام 1977 لاختيار اليوم الذي يناسب كل واحدة منها للاحتفاء بالمرأة سرعان ما أجمعت الغالبية العظمى من دول العالم على عد الثامن آذار يوماً عالمياً للمرأة.

وفي محور “عن الدين والعشيرة”: إشارت الباحثة لاهاي، الى أنه قد هزّ الشباب من متظاهري تشرين في عدد من المحافظات العراقية وعي المجتمع بكل مؤسساته الدينية والعشائرية والسياسية والاقتصادية من خلال تظاهرات عارمة ورفعوا فيها الأعلام العراقية وتلفعوا بها مرددين شعارات وطنية تجلى اكثرها شيوعاً في الشعار الذي عبر عن جوهرها ما اجتمعوا عليه وتطلعوا إليه (( نريد وطن))، يريدون وطناً يخططون فيه لخدمات متحققة وطماح ممكنة وقابلة للتطبيق، وطن لا يتم تجاهله في نشرات الاخبار أو السياسات الدولية لأنه يحيا ويمارس الحياة في مسرح العالم بحيوية ونشاط.

أنهم يبحثون عن الوطن الغاطس في عمليات الفساد والفضائح المالية والإدارية المكشوفة والمرصودة لينتشلوه ويعيدوا بنائه على أسس سليمة يحظى فيه الجميع بالرعاية والأمن والأمان.

وتقول لاهاي، لم تفعل المؤسستان الرئيسيتان الدينية والعشائرية موخراً الا ما يعزز الابتعاد عن دورهما وعدم التعويل عليهما.

تتزاوج هاتان المؤسستان وتتضامنان في مجتمع مثل المجتمع العراقي. تقول” هذه حقيقة مؤكدة ومعروفة سبق إن وجدت مصداقاً لها في ظروف تاريخية معينة وبخاصة في ظل التفكك وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي.

وفي مبحث آخر تتناول الباحثة العشيرة قائلة : لم يحدث أن تعرضت العشيرة إلى هجمة وتسفيه اكثر شراسة مما يحصل هذه الأيام حيث يظهر عتاة الفاسدين مالياً وإدارياً وأخلاقياً ودعاة العنف والطائفية والتقسيم مؤطرين بأسماء عشائرهم.

وزاد في هذه الظاهرة بروز ما يسمى بـ ((المودلز))، بالقاب عشائرية معروفة وتقول الباحثة بأن وكالات الانباء والمصادر الإعلامية تنشر بين فترة وأخرى اخباراً عن مصادمات عشائرية، تستخدم فيها مختلف الاسلحة الخفيفة والثقيلة على السواء في الغالب على قضايا كان يمكن أن تحل بالتفاهم واللقاءات الأخوية والحوار المتبادل فأن أمثال هؤلاء معرفة الناس بالتركيبة الطبقية للعشيرة التي تترك جلّ جمهورها نهباً للفقر والعوز بدلالة شمول الغالبية منهم وخاصة الدين يقيمون في المناطق الريفية أو المناطق الشعبية الأكثر فقراً بقانون الرعاية الاجتماعية.

وتقول الباحثة وهذا ما أكد عليه تقرير صادر عن مكتب الجريمة والمخدرات التابع للأمم المتحدة في بغداد وذكر فيه أن العشائر تحمي الجريمة المنظمة وتشجع على تداول المخدرات وتمريرها إلى دول الخليج العربي والعراق.

كما تشير الباحثة الى “أن العشيرة فشلت في أختيار القدرة على التحمل والمطاولة في ظل الظروف المتغيرة بعد الحرب وإنهيار سلطة الدولة ما كشف عن تخلف في القدرة على التطور والمساهمة بتأسيس مجمتمع متطور ومتضامن.»

من جانب آخر، تحدثت المؤلفة عن مشروع عالم الاجتماع الراحل فالح عبد الجبار فقالت بأن عبد الجبار قد عمل في أكثر من مؤسسة ومركز بحثي بصفة محاضر أو استاذ زائر أو باحث مقيم ، وتضيف: شارك في بحوث ودراسات، نشرت في مجلات ومواقع الكترونية متعددة، واهتم عبد الجبار بفرعين رئيسيين من فروع علم الاجتماع الحديث هما علم الاجتماع السياسي وعلم الاجتماع الديني.

واختتمت المؤلفة بالقول ان اعمال فالح عبد الجبار هي الصرخة التي تلهم الباحثين المهتمين بسبر غور مسارات جديدة غير مطروقة يمكن ان تسهم في تعرية الحقيقة وكشفها وتدعيمها بالحجة والدليل القابل للجدل والنقاش.

وفي محور الجندر وقضايا المرأة تحدثت الباحثة عن الناجيات العراقيات في وزارة الهجرة والمهاجرين عام 2017، فقد ساهم التنظيم الإرهابي بتهجير مليوني امرأة من مجموع ثلاثة ملايين وستمائه ألف مواطن تعرضوا للتهجير بلغت نسبة النساء فيهم 51% وبواقع 726421 عائلة، شكل الايزيدون 7% منهم وهي نسبة عالية إذا ما أخذ الحجم السكاني للجماعة الايزيدية، فيما بلغت نسبة المسيحيين ص83 602% إلى جانب التركمان واعداد من الصابئة المندائية، وضعت الغالبية العظمى لهؤلاء المهجرات ممن صرن في عداد الناجيات بعد انحسار خطر الإرهاب بأنهن شابات وفقيرات وعاطلات عن العمل لقاء اجرة . وتضيف أن ما حدث للنساء العراقيات خلال تلك الفترة العصيبة يذكّر بالعنف المركب الذي تعرضت له النساء تاريخياً من حيث أنهن تحولن بين ليلة وضحاها إلى مادة للاستخدام وسلعة للبيع والشراء.

وفي سياق المحور السياسي والتاريخي أشارت المؤلفة بأن هناك دليلاً علمياً جديداً بشأن الدور الأمريكي للإطاحة بحكومة عبدالكريم قاسم وقد نُشرت عام 2013 رسالة ماجستير للباحث الأمريكي وليام جي زلان حملت عنوان التدخل الأمريكي الخفي في العراق للفترة من عامي 1958 – 1963 حول تغيير النظام المدعوم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في العراق الحديث، والتي حصل الباحث بموجبها على شهادة الماجستير من قسم التاريخ بجامعة البولينيكنيك لولاية كاليفورينا، بومونا عام 2006 ويعرض المقال لأهم ما جاء فيها لأهميتها التاريخية والسياسية.

تقول الباحثة، اعتمدت الرسالة طريقة السيرة التاريخية لتعقب ما جرى في العراق خلال الفترة الزمنية المحددة كما استخدمت طريقة التاريخ الشفوي التي تقوم على مقابلات شخصية مباشرة وجهاً لوجه مع أشخاص يعتبرون ذوي أهمية استثنائية في العمل العلمي،وتضمنت السيرة التاريخية للتدخل الخفي الأمريكي في العراق للفترة 1958-1963 ورد فعل الولايات المتحدة، على ثورة 1958- والقلق المتنامي حول صعود الشيوعية فــــي العراق ومحاولــــــــــــة الاغتيال واتصـــــــــــالات الـ سي أي أي مع البعث والتدخل الخفي للولايات المتحدة الأمريكية قبل الانقلاب وبعده.

كما وثقت الدراسة مساعي الـ سي أي أي الحثيثة لقمع المعرفة ومنع تداول المعلومات بشأن مساعيها للإطاحة بحكومة عبدالكريم قاسم محمد لأسباب متعددة لعل من أهمها التغطية على دور البعث في القضية والذي كان قد قدم نفسه في المجتمع العربي والعراقي على أنه تنظيم قومي يدعم القضية الفلسطينية ويعادي الغرب.

تكمن أهمية الرسالة بتقديمها دليلاً علمياً يقرب من القطع إلى أن انقلاب شباط 1963 انما هو انقلاب أمريكي، بأمتياز، الا أن الرسالة تصف التدخل الأمريكي في العراق انذاك بأنه كان على مستوى أقل مما حدث في ايران عام 1953 أو تشيلي عام 1973، وتؤكد على أن الـ سي أي اي لم تعتمد في تدخلاتها المعادية للعراق في حينها على جهود عناصرها الأمنية وحزب البعث في العراق الذي كان يناصب قاسم العداء فحسب وإنما اعتمدت كذلك على العناصر المعادية الاخرى لقاسم ولها – على ما يظهر – في المنطقة وفي مقدمتهم جمال عبدالناصر والجمهورية العربية المتحدة ، وتضيف الباحثة، من خلال هذا أن الـ سي أي أي تلاعبت بالأوضاع الأقليمية والدولية بما يخدم مصالحها واستخدمت طريقة الكل ضد الكل وبما يمكنها من البقاء في الكفة الراجحة للميزان.

وفي محور آخر لمقال رسالة المثقف: تقول لاهاي، مات الرصافي وهو في السبعين من العمر وحيداً معدماً في بيته المتواضع، وفي عام 1999 نقل جثمان الشاعر الكبير عبدالوهاب البياتي في منشأة لمصلحة نقل الركاب في دمشق وهو بعد في الرابعة والسبعين من العمر محاصراً بشعور خانق ومطبق بالغربة بعيداً عن العراق وبغداد التي ما احب مدينة سواها، وتغرب محمد مهدي الجواهري واسقطت الجنسية العراقية عنه أكثر من مرة ومات وهو السابعة والتسعين من العمر ليدفن في مقبرة الغرباء في دمشق ليصفه فائق بطي بأنه (كان عزيز النفس يرفض أن يستلم أي مبلغ من المال أو يحاول استغلال مكانته الأدبية العالية لغرض الحصول على هذا المال).

أما في محور الديمقراطية والمجتمع فجاء مقال “أي ديمقراطية هذه” بالقول :” عرف العراق قبل 2003 نظاماً فاشياً استبدادياً شمولياً دكتاتورياً محكماً يفرض قواعد صارمة على كل جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وفق تسلسل هيكلي مراتبي يخضع لسلطة مركزية حاسمة، نظام احتكر وسائل الأعلام وطالبها بالاحتفاء به وعتم على حرية الفرد وأوكل السلطة لنخبة حزبية حاكمة عليا تملي وتأمر وتراقب وتشرف وتحاسب بصلاحيات تكاد تكون مفتوحة وتضيف الباحثة، هذا ما اسهم بتسجيل اسوأ أداء سياسي وإداري في تاريخ العراق الحديث منذ تشكيل الدولة العراقية مطلع عشرينيات القرن الماضي.

فيما أكدت المؤلفة في محور عالم الاجتماع علي الوردي على انه مات في تسعينيات القرن الماضي تاركاً لنا ارثاً لا زال محل جدل ونقاش لا يخلو من الخصومة والعدوانية بقدر انه لا يخلو من الإكبار والاعجاب والتمجيد.

وتشير الى اعجابها بالجزء الخامس من كتاب “ لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث “الموسوم “ حول ثورة العشرين” الى انه قد أتى بجديد وحقق خرقاً للمألوف ووضع إسهامة ملموسة ومحسوسة في مجال المعرفة العلمية لأحد أهم ما حدث في تاريخ العراق المعاصر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالصور| تظاهرات حاشدة أمام وزارة التخطيط للمطالبة بتعديل سلم الرواتب

805 قتلى وجرحى بأعمال شغب مستمرة في بنغلاديش

مجلس النواب يعقد جلسته برئاسة المندلاوي

خبراء يحذرون: أغطية الوسائد "أقذر من المرحاض" في الصيف

القبض على 7 تجار مخدرات في بغداد وبابل  

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

رمل على الطريق

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

موسيقى الاحد: جولة موسيقية في فيينا

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram