بغداد/ تميم الحسن
في أكثر الاوقات احراجاً بالنسبة للإطار التنسيقي، تتصاعد مؤشرات تفكك ائتلاف ادارة الدولة (يضم كل الكتل الفائزة بالانتخابات باستثناء التيار الصدري) الذي على ضوئه تشكلت الحكومة.
التحالف الشيعي بدوره يبحث عن «الاستقرار السياسي» على الاقل لحين موعد الانتخابات المحلية المتوقع اجراؤها في تشرين الاول القادم.
بالمقابل ان تصدعات كبيرة حدثت في البيت السني في وقت تتداول فيه معلومات عن قرب تحرك أنصار زعيم التيار مقتدى الصدر.
كما جرى هذا في وقت لمح فيه مسؤول رفيع في حكومة كردستان لأول مرة عن احتمال الانسحاب من الحكومة الاتحادية في حال نقض الاتفاقات.
ساعة الصفر
بدأ العد التنازلي لتوقعات محمد الحلبوسي رئيس البرلمان، الذي قال في نهاية العام الماضي ان سنة 2023 (الحالية) ستكون حاسمة بشأن التعهدات الشيعية.
وبعد ذلك اتفق التيار الصدري مع كلام الحلبوسي. ورجح قيادي في التيار في تصريح سابق لـ(المدى) حدوث «متغيرات سياسية كبيرة في الربع الاول من العام الحالي».
وتقول مصادر سياسية مطلعة انه «ليس من مصلحة الإطار التنسيقي على الاقل في هذا التوقيت حدوث هزات سياسية».
المصادر تشير الى ما يجري داخل البيت السني تحديدا وموجة الانشقاقات المستمرة عن كتلة الحلبوسي والسياسي خميس الخنجر «تحالف السيادة».
وتضيف المصادر التي تحدثت لـ(المدى): «رغم وجود ملاحظات على الحلبوسي وربما دفع بعض الاطراف داخل الاطار لتغييره لكن الاكثرية تفضل بقاءه حتى الانتخابات المحلية».
ويسارع الإطار التنسيقي لتغيير قانون الانتخابات بطريقة تخالف جذريا ما طرحه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وهو قد يهدد بفتح جبهة جديدة مع الزعيم المعتزل عن السياسية منذ الصيف الماضي.
وكانت المواجهة الاخيرة مع الصدر والتي استمرت قرابة عام قد ادت الى تفاهمات، تبدو الان هشة، بين خصوم زعيم التيار وباقي القوى السنية والكردية لتشكيل حكومة محمد السوداني.
وفي خطوة لاحقة اعتبرها مراقبون ذكية، قدم الحلبوسي استقالته من البرلمان فيما قام الشيعة في الإطار التنسيقي بإعادة الثقة له في ايلول الماضي (صوت 220 نائبا اغلبهم من الإطار التنسيقي لصالح التجديد).
وبذلك ضمن رئيس البرلمان دعم الشيعة له بعد ان كانوا في السابق يتملصون من مسؤولية اختياره لرئاسة البرلمان باعتباره حليف الصدر ومسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني.
لكن ورغم ذلك، وبحسب ما تقوله المصادر لا يمنع بعض القوى الشيعية من ان تلعب بورقة اقالة الحلبوسي مرة اخرى، كأحد ادوات الضغط.
قبل ايام قال محمد الصيهود النائب عن دولة القانون في تصريحات صحفية ان «الحلبوسي ينفذ اجندة اقليمية»، واضاف: «من الافضل ابعاده عن المنصب».
وفي تسجيلات ماعرفت بـ»تسريبات المالكي» زعيم دولة القانون، حذر الاخير من الحلبوسي، الذي قال بانه «يخترق اجتماعات الإطار التنسيقي».
واضاف في احد التسجيلات المنسوبة الى المالكي ويتم التحقيق فيها الان بالقضاء: «الشيعة في خطر، لأن البعثيين الآن ارتقوا مراتب خطيرة، ودخلوا في صلب الدولة، وأنشأوا أحزابا تحت عنوان (تقدم)، الذي يتزعمه محمد الحلبوسي، وهو حزب قديم، أنشأه واحد من الشخصيات، لكنه توفي، وتسلّمه الحلبوسي بعده».
وتهدد بالمقابل اجواء الاستقرار السياسي التي يطمح لها بعض جهات الإطار التنسيقي المباحثات الصعبة بين بغداد وإقليم كردستان.
وأمس قال رئيس حكومة كردستان نيجيرفان بارزاني ان تشكيل هذه الحكومة جاء نتيجة لاتفاق و»الشراكة بين الكرد والطرف الشيعي والطرف السني»، إن «لم تكن الأطراف الأخرى تريد الالتزام بهذا الاتفاق، عندها لن يكون هناك أي معنى لبقائنا نحن الكرد في هذه الحكومة».
واضاف بارزاني في حديث لعدد من وسائل الاعلام ان الاختلاف بين الحكومة الحالية والسابقة هو «وجود فيها شيء مكتوب بيننا، وفي هذا المكتوب تم تحديد خارطة الطريق لحل المشاكل».
وتابع: «لهذا، فإن رئيس الوزراء، وكذلك الطرف الشيعي، والطرف السني، والطرف الكردي، عليهم أن يلتزموا بتنفيذ هذا الاتفاق».
وسبق ان اعتبرت تصريحات زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني على قرار المحكمة الاتحادية منع ارسال اموال الى الاقليم بداية تفكك تحالف ادارة الدولة.
حينها عبر بارزاني في بيان عن اسفه لما وصفه بـ»الموقف العدائي» الصادر عن «المحكمة الاتحادية تجاه إقليم كردستان بعدما منعت الحكومة الاتحادية من إرسال مبالغ مالية إلى الإقليم».
وتتوقع المصادر الشيعية ان التحالف القديم الذي كان يطلق عليه (التحالف الثلاثي) قبل انسحاب الصدر، مازال قائما على الاقل بين بارزاني وتحالف السيادة.
وخلال الازمة الاخيرة لانسحاب نواب من «السيادة» زار الخنجر اربيل والتقى بزعيم الحزب الديمقراطي.
وقال بيان لمقر بارزاني يوم السبت الماضي، ان «الجانبين بحثا الاوضاع السياسية في العراق وسلطا الضوء على خطوات تنفيذ الاتفاق السياسي بين الأطراف المكونة لتحالف ادارة الدولة».
مسلسل الانسحابات
حركة الانشقاقات المستمرة منذ نحو شهرين داخل تحالف السيادة لا يستبعد بحسب المصادر السياسية، ان تكون بدفع من بعض القوى الشيعية.
ووصلت الانشقاقات الى ذروتها الاسبوع الماضي، بعد ان انسحب 4 نواب من «تقدم» وادعوا انهم مستمرون في تحالف السيادة.
يقول زياد العرار وهو باحث في الشأن السياسي ان «هناك معلومات عن محاولة لعودة بعض المنسحبين الى التحالف».
«السيادة» بدوره اصدرت بيانا رفض فيه بقاء اي نائب في التحالف ينسحب من حزب الحلبوسي «تقدم» او الخنجر «المشروع العربي».
وكان المنسحبون وهم كل من النواب: فلاح الزيدان ولطيف الورشان وعادل المحلاوي ويوسف السبعاوي، قالوا ان قرارهم جاء بسبب اعتراضهم على «طريقة عمل الحزب وعدم وجود شراكة حقيقية في اتخاذ القرار».
لكن العرار يقول في حديث لـ(المدى) ان «الانسحابات هي بسبب صراع على المناصب وخلافات شخصية وليست بسبب قضايا عامة».
ويؤكد الباحث في الشأن السياسي ان موجة الانشقاقات تصاعدت «بعد توزيع رئاسة اللجان البرلمانية».
وسبق ان علق تحالف السيادة على انشقاق النائب رعد الدهلكي الشهر الماضي، بانه كان يريد الحصول على أحد رئاسات اللجان.
وقبل ذلك كان قد انسحب النائب السابق حيدر الملا، والنائب ليث الدليمي الذي اقيل مؤخرا من البرلمان على خلفية استقالة سابقة شكك الاخير في قانونيتها وصدقها القضاء.
واعتبر العرار ان تلك الخلافات حدثت «مع تبدل التحالفات وانسحاب الصدر» من التحالف الثلاثي السابق.
وبين ان تحالف ادارة الدولة «كان قد حل مشكلة تشكيل الحكومة» لكن العيوب بدأت تظهر بعد ذلك بسبب هشاشة الاتفاقات.
الى ذلك علق السياسي السني ومحافظ نينوى السابق اثيل النجيفي على التطورات الاخيرة في تحالف «سيادة» بانها صراع على منصب رئيس البرلمان، ملمحا الى ان الإطار التنسيقي يتلاعب بهم ويفرض على السنة قياداتهم.
وقال النجيفي في حديث لـ(المدى) ان: «أكبر اهانة للمجتمع السني ان نحصر زعامته بمنصب يتم الحصول عليه من خلال توافق أطراف سياسية معظمها من خارج المكون».
وأضاف: «هذه اهانة معناها (يا سنة.. انتم لاشيء.. ونحن الذين نحدد لكم قياداتكم وزعاماتكم كما نتوافق نحن عليها).
وتساءل النجيفي: «هل يقبل المجتمع الشيعي ان نقول بان زعيمه كان الكاظمي.. وبرهم صالح زعيم الكرد..»؟
من جانب آخر اعتبر النجيفي وهو قيادي في جبهة الإنقاذ والتنمية التي يتزعمها شقيقه اسامة النجفي رئيس البرلمان الاسبق انه «مهما كان اعتراضنا على اداء الحلبوسي فإننا في الجبهة لا نقبل ان نحصر أنفسنا بأهداف ساذجة مثل الاطاحة بفلان او استبدال علان ولا ان نكون طرفا بين أطراف تتصارع على مصالح خاصة».
وتابع: «كمراقبين نعتقد ان العد التنازلي لكل من (تقدم) و(السيادة) قد بدأ وبدأ النواب يقفزون من المركب قبل غرقه».
واضاف: «لكننا نهتم أكثر بما يمكننا من حث المجتمع السني على المشاركة في الانتخابات وان يكون طرفا فاعلا في العمل السياسي وليس متفرجا».