TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > لتحاسب قتلة المتظاهرين بتشكيل محكمة خاصة

لتحاسب قتلة المتظاهرين بتشكيل محكمة خاصة

نشر في: 21 فبراير, 2023: 10:22 م

د. كاظم المقدادي

( 1-3)

قتلة المتظاهرين السلميين المطالبين بحقوقهم المشروعة، معروفين للجميع، وموجودين، ويصولون ويجولون.. فهل حقاً وصدقاً وفعلاً يريد رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة السوداني إعتقالهم، مهما كانت مواقعهم، ومحاسبتهم قضائيا لينالوا جزاءهم العادل ؟

بعد ثلاث سنوات

إعتبر خبراء الحقوق والقانون ان ما إرتكبته السلطة بحق المتظاهرين من شباب وشابات تشرين 2019، الذين كانوا يطالبون بتوفير الخدمات وتحسين الظروف المعيشية والأمن والأستقرار،وهي حقوق مشروعة كفلها لهم الدستور العراقي، هي «جرائم القتل العمد (والعمد هو فعل التخطيط للقتل مع سبق الإصرار) والثمع الدموي».. ولم يحاسب القتلة وهم يسرحون ويمرحون ويثون فساداً وخراباً..

بعد مرور ثلاث سنوات على تلك الجرائم، وجه رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني بإعادة العمل باللجنة الخاصّة بتقصّي الحقائق عن قتلة المتظاهرين وتعويض جرحى التظاهرات.

ووفقاً لبيان مكتبه في 9/2/2023، « تم إعادة عمل اللجنة، وباشرت عملها فعلياً مطلع الأسبوع الماضي. وان رئيس مجلس الوزراء تعهد بعرض نتائج لجنة تقصي الحقائق في مؤتمر يخصص لهذا الغرض، التزاماً بالبرنامج الحكومي، وإيفاءً بوعوده لمتظاهري تشرين».

من جهتها، أعلنت اللجنة نفسها، في بيان لها يوم الثلاثاء 13/2/2023، انها « تلقت توجيهات من رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني بتسريع إجراءات اللجنة التي تتعلق بالتحقيق في الأحداث التي رافقت تظاهرات تشرين عام 2019 وما بعدها.”

تساؤلات بحاجة الى إجابات

تطرح نفسها التساؤلات التالية: اللجنة المذكورة هي لجنة حكومية، ومشكلة منذ أكثر من عامين،وفق الامر الديواني 293 لسنة 2020 ، ولليوم لم تُكمل مهمتها.. فلماذا لم تكمل همتها ؟ ولماذا توقف عملها ؟ ومن أوقفه ؟ حتى طلب السيد السوداني إعادة عملها والإسراع في اكمال التحقيقات ؟

ثم ان اللجنة تشكلت عقب اسقاط تورة تشرين الباسلة لحكومة عادل عبد المهدي، اواخر عام 2020، وعدا هذه اللجنة تشكلت 11 لجنة رئيسية، وأكثر من 20 لجنة في احداث قتل فردية رافقت الاحتجاجات التي اندلعت في الأول من تشرين/أكتوبر 2019.. لم تعلن النتائج النهائية لعملها، ولا يُعرفُ ما هو مصير ما أنجزته وما توصلت إليه،، وأين صارت.

ولابد من الإجابة على التسؤالات التالية: هل اللجنة التي أعيد عملها تمتلك المواصفات المطلوبة من حيث المهنية، والإستقلالية، والنزاهة، والشجاعة والجرأة لتستدعي المسؤولين المتنفذين المتورطين بجرائم القتل والقمع الدموي للمتظاهرين والمحتجين للإدلاء بشهادتهم وتوجيه الإتهام لهم ؟

وهل أخذت بعين الإعتبار الكم الهائل من الوقائع والقرائن والأدلة ذات العلاقة ؟ و الجميع يعلم بوجود عشرات مئات الفيديوهات والأفلام، واَلاف الصور الحية، ومئات التقارير، بما فيها رسمية، الموثقة للأحداث، ليس من الصعب الرجوع إليها. إضافة الى وجود اَلاف شهود عيان، يتعين كسب ثقتهم وإعطائهم الضمانات والحماية من قبل القضاء.وكل ما يساعد على تجاوز خيبة أملهم.

تقارير مهمة

تتوفر مئات التقارير العراقية والأجنبية التي وثقت الأحداث.نشير الى بعض منها:

أكدت (منظمة العفو الدولية) ان “الجهات المسلحة التابعة للدولة استهدفت المعارضين والنشطاء وهددتهم واختطفتهم وأعدمتهم خارج نطاق القضاء، وكذلك عائلاتهم، ما دفع الناجين الى الفرار للاختباء، فيما اعتقلت السلطات العراقية وحاكمت أفرادا على بعض هذه الهجمات، وقد ظل عشرات الأشخاص متخفين»[1]

من جهتها أوضحت منظمة (الأورومتوسطي لحقوق الإنسان) :»منذ بداية احتجاجات الأول من تشرين أول/أكتوبر 2019، واجهت قوات الأمن العراقية المحتجين بالعنف المفرط ونشرت القناصة في محيط أماكن التظاهر وساحات الاعتصام، واستخدمت وسائل القمع العنيفة ضد المحتجين، بما في ذلك الرصاص الحي، بمختلف الأسلحة الآلية،الى جانب الاحتجاز، والتعذيب، والضرب ، ما أدّى إلى مقتل نحو 730 عراقيًا، وجرح أكثر من 25 ألفًا آخرين، إضافة إلى تعرّض عشرات المتظاهرين للإخفاء القسري، خلال ستة أشهر من الاحتجاجات» [2].

وحسب حصيلة أعلنتها (مفوضية حقوق الإنسان) الحكومية في هذا البلد قتلت القوات الأمنية خلال 5 أيام نحو 100 شخصاً، معظمهم من المتظاهرين، وجرح نحو 4000 آخرين، منذ بدء الاحتجاجات في العراق [3] .

وبحسب بيانات حكومية أقرت حكومة عبد المهدي بحصول “اعمال عنف ضد المحتجين اثناء وبعد التظاهرات الشعبية، وإعترف رئيس مجلس الوزراء عبد المهدي،شخصياً، في عام 2019 بوجود عمليات قنص استهدفت المتظاهرين.وبعد “تقرير قنص المتظاهرين”،كشف تقرير لجنة التحقيق حول الاضطرابات في العراق، عن مقتل 157 شخصاً، وان ما يقرب من 70‎% من الإصابات استهدفت الرأس والصدر.

وخلصت اللجنة إلى أن قوات الأمن استخدمت “القوة المفرطة والرصاص الحي” لقمع المتظاهرين ما تسبب في وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين في محافظة بغداد والمحافظات الأخرى[4].

وفيما بعد أقرت الحكومة ان اعمال العنف ضد المحتجين اثناء وبعد التظاهرات الشعبية اوقعت 500 قتيل واَلاف الجرحى، فضلا عن عشرات المختطفين، بينما أفادت تنسيقيات الاحتجاجات في البلاد: هناك نحو 700 قتيل، وأكثر من 20 ألف جريح[5].

وأكدت الأمم المتحدة:»مقتل حوالي 500 متظاهر في الأسابيع القليلة الأولى فقط من الانتفاضة على يد قوات الأمن العراقية والجماعات المسلحة المدعومة من الدولة.وان العنف ضد المتظاهرين إستمر حتى بعد انتهاء الاحتجاجات، من خلال حملة اغتيال استهدفت نشطاء بارزين، كان يُنظر إلى معظمهم على أنهم أصوات مؤثرة في حركة الاحتجاج»[6].

لكن منظمة “الأورومتوسطي لحقوق الإنسان» أفادت ان الأجهزة الأمنية والمليشيات قتلتَ 730 متظاهراً خلال 6 أشهر فقط [7].

ونشر تقرير حديث أكد ان أعمال العنف أدت إلى مقتل نحو 800 متظاهر، وإصابة أكثر من 27 ألفاً، في وقت لم تُحاسَب أي جهة متورطة في هذه الأعمال حتى الآن[8]..

بشأن الأرقام الواردة المختلفة والمتناقضة فان المنظمات الدولية تستند الى الأرقام الرسمية المعتمدة، وهي عادة غير دقيقة ومشوهة بشكل مقصود.وقد ةقعت الجهات الحكومية الناشرة لها بتناقضات فاضحة.فمرة تقول ان عدد المقتولين 600 وبعد كم يوم تعلن ان العدد 500 رغم سقوط قتلى جدد.مرة ثالثة تقول ان العدد لا يتجاوز الـ 430.

والمتتبعين للأحداث والمراقبين الحياديين عاشوا جريمة حكومية لا تغتفر. فقد منعت الحكومة الطب العدلي تزويد أهالي الشهداء والشهيدات بشهادة قتلهم بالرصاص أو بالقنابل الغازية السامة، وإنما وفاتهم بأسباب أخرى، وإلا لن يستلموا جثامينهم لدفنها.وفعلآ رضخت عشرات العوائل من منطلق “إكراماً للميت دفنه”، وبذلك لم يسجلوا كشهداء ولم يُضاف عددهم الى عدد ضحايا القمع الدموي برصاص القوات الأمنية..

بالضد من ذلك، جرت متابعة مضنية من قبل متطوعون شجعان وحصلوا على معلومات موثقة من مصادر وزارات: الصحة والداخلية والدفاع وقيادة العمليات المشتركة المنظمات المهتمة بحقوق الإنسان العراقية والعربية والأجنبية، تؤكد ان ضحايا الأجهزة القمعية والمليشيات المسلحة وبقية بلطجية أحزاب الإسلام السياسي الشيعي المتنفذة، حتى نهاية عام 2021، هم أكثر من 1000 شهيد و30 ألف جريح، من بينهم أكثر من 7 الآف معوق جسدياً من ضحايا من شباب وشابات المتظاهرين السلميين.

وبغض النظر عن العدد فان لا أحد ينكر سقوط مئات الضحايا من المتظاهرين والمحتجين السلميين قتلى واَلاف الجرحى والمعوقين على برصاص وقنابل الأجهزة القمعية.. فهل تمت محاسبة القتلة ؟

مَن الذي سيحاسب ؟!!

في عام 2021 كتبت صحيفة «الأندبندنت» البريطانية تقول:” لم يعد السؤال في العراق متى ستحاكم الحكومة قتلة تظاهرات تشرين/ أكتوبر 2019، التي أوقعت آلاف القتلى والجرحى ؟..السؤال المطروح هو “ الحكومة ستحاسب من” ؟.

وأوضحت:بعد عام من الوعود ولجان التحقيق الخاصة باحتجاجات تشرين، بسبب العنف الذي رافق التظاهرات، فجأة اكتشف العراقيون أنه لا توجد أسماء للفاعلين! كما تتداول أخبار عن إطلاق سراح قادة عسكريين متورطين بتلك الجرائم.

وقال القضاء العراق إنه لا يملك أسماء لمتهمين في تلك الأحداث، بينما كانت الحكومة السابقة كشفت عن عشرات الأسماء المتورطة في العنف ضد المحتجين.

وقال ناشط مدني من بغداد “لم تصدر أي قرارات من القضاء أو أية جهة رسمية بالحكم على مسؤول أو قائد عسكري منذ اندلاع التظاهرات قبل أكثر من عام».

كيف حدث ذلك؟

يقول ناشطون وسياسيون إن هناك مؤامرة كبيرة وتدخلاً أحزاب سياسية تتستّر على قتلة المتظاهرين[9].

= يتبع =

الهوامش:

1-” تقريرAmnesti.org: حالة حقوق الإنسان في العالم لعام 2021/ 2022.

2-Euro – Med Human Rights Monitor, 27 Okt.2022 .

3-”القدس العربي”،5/10/2019..

4-”العربية. نت”، 23/10/ 2019.

5- « Independent) عربية”،10/10/2021

6-Human Rights Watch, 29 Nov, 2022

7- Euro- Med Human Rights Monitor, 27 Okt. 2022

8- “العربي الجديد”،17/2/2023.

9- “ Independent عربية”،10/10/2021).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

في طبيعة المجتمع المدني في الدولة الديمقراطية ومهامه

العمودالثامن: أين اختفوا؟

 علي حسين ظل السادة خضير الخزاعي وأسامة النجيفي وصالح المطلك وإبراهيم الجعفري وفؤاد معصوم وعباس البياتي وعتاب الدوري وحسن السنيد وغيرهم يهلّون علينا كلَّ يوم قبل الغداء وبعد العشاء من خلال الصحف والفضائيات،...
علي حسين

كلاكيت: البحر الأحمر في فينيسيا

 علاء المفرجي بعد مشاركتها في الدورة السابعة والسبعين من مهرجان كان السينمائي لعام 2024م، من خلال أربعة أفلام سينمائية وعدد من المبادرات والفعاليات. وتتضمّنت قائمة الأفلام التي حصلت على دعم المؤسسة: "نورة" للمخرج...
علاء المفرجي

تدهور الرعاية الصحية الراهن لا تُعالجُه الوعود المعسولة!

د. كاظم المقدادي أنتجت المنظومة السلطوية القائمة على المحاصصة الطائفية والإثنية، وتقاسم النفوذ والمليارات، والمناصب والإمتيازات، ظواهر بغيضة، كالتسلط والهيمنة على مقدرات البلد، بدأتها بإفراغ الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى من الموظفين الكفوئين إدارياً وذوي...
د. كاظم المقدادي

عن المرجعية الدينية

حيدر نزار السيد سلمان كتب ويكتب الكثيرون عن خليفة المرجع الديني اية الله العظمى السيد علي السيستاني بالإضافة إلى جهود بعض مراكز البحوث المهتمة بالشأن العراقي، وهذا دلالة على أهمية المرجعية الدينية من النواحي...
حيدر نزار السيد سلمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram