TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > النموذج الصيني..هل سيتأثر بالأزمات السياسية والإقتصادية ؟!

النموذج الصيني..هل سيتأثر بالأزمات السياسية والإقتصادية ؟!

نشر في: 25 فبراير, 2023: 11:08 م

إيف مونتيناي

ترجمة:عدوية الهلالي

يبدو إن الصين في عهد شي جين بينغ واثقة من قدرتها المطلقة وصعودها إلى مرتبة القوة الرائدة في العالم. لكن هناك العديد من العوامل التي تشكك في نجاح هذا النموذج الصيني.وهذه العوامل متعددة وتؤثر على كل جانب من جوانب المجتمع الصيني سياسيا واجتماعيا وديموغرافيا وجيوسياسيا واقتصاديا.

وينسى المعلقون على الوضع الصيني تلك الحقيقة الرئيسية حول اللحاق بالركب التي أظهرتها لنا بعض الدول فأي بلد يمكن أن يلحق بسرعة كبيرة بمستواه الطبيعي بعد محنة كبيرة دمرته. بالنسبة لألمانيا في عام 1945، كانت تلك المحنة هي النازية والحرب العالمية الثانية، وبالنسبة لليابان في نهاية القرن التاسع عشر، كانت العصر الإقطاعي والعزلة العلمانية، أما بالنسبة لكوريا الجنوبية، فقد كانت الهدم شبه الكامل للبلاد في حرب أوائل الخمسينيات. وبالنسبة للصين، التي كانت قوة عظمى، كانت هناك فوضى من نهاية القرن التاسع عشر وحتى عام 1949.

لقد نسينا اليوم كيف انهارت الصين لا سيما مع المجاعات الهائلة. وعلى الرغم من أن هذه المجاعات كانت أكثر خطورة بكثير من المجاعات الهندية، إلا أنها لم يتم الإعلان عنها بشكل كبير.باختصار، استعادت الصين النظام العام بعد ماو، وهو نظام ديكتاتوري كما يتضح من مذبحة تيانانمن، ولكن مع ذلك،سمحت نهاية الفوضى للجهات الفاعلة الاقتصادية، ثم الشركات والمزارع العامة، بالعمل.فقد سمح الرئيس الجديد دنغ شياو بينغ للقطاع الخاص بالعمل والانفتاح على الدول الأجنبية.وهرع المستثمرون الى جلب المال والتقنيات وأساليب العمل.

وقد أدى الاختلاف في التنمية مع الغرب إلى دفع الصين إلى الأعلى، لكن قوة الاستعادة هذه تضعف ميكانيكيًا عندما يقترب المرء من مستوى التنمية الغربية، بسبب ارتفاع الأجور وميزانيات البحث والتطوير، في حين أنهم استفادوا من الحرية.

وتؤدي الأيديولوجيا والقومية التي انتهجها الرئيس دنغ شياو بينغ إلى الأسوأ، وهنالك بعض الأمثلة الحديثة ومنها رفض اللقاحات الأوروبية لصالح استخدام لقاحات وطنية أقل فاعلية، وهو أحد أسباب تجاوزات سياسة عدم انتشار الفيروس التي أدت إلى شل النشاط الاقتصادي. ومن هنا الانفتاح المفاجئ لتلافي الانهيار الاقتصادي وتصاعد التلوث الذي أعقب ذلك.وكذلك ازدراء العلاقات الدولية بالاعتداءات اللفظية العنيفة والمعلومات الكاذبة.وتشديد الرقابة الحزبية ورفض الشباب التضحية بأنفسهم من أجل القضية

ويعتبر الشباب أنفسهم الضحايا الرئيسيين لاستراتيجية القضاء على الفيروس والتي ستستمر ثلاث سنوات. في شنغهاي والمدن الصينية الأخرى، وقد ادى ذلك إلى سخط الشباب ضد سياسة كوفيد وأحيانًا ضد النظام.وأثار حرج عرض التلفزيون الوطني للجمهور الدولي بدون أقنعة لكأس العالم لكرة القدم في قطر غضبًا في الصين.

وفجأة،رفع النظام القيود.وكما هو متوقع، أدى ذلك إلى ارتفاع حاد في الإصابات والوفيات. وتظل الأرقام الرسمية أقل بكثير مما يمكن أن نشك فيه بالنظر إلى الاختناقات في المخازن المبردة حيث يتم تخزين الجثث وفي مراكز حرق الجثث.وتشير التقديرات الغربية إلى وفاة مليون إلى مليوني حالة وفاة إضافية، خاصةً بين كبار السن، بسبب قلة فعالية اللقاحات الصينية وتفضيلهم للطب التقليدي. ويقدر الغربيون أن عمليات الإغلاق قد أضعفت المناعة الطبيعية وأن الطلب على العناية المركزة يمكن أن يكون ضعف السعة الحالية.

ويبلغ عدد سكان الصين اليوم 1.4 مليار نسمة، ولكن مع تغير الهرم العمري.ففي البداية، استفادت البلاد من "العائد الديموغرافي "مع القليل من المعالين وقلة من الأطفال، بسبب سياسة الطفل الواحد، وقليل من كبار السن.أما حاليا، فالبلد في وضع متدهور بشكل معتدل حيث يبلغ 70٪ من سكانه سن العمل، مقارنة بـ 60٪ في أوروبا. لكن هذا مؤقت لأنه في عام 2050 سيكون لدى الصين 250 مليون عامل أقل من اليوم. وذلك لمواجهة 24٪ من كبار السن مقابل 7٪ اليوم.

وهناك عامل آخر يثقل كاهل الخصوبة على الرغم من نهاية سياسة الطفل الواحد وهونقص النساء اذ يوجد اليوم 104 رجال مقابل كل 100 امرأة، بسبب عمليات الإجهاض التي استهدفت الفتيات خلال سياسة الطفل الواحد.وتستمر هذه الظاهرة رغم انتهاء هذه السياسة لأن أسرة واحدة من كل أسرتين تخطط لطفل واحد فقط بسبب تكلفة التعليم والسكن

ويبدو أن النظام الصيني اكتشف هذه المشكلة الضخمة في عام 2022 فقط بمناسبة آخر تعداد سكاني، ويحاول الرد بسياسة مؤيدة للإنجاب، دون نتيجة في الوقت الحالي. على أي حال، حتى لو كانت فعالة، فإنها لن تغير هرمها العمري إلا تدريجياً من 2040 إلى 2080!

وبعد افتتاح الصين بنجاح في عهد دنغ شياو بينغ واستمرار خلفائه، أعاد شي إحياء التقليد الماوي لعزل البلاد عن الغرب وتقديم أخلاقه على أنها "منحطة"كما ان هناك عودة إلى الدبلوماسية التقليدية. وبعيدًا عن الوسائل المستخدمة، فإن الهدف الآن هو إنشاء نظام عالمي جديد لم يعد يهيمن عليه الغرب، من خلال السعي للحوار مع البلدان "المحيطية": إفريقيا، أمريكا الجنوبية، شرق أوروبا الشرقية، آسيا الوسطى...

ولاتعاني الشركات الصينية من نفس القيود القانونية لمكافحة الفساد مثل الشركات الغربية، التي تخاطر برفع دعوى قضائية في حكم القانون، وبالتالي فهي أقل "جاذبية" للحكام الفاسدين. أخيرًا، تدهورت صورة الصين في السنوات الأخيرة، خاصة في الغرب، الذي تعتمد عليه الصين رغم ذلك في العديد من المواد والمعدات الأساسية، وكسوق لصادراتها.

وتتفاقم هذه الصعوبات الصينية على المستوى الدولي بسبب القضية التايوانية، التي تعلن بكين أن إعادة التوحيد ستتم بالقوة إذا لزم الأمر. ومع ذلك، فإن أي تدخل عسكري من جانب الصين سيؤدي إلى عواقب غير متوقعة.

وهنالك ايضا مشكلة التلوث إذ يعد تلوث الهواء مشكلة كبيرة فالصناعات الملوثة التي أحاطت ببكين وأخفت الشمس عنها تم إبعادها ولكن لم يتم إغلاقها.وتستهلك الصين كمية من الفحم في اليوم تعادل ما تستهلكه فرنسا في عام واحد، وتمثل 52٪ من استهلاك الفحم العالمي في عام 2020.ويشكل تلوث المياه المسموم بالنفايات الصناعية والمنزلية خطراً مباشراً على السكان ويؤدي إلى تدهور الإنتاج الزراعي.لذا يفضل الصينيون الأثرياء شراء طعامهم في الخارج. ومع ذلك، تواصل الصين تلويث المزيد كل يوم بينما تستمر الدول الغربية في النمو، وبالتأكيد أكثر اعتدالًا من الصين حتى الآن، ولكن مع تقليل انبعاثاتها.

وكما رأينا، يعتمد الاقتصاد الصيني على بقية العالم، الأمر الذي يتطلب علاقات تجارية وسياسية مع العالم الخارجي ويتعارض مع الدبلوماسية العدوانية.ونشهد بالفعل انخفاضًا كبيرًا في الاستثمارات من قبل مجموعات كبيرة معينة مثل Apple أو Google، التي تنقل بعض مراكز إنتاجها إلى بلدان أخرى في جنوب شرق آسيا أو الهند أو المكسيك.وهذا لا يتعلق فقط بالشركات الأمريكية: 23٪ من الشركات الأوروبية تفكر في نقل أنشطتها ومشاريعها الاستثمارية إلى خارج الصين.

وفي كلتا الحالتين، تستاء الشركات من السياسة الداخلية للصين، والتي تهدف إلى السيطرة الكاملة على حياة الأفراد والشركات.وبالنسبة للدول الغربية، لم تعد هذه مجرد مشكلة جانبية تتعلق بحقوق الإنسان، ولكنها تمثل تهديدًا حقيقيًا لشريان حياتها، أي الأعمال التجارية.فالصين بلد مثقل بالديون، بالنظر إلى ديونه غير المرئية.ويبلغ إجمالي الديون الصينية المعروفة، الداخلية والخارجية، 40 ألف مليار دولار، أو 15٪ من ديون العالم.وستكون الولايات المتحدة وحدها أكثر مديونية، لكن هذا ليس مصدر قلق بالنسبة لها طالما أن الدولار لا يواجه تحديًا.

ويعتقد المتفائلون أن كل هذا سيجبر النظام على التحرك في الاتجاه الصحيح، بينما يعتقد المتشائمون أن المراقبة والقمع سيبقيان النظام في مكانه.لذا،سيشهد العقد القادم تأثر كبرياء الصين بشدة. فالتداعيات السياسية لا يمكن التنبؤ بها ويمكن أن تصل إلى اندلاع الحرب لإخفاء المشاكل !

· خبير في الشؤون الاقتصادية والجيوسياسية

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

في طبيعة المجتمع المدني في الدولة الديمقراطية ومهامه

العمودالثامن: أين اختفوا؟

 علي حسين ظل السادة خضير الخزاعي وأسامة النجيفي وصالح المطلك وإبراهيم الجعفري وفؤاد معصوم وعباس البياتي وعتاب الدوري وحسن السنيد وغيرهم يهلّون علينا كلَّ يوم قبل الغداء وبعد العشاء من خلال الصحف والفضائيات،...
علي حسين

كلاكيت: البحر الأحمر في فينيسيا

 علاء المفرجي بعد مشاركتها في الدورة السابعة والسبعين من مهرجان كان السينمائي لعام 2024م، من خلال أربعة أفلام سينمائية وعدد من المبادرات والفعاليات. وتتضمّنت قائمة الأفلام التي حصلت على دعم المؤسسة: "نورة" للمخرج...
علاء المفرجي

تدهور الرعاية الصحية الراهن لا تُعالجُه الوعود المعسولة!

د. كاظم المقدادي أنتجت المنظومة السلطوية القائمة على المحاصصة الطائفية والإثنية، وتقاسم النفوذ والمليارات، والمناصب والإمتيازات، ظواهر بغيضة، كالتسلط والهيمنة على مقدرات البلد، بدأتها بإفراغ الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى من الموظفين الكفوئين إدارياً وذوي...
د. كاظم المقدادي

عن المرجعية الدينية

حيدر نزار السيد سلمان كتب ويكتب الكثيرون عن خليفة المرجع الديني اية الله العظمى السيد علي السيستاني بالإضافة إلى جهود بعض مراكز البحوث المهتمة بالشأن العراقي، وهذا دلالة على أهمية المرجعية الدينية من النواحي...
حيدر نزار السيد سلمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram