TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > خطورة وحيوية الصناعة النفطية.. مصفى كربلاء نذيراً

خطورة وحيوية الصناعة النفطية.. مصفى كربلاء نذيراً

نشر في: 4 مارس, 2023: 10:01 م

ثامر الهيمص

لا استقرار سياسي او حتى استقلال بركنه الاقتصادي بدون صناعة ’ ولا صناعة بدون الميسور في الداخل من مواد اولية بما فيها رأاس المال البشري , والحمد لله كل هذا موجود ’ حيث اضطرت بلدان حالية بالمراهنة على راس المال البشري اولا, نظرا لغياب او شحة الموارد .

فالصناعة النفطية قاطرة للصناعة الوطنية عموما بموادها الخام الاساسية وغير الاساسية لتقتدي بها الصناعة الوطنية عموما , بحيث لا تصبح الاخيرة مجرد عمليات بسيطة لخام مستورد وعملية تغليف وتعبئة اي صناعة كمبرادورية مصيرها مرتبط بالام الاجنبية وسلاسل التوريد . فتدشين السيد رئيس الوزراء ليوم 22/شباط الجاري بالتوقيع على جولة التراخيص الخامسة يأتي في هذا السياق اي عملية الاكتفاء ثم الدخول لسوق الغاز الواعد , نأمل ان يكون سياقا مؤسساتيا لصناعة وتصنيع النفط الخام , لنضع حدا لهشاشة اقتصادنا الوطني الذي يترنح مع رياح الخارج والداخل ، حيث الاخيرة مجرد رد فعل سالب تستثمر في ريعية النفط الخام التاريخية , ويشكل التدشين الاخير حسب المعلومات باختلاف في نوعية المتعاقدين والمتعاقد عليه اي الغاز , لما يعكسه من نفس عراقي .

فنحن لدينا صناعة نفطية منذ ثلاثينات القرن العشرين واخيرا لدينا مشروع غاز الجنوب منذ 2009 , نموذجا , المحصلة الاخيرة لهذا التراث هو اننا لا زلنا نستورد مشتقات نفطية وغاز ؟؟ .

السبب الاساس تاريخيا , كون اقتصاديات صناعة النفط العالمية تضع اهداف الشركات في الربح المطلق في صراع مباشر مع التنمية الاقتصادية واهداف الاستقلال السياسي للبلدان المتخلفة . فكل دولار من الارباح تجنيه الشركات يعني دولار تخسره البلد من استثمارات التنمية الاقتصادية , وهناك صراع خفي , ولكنه حقيقي , مستمر حول جهود البلدان المصدرة للنفط الهادفة نحو الحصول على معرفة ومشاركة متزايديتين في صناعة النفط العالمية . (مشيل تانزر /الاقتصاد السياسي للبترول العالمي والبلدان المتخلفة /ص209/1974 )

اما السبب المواكب فهو عدم الاستقرار السياسي اولا وما يليه ويترتب عليه , وهذا يأتي شاهدا عليه ساطعا براقا هو تأخر صدور قانون النفط والغاز , اذ ننا نراوح ونجتهد ونحاول (عارفين بخطورة الامر) ولكن , بات لدينا 12 عاما نعيد ونصقل في المسودة منذ عام 2011 .

عموما هذا شأن الدولة غير المستقرة منذ نصف قرن او اكثر باقتصاد ريعي مزمن مهيمن . فأن الدولة النفطية تجنح في تطورها جنوحا يشوه مؤسساتها , ويضعف قدرة هذه المؤسسات . وان التساوم الاولي بين شركات النفط الحالية على ضمان مصادر جديدة من النفط الخام , وبين الحكام المحليين التواقين الى ترسيخ القواعد المؤبدة لهم يخلف وراءه – مهما كانت الفوائد المتبادلة بين الطرفين – ارثا مريرا من المركزة الشديدة للسلطة السياسية , وشبكات التواطئ بين موظفي القطاع العام واصحاب القطاع الخاص , واختلال التنمية باعتمادها الاحادي على المعادن , واعتماد التنمية على دعم الاسعار المصطنع بفضل ريوع النفط , والغاء الايرادات الحكومية المستمدة من الضرائب وغيرها من الموارد المحلية ’ وبحلول الدولارات النفطية محلها . الواقع ان هذه التحولات وسواها تغير اطارات (سياقات) صنع القرار على نحو يحفز ويرسخ التحولات السلبية الاولية المذكورة اعلاه , بحيث تتولد عن ذلك حلقة مفرغة من نتائج التنمية السلبية . ( تيري لين كارل /مخاطر الدولة النفطية / ص11/ 2007).

هناك ذرائع تحاول احباط محاولات التصنيع في النفط والغاز , هدفها تأبيد استيراد الخام طبعا ’ ولمواصلة التجارة النفطية مع تصنيع النفط الخام لمضاعفة الارباح من هذه التجارة التاريخية لتصبح خارج سياقات العرض والطلب , وهذه الحجج ان النفط ستنحدر هيمنته اعتبارا من ثلاثينات القرن الحالي , لضمان ربح متزايد , كما انه يفت في عضد المشاريع الستراتيجية في البلدن الريعية النفطية ’ في حين لا زال الفحم الحجري شغال كما لمسناه في ازمة الحرب الاوكرانية اضافة الى انه لحد الان يشكل عبئا بيئيا ما نسمع في المؤتمرات الخاصة بالتغير المناخي , وهم يراهنون على نفط بحر الشمال .

مع هذا فأن مافي هذا الاقليم من بترول لا يساوي الا بالكاد نصف ما يحتويه اكبر حقل بترول اكتشف في العربية السعودية . (فؤاد قاسم الامير / الطاقة :التحدي الاكبر لهذا القرن / ص372 / 2005) . كل هذا للحيلولة دون اقامة صناعات نفطية او غازية ’ حيث يستخرج ايضا من الغاز غاز الطبخ والتدفئة . ناهيك عن البتروكيمياويات وباقي المشتقات والدهون والاسفلت . ليس من المقبول والمعقول واننا نقترب من مئوية تأسيس اول مصفى عام 1932 و1927 على اكتشاف نفط بابا كركر في كركوك .

مالعمل اذن ؟ بما ان عدم الاستقرار لا يلوح في الافق القريب ’ فيقترن به عادة الجبان من راس المال الوطني الاهلي وهكذا راس المال الاقليمي والدولي المختصين في الصناعة النفطية وايضا في الافق القريب ’( والوقت سيف ان لم تقطعه قطعك ) سيما في الحيص بيص دوليا واقليميا الضبابي وايضا في الوقت القريب . لم يبق لدينا الا خيار واحد احد مصيريا في كسر ريعية النفط الاحادية المترسخة في اسوء نتائجها الان ,.

فالمسألة ليست مسألة امنية فحسب, وهي امر يجابها القطاع الاجنبي والخاص والقطاع العام , ولكن الخوف من عدم الاستقرار السياسي, وهذا يهم المستثمر الاجنبي, والقطاع الخاص العراقي الذي يريد الربح السريع ونقل ارباحه الى خارج العراق حال تحققها ولا يعمل على اعادة استثمارها داخل العراق والاثنين يتخوفان لما قد يحدث للرأس المال الذي استثمراه في العراق , ولكن هذا الامر لا يهم القطاع العام كثيرا , اذ سيكون العمل في العراق , وباموال عراقية ولاغراض عراقية لا تتأثر كثيرا. بالظرف السياسي , وان التبدلات السياسية قد تؤخر العمل ولكن لن تنهيه . (فؤاد قاسم الأمير/ الاتفاقية الاولية , بين وزارة النفط وشركة شل لمشروع غاز الجنوب اراء وملاحظات /ص 132/ 2009).

من كل هذه المسيرة للصناعة النفطية واهميتها المصيرية بحيث يصعب مطلقا الفكاك من ريعية النفط بدونها , اذ عجزت الصناعة الوطنية في العقود الاخيرة من ان تكون ركنا متكاملا مع صناعة النفط اذ كما اسلفنا عن اهداف شركات النفط الخام التي اخذته ( كرسته و عمل ) كما يحصل الان في جولات التراخيص نظرا لتغييب شركة النفط الوطنية وقانون النفط والغاز , كون البوصلة الوطنية لا زالت بين الشد والجذب . ولا امل في القانون الخاص بالنفط والغاز وشركة النفط الوطنية بدون البوصلة الوطنية التي تحدد اهدافنا عليا لنسدد باتجاهها مباشرة , والادارة باهدافها . فلتكن الصناعة النفطية قاطرة وقائدا للصناعة الوطنية ومحركا لما تقدمه نتيجة تفاعلها كمنتج مادته الخام عراقية لتصبح عمودا لا تحركه طوارق الحدثان الدولي والاقليمي , وهذا ينبغي له اولا ان يتسلح بالشرائح الاجتماعية الوطنية من الفقراء والطبقة الوسطى بخبراتها واموالها كبرجوازية وطنية وليست باذرع خارجية وادوات للضد النوعي .

وهذا يثبته لنا مسيرة مصفى كربلاءالمقدسة , لتبدأ من جرف الصخر ولاسباب امنية وغيرها تحول الى مكانه الحالي , اذ سيصبح انجاز العمل عامي 2015 – 2016 المفروض اولا وبسبب داعش تأخر’ ليتم عقد انشاء جديد في 1/2/2014 وينجز في 2018 , لتترتب خسارة عن هذا التاخير لحد تاريخه اثنا عشر مليار و732 مليون دولار , وقدم تم افتتاح المصفى المذكور من قبل ثلاثة رؤساء وزراء سابقين ’ والتشغيل التجريبي يكتنفه الغموض كما يبدو اذ وحسب ملحق خاص بقطاع النفط عن المكتب الاعلامي لوزارة الاحد 26/1/2020 . ص9/ مانصه ( ارتفاع نسبة الانجاز في مشروع مصفى كربلاء النفطي الى (80‌% ) من المؤمل بدء التشغيل التجريبي (2021-2022) .لا ندري هل التشغيل التجريبي يحتاج فترة اطول لكي يضخ بركاته ؟

كما ان المصفى مصمم على نفط البصره وطول المسافة ليس اقتصادبا اذ تكتنفه مثلا تأكل او تقادم الانبوب او مشاكل فنية وبيروقراطية في المضخات ’ في حين هناك حقول اقرب , اضافة الى ان السماوة مثلا هي رقم واحد في جدول الفقر والبطالة والاقرب للحقول لم ينالها مثل هذه البركات المحسودة التي هي ربما كانت سببا في التأخير الذي تعددت اسبابه وافضلياته غير الاقتصادية ’ بحيث تتعطل مثلا لوجستيات التسويق لمنتجات المصفى ومدينته الصناعية المؤمل وفق ظرف اعتيادي بعد ثلاث سنوات يدر ضرعها ,

تبدو الامور , ومن خلال مسيرة مصفانا غير مشجعة فهو ايضا تتنازعه ذات اعتبارات مشابهة لتأخر القانون الخاص بالنفط والغاز ودور حقيقي لشركة النفط الوطنية , ولكن هنا عمليا , تبدأ من دراما الموازنة بتشغيليتها العملاقة واستثماريتها الخجولة الصغيرة , وصولا ما يكتنفها من مطبات البيروقراطية بين وزارة النفط والمحافظة المستفيدة , وما يترتب علها . سيما ونحن نخوض اخطر مرحلة سياسيه دولية اقليمية مصيريه ,اول ركائزها واسلحتها الاعتماد على النفس بسباق محموم مع الاحداث . فلنبدأ جديا من البيت الوطني اولا واخيرا . تحت يافطة العراق اولا , والوقت كالسيف ان تقطعه يقطعك .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

في طبيعة المجتمع المدني في الدولة الديمقراطية ومهامه

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

 علي حسين إذن، وبوضوحٍ شديدٍ، ومن غير لفٍّ أو دوران، لا تنتظروا إصلاحات ديمقراطية ولا حلاً للأزمات السياسية التي ما أن تنتهي واحدة حتى تحاصرنا واحدة جديدة ، ولا تطمئنوا لأن الإعلام يزعج...
علي حسين

قناطر: السَّرّاجي: القرية والنهر والجسر

طالب عبد العزيز " ثمة قليل من الاغريق في سان بطرسبورغ "جوزيف برودسكيكثيراً ما أسأل نفسي: أيمكن أنْ يكون الشاعر مؤرخاً، أو كاتباً لسيرة مدينته؟ فأجيبُ: أنْ نعمْ. ولعلي الى الثانية أقربَ، فأنا ممسوس...
طالب عبد العزيز

في طبيعة المجتمع المدني في الدولة الديمقراطية ومهامه

د. فالح الحمـراني تطرح قضية تفعيل المجتمع المدني في العراق اليوم نفسها بصورة حادة، لا سيما على خلفية تقصير المؤسسات المنتخبة وأجهزة الدولة في أداء دورها المطلوب حتى في إطار القوانين المتعارف عليها في...
د. فالح الحمراني

الاقتصاد الهندي من التخلف إلى القوة الاقتصادية

موهيت أناند ترجمة: عدوية الهلالي منذ أن بدأت الإصلاحات الاقتصادية في عام 1991، عندما تخلت عن نموذجها الاقتصادي الحمائي والاشتراكي، أصبحت الهند ثالث أكبر اقتصاد (بعد الصين والولايات المتحدة) من حيث الناتج المحلي الإجمالي.،...
موهيت أناند
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram