TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > مدّعو الإبداع والثقافة

مدّعو الإبداع والثقافة

نشر في: 6 مارس, 2023: 11:19 م

عبد الكريم البليخ

صارت الساحة الثقافية تتيح لنا ظهور شخصيات كثيرة لافتة تبحث عن مكان آمن لها في عالم الإبداع والثقافة والاجتماع والفلسفة والعلوم، وغيرها من الثقافات الأخرى، وهذا من حقها الطبيعي. ومن بين هؤلاء مجهولين ممن يدّعون الخبرة والوعي الكامل،

والثقافة التي لا حدود لها بأخذ دورهم في المجتمع وبقوّة، من خلال ما لديهم من إمكانات مادية تيسّر أمورهم وتفتح أمامهم آفاق واسعة، ويخدمهم في ذلك صراخهم غير المحدود وبدون فائدة، وتجاوز حدودهم في استلهام صور الماضي والحاضر والمستقبل، وتجسيد ذلك من خلال انعكاسه على واقع حياة صارت مثار شك وريبة أمام مدّعي الثقافة، ومنهم من صار يغني على ليلاه بترأسه تحرير موقع إلكتروني وصفحات على فيسبوك، وهم في الواقع لا يملكون أي ثقافة، أو أي معلومة تجعل منهم قادرين على شغل هذه المكانة، ولا يملكون أي ثقافة أو معلومة يمكن أن تصل بهم إلى المكانة التي يتسيّدونها ويفاخرون بها أمام أصدقائهم على أنهم صاروا يديرون مواقع لها شأنها في المحيط الذي يعيشون فيه.

أمثال هؤلاء صاروا ـ وللأسف ـ بحاجة إلى قصّ جناحه كي لا يطير ويُحلق بعيداً، وأمثال هؤلاء يدرك الكثيرون أنَّ مشوارهم في عالم الميديا، والصحافة الإلكترونية والورقية قصير جداً، ولا يمكن أن يتجاوز حدوده أرنبة انفه، لأنه في الواقع يظل محدود الأفق ولا يمكن له أن يصل ويحقق رغبته بالوصول بالمعلومة إلى أذهان الناس، لأنه هو بالأصل غير قادر على كتابة جملة مفيدة يمكن أن تسعفه، وتستأنس حضوره وإطلالته، وغير مقنع في هيكله، لا سيما أنه ـ وكما نوهنا ـ غير قادر على إعداد جملة مفيدة!.

أخطاء ترتكب بالجملة، إملائية ونحوية، وتركيبات غير واضحة، ويحاولون تحقيق رغباتهم بإقناع الناس ومعارفهم الذين يتابعون ما ينشر، ناسين أن ما يخلّفون من صور في كتاباتهم لا ترقى إلى المستوى المعهود. فيها الكثير من الأخطاء التي لا يمكن لها أن ترتكب من قبل طالب ما زال في بداية مشواره الدراسي.

أمثال هذه النخبة ـ للأسف ـ تتواجد وبكثرة، وظاهرة للمجتمع.. والأنكى أنَّ المثقفين أنفسهم يعلمون ما يفعلونه ويدركون إمكانيات هؤلاء وقدراتهم، ويعرفون ما يرمون إليه، وبالرغم من ذلك يقرأون لهم ويطبّلون ويزمّرون وما هم سوى مطبّلين ينفخون في قربة مقطوعة بإنتاجهم المقيت المكرّر والساذج!.

إنّ أمثال هؤلاء صاروا يفعلون أفعالهم باستصدارهما صحفاً ورقية، وصار لهم أسمهم ووزنهم ويأخذون مكانتهم وبكل رحابة صدر. يظنون أنفسهم أنهم أصبحوا رؤساء تحرير، ولهم موقعهم ومكانتهم وصولاتهم وجولاتهم في عالم الصحافة. عالم راقي لا يمكن لأي أحد تجاوزه إلّا بشرف وصدق وحب، وهذا لا شك لا يمكن أن يكون بلمسة سحرية ولكن يلزمه المعرفة، الرغبة والهواية والمتابعة واللغة الصحافية.

وأمثال هؤلاء يصرخون وبصوتٍ عال على الساحة الإعلامية، ولكن بدون فائدة، وينشرون ما يرغبون به وبالتأكيد كل ذلك بمساعدة آخرين لهم رؤيتهم في الصحافة، ويدفعون مقابل ما يكتبون لهم على أن ينشر نشاطهم بأسماء هؤلاء الأميين الذين وصل بعضهم إلى القمّة، ومنهم من استغل مكانة والده، أو أحد أقاربه ولا يعرف "فكّ الخط" تماماً.

وفي هذا ماذا يمكن أن نقول عن أمثال هؤلاء الذين أساءوا لصاحبة الجلالة التي يظل لها مكانتها واحترامها وقدسيتها ورؤيتها حيال ما يحدث اليوم على الساحة العامة من احترام ومجريات وألوان مزركشة في أغلبها، وتستدعي من الجماهير العارفة بما يجري حولها من وضع النقاط فوق الحروف بفرملة نشاط أمثال هؤلاء، وإيقاف دورهم وردعهم إن تطلب الأمر عن إكمال هذا الطريق الذي يضحكون به على عباد الله.

دور الصحافي، وكما يعرفه الكثيرون، كبير ومهم في الحياة، ويؤسس لقاعدة عامة، وأهمها الصدق مع النفس ومع الناس الذين يتابعون ما يحدث، ويقرأون ما بين أيديهم من منشورات في عالم الصحافة الورقية، والميديا وعالمها الفسيح الصارخ. وهذا الدور قد يصل إلى دور المقاتل الذي يقبع خلف الكواليس، الذي يقدمه قلمه ونشاطه وأفكاره للقارئ بحسن نية، متبرّماً بالصدق كمبدأ بالدرجة الأولى لأنه هو الأساس. فالصدق مقياس النجاح وتحقيق الأمل والاحترام بين الناس، وتخفيف الكثير من العيوب التي تصادفنا وتقف حجر عثرة في طريقنا، لا أن نخلق من أنفسنا أوهاماً وعبر لا حلول لها، وتصبّ في مؤسيات تثبّط من عزيمة القارئ المعني بكل ما يجري.

ماذا يمكن أن نقول عن أمثال هذه النوع من المثقفين الجدد الذين يتسابقون نحو أفق ثقافية جديدة؟.. يحاولون رسمها باسلوبهم الخاص، ويجاهدون الركض برغم انسداد الموقف الذي يبحثون عنه، لأنه يظل باهتاً لا يمكن بحال أن يقتحم أفكار ورؤية أهل الثقافة المتنوّرين الذين يُجسّدون رؤيتها كما هي بعيداً عن هؤلاء الذين يقفون موقف المتفرج ويخادعون الناس والضحك عليهم، وهذا منه كثير!.

إنَّ أمثال هؤلاء المدّعين لأوجه الثقافة والإبداع تظل نظرتهم قصيرة إلى الأمور، ونهاياتهم محدودة، وسيأتي اليوم الذي سيدرك فيه الناس حقيقتهم، ومنهم من توقف أصلاً عن المتابعة والجري في هذا المشوار الذي من الصعب جداً الاستمرار فيه، لأنه يتطلب المعرفة أولاً ولا يحتاج إلى وساطة، أو معرفة لأن يأخذ مكانته وينجح فيه.. فكثير من المبدعين والمغالين في هذا الإطار انكشفت أوراقهم وتبخروا مع أول امتحان حقيقي لهم. المستقبل كفيل بالتالي بالكشف عن كثير من أمثال هذه النخبة التي أصبحت تسير الهوينى، ولا يمكن لها أن تظل تعيش في المجهول، ولذا نرى أن هناك أسماء ظهرت إلى الساحة الأدبية والثقافية والصحافية سرعان ما اختفت؟ أين هي الآن؟ ولماذا لم تستمر في هذا الميدان؟. أظن أن ذلك يعني فشلها وعدم قدرتها على المتابعة، لأنها غير كفوءة بشغل هذه المكانة والإبداع فيها؟!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

في طبيعة المجتمع المدني في الدولة الديمقراطية ومهامه

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

 علي حسين إذن، وبوضوحٍ شديدٍ، ومن غير لفٍّ أو دوران، لا تنتظروا إصلاحات ديمقراطية ولا حلاً للأزمات السياسية التي ما أن تنتهي واحدة حتى تحاصرنا واحدة جديدة ، ولا تطمئنوا لأن الإعلام يزعج...
علي حسين

قناطر: السَّرّاجي: القرية والنهر والجسر

طالب عبد العزيز " ثمة قليل من الاغريق في سان بطرسبورغ "جوزيف برودسكيكثيراً ما أسأل نفسي: أيمكن أنْ يكون الشاعر مؤرخاً، أو كاتباً لسيرة مدينته؟ فأجيبُ: أنْ نعمْ. ولعلي الى الثانية أقربَ، فأنا ممسوس...
طالب عبد العزيز

في طبيعة المجتمع المدني في الدولة الديمقراطية ومهامه

د. فالح الحمـراني تطرح قضية تفعيل المجتمع المدني في العراق اليوم نفسها بصورة حادة، لا سيما على خلفية تقصير المؤسسات المنتخبة وأجهزة الدولة في أداء دورها المطلوب حتى في إطار القوانين المتعارف عليها في...
د. فالح الحمراني

الاقتصاد الهندي من التخلف إلى القوة الاقتصادية

موهيت أناند ترجمة: عدوية الهلالي منذ أن بدأت الإصلاحات الاقتصادية في عام 1991، عندما تخلت عن نموذجها الاقتصادي الحمائي والاشتراكي، أصبحت الهند ثالث أكبر اقتصاد (بعد الصين والولايات المتحدة) من حيث الناتج المحلي الإجمالي.،...
موهيت أناند
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram