اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > الحياة الخالدة لهنرييتا لاكس

الحياة الخالدة لهنرييتا لاكس

نشر في: 11 مارس, 2023: 10:37 م

رنيم العامري

إن حاولت البحث في محرك غوغل عن اسم  Henrietta Lacks)) فإن أول ما سيظهر أمامك هو موضوع منشور على موقع (hopkinsmedicine.org) بعنوان The Legacy of Henrietta Lacks)).

بدءاً، ولمن لا يعرف، فمستشفى جون هوبكنز هو أحد المؤسسات الطبية الأمريكية العريقة، وجون هوبكنز «ولد في مزرعة تبغ في ولاية ماريلاند حيث حرّر والدُه عبيدَه في وقت لاحق قبل ما يقرب من ستين عاماً من التحرير. جنى هوبكنز الملايين من العمل مصرفياً وبقالاً، وباعَ نوعاً خاصاً به من الويسكي، لكنه لم يتزوج قط، ولم يكن لديه أطفال. لذلك، في عام 1873، قبل وقت قصير من وفاته، تبرع بـ 7 ملايين دولار لإنشاء كلية طبية ومستشفى خيري».

ربما يعرف البعض شيئاً عن جون هوبكنز، ولكن حتماً ما من أحد يعرف من هي هنرييتا لاكس التي نحن بصدد الحديث عنها. يذكر المقال على الموقع الذي ذكرناه، وبشكلٍ مختصر، أن السيدة هنرييتا لاكس هي أمٌ لخمسة أطفال، راجعت المشفى في عام 1951 وهي بعمر 31 عاماً بسبب من معاناتها من نزيف مهبلي. وقد من معاناتهاحرك غوغل، تبيّن بعد الفحص أنها مصابة بورم خبيث في عنق الرحم. بعد أخذ عيّنات من خلاياها السرطانية -ينصّ المقال أن هذا إجراء معتاد مع جميع المرضى بغض النظر عن أعراقهم- لوحظ أنها كانت مختلفة عن الخلايا المأخوذة من المرضى الآخرين. فقد كانت كل خلايا العيّنات تموت بسرعة بينما ظلت خلايا السيدة لاكس حيّة وتتضاعف. وهي الخلايا الأولى التي يمكن زراعتها في المختبر. اليوم تُستخدم هذه الخلايا المذهلة الملقبة بخلايا «هيلا» لدراسة تأثير السموم والأدوية والهرمونات والفيروسات، وقد لعبت دوراً حاسماً في تطوير لقاح شلل الأطفال في السابق، والكوفيد لاحقاً. كما يشير المقال إلى أن المشفى لم يبع ويستفد مادياً من اكتشاف خلايا هيلا. وأن جمع عيّنات الخلايا كان إجراء مقبولاً وقانونياً في الخمسينيات من القرن الماضي، وهو إجراء لن يتمّ اليوم من دون موافقة المريض. كما أن المؤسسة البحثية تشارك في الجهود المبذولة لزيادة الوعي بحياة وقصة هنرييتا لاكس.

 

الجحود بأوضح صوره:

تتحدث ريبيكا سكلوت عن السبب الذي دفعها لكتابة عملها «الحياة الخالدة لهنرييتا لاكس» الذي صدر بترجمة عربية عن (منشورات تكوين) الكويتية على يد المترجمة (د. إيمان معروف) التي تستحق الثناء بحقّ على عملها المتقن. تقول ريبيكا إن ثمة صورة تعود لأواخر الأربعينيات لامرأة ذات بشرة بُنّية فاتحة وناعمة، وعينين مرحتين، وشعر مصفف بعناية، وشفتين مصبوغتين بلونٍ أحمر قانٍ، تضع يديها على وركيها.

 

هذه المرأة غافلة عن الورم الذي كان ينمو داخلها والذي من شأنه أن ييتم أطفالها ويغيّر مستقبل الطب. يعرف الناس صاحبة الصورة باسم هيلين لين، أو هيلا، وهو الاسم الذي أُطلق على الخلايا الخالدة التي استؤصلت من رحمها. تقول ريبيكا إن مدرّس الأحياء في مدرستها تحدّث بشكل مقتضب عن السيدة في الصورة. قال إن هنرييتا توفيت سنة 1951 بسبب سرطان عنق الرحم، ولكن قبل وفاتها أخذ جراح عينات من ورمها وزرعها في المختبر. قبل ذلك التاريخ كان العلماء يحاولون عبثاً إبقاء الخلايا البشرية حيّة في المختبرات، وكانت كلّها تموت في النهاية. لكن خلايا هنرييتا كانت مختلفة، فقد ظلّت حيّة وتستنسخ جيلاً جديداً من نفسها كل 24 ساعة، ولم تتوقف قط. كانت خلاياها أولى خلايا بشرية تنمو في المختبر. عندما سألت ريبيكا أستاذها عن حياة هنرييتا، أجابها لا أحد يعرف عنها شيئاً. تقول ريبيكا إنها بعدما تخرجت من الجامعة بشهادة في علم الأحياء، صار لديها تصميم على فكرة سرد قصة هنرييتا يوماً ما.

بعد بحثٍ مضنٍ التقت ريبيكا أخيراً بابنة هنرييتا، ديبورا، وعندها عرفت حجم المأساة الحقيقة، الجحود عمّا قوبلت به هنرييتا وعائلتها طوال خمسين عاماً. تقول ديبورا: «لطالما اعتقدت أنه من الغريب، إذا كانت خلايا أمّنا تفعل الكثير من أجل الدواء، فكيف لا تستطيع عائلتها تحمّل كلفة زيارة الطبيب حتى؟ هذا غير منطقي. أصبح الناس أغنياء بفضل والدتي دون أن نعرف حتى أنهم أخذوا خلاياها، في حين أننا لم نحصل على سنتٍ واحدٍ. اعتدت أن أغضب من ذلك حتى بلغ الأمر بي حدّ المرض واضطررت إلى تناول الأدوية. ولكن لم تعُد لي قدرة على القتال. لا أريد سوى أن أعرف من كانت أمي».

لذا عندما طرحت ريبيكا على ديبورا فكرتها حول كتابة كتاب حول هنرييتا، هلّلت ديبورا من الفرح وقالت إن «كل شيء يتعلق بالخلايا فقط ولا أحد يهتم بشأن اسمها حتى وأن هيلا كانت شخصاً. هللويا! أعتقد أن فكرة نشر كتاب ستكون رائعًة».

عندما أسّس جون هوبكنز المشفى الذي يحمل اسمه، كتب رسالة إلى اثني عشر رجلاً اختارهم للعمل في مجلس أمناء، وضح فيها لهم رغباته في أنّ الغرض من المشفى هو مساعدة الفقراء العاجزين عن الحصول على الرعاية الطبية، وقد كتب في الرسالة: «يستقبل المستشفى مجاناً المرضى المعوزين من هذه المدينة وضواحيها، بغض النظر عن الجنس أو العمر أو اللون». كان جون هوبكنز مهتماً بشكل خاص بالمرضى من السود. كتب في بقية رسالته: «سيكون من واجبكم في ما بعد توفير المباني المناسبة لاستقبال وحماية وتعليم الأطفال الملونين اليتامى. أريد منكم توفير أماكن إقامة لثلاثمئة أو أربعمئة طفل من هذه الفئة؛ وأنتم مخولون أيضاً لاستقبال الأطفال الملونين الذين فقدوا أحد الوالدين فقط في هذا الملجأ، حسب تقديركم، ويمكنكم في حالات استثنائية استقبال الأطفال الملونين الذين ليسوا أيتاماً ولكن ربما يعانون من ظروف تجعلهم بحاجة لمساعدة منكم».

عندما راجعت هنرييتا المشفى تشتكي من نزيف مهبلي وكُتلة تنمو في رحمها، كشفت الفحوصات أنها مُصابة بسرطان عنق الرحم. بعد أن أخذ المشفى عيّنة من ورمها، كُتب على بطاقة التعريف «Hela» وألصقت البطاقة على الأنبوب الذي يحوي على خلايا هنرييتا، وهو اختصار لاسم هنرييتا لاكس، باستخدام الحرفين الأولين من الاسمين الأول والأخير للمريض. لوحظ أن الخلايا كانت تنمو بقوة أسطورية في المختبر، وفي صباح اليوم التالي لأخذ العيّنة، وُجِد أن الخلايا قد تضاعفت، وظلت تتضاعف كل 24 ساعة حتى تراكمت بالملايين. لكن هنرييتا لم تكن تعرف شيئاً عن زرع خلاياها في المختبر. عولجت هنرييتا باستخدام الراديوم لأشهر، ولكنها عادت إلى المشفى لتخبرهم أنها تشعر بأن السرطان ينتشر داخلها، غير أن الأطباء قالوا لها إن لا دليل على عودة المرض. لم تشكك هنرييتا بما قاله الأطباء، معظم المرضى لا يشككون بما يقوله الأطباء، خاصة المرضى السود الذين يتولى علاجهم أطباء بيض البشرة. بعد عدّة مرات من ترددها على المشفى لتلقي العلاج باليورانيوم، استحوذت الأورام على جسدها تماماً. وعندما عادت إلى المشفى للمرة الأخيرة كتب الأطباء في سجّلها الطبيّ «إيقاف جميع الأدوية والعلاجات باستثناء المسكنات». رقدت هنرييتا في السرير بجسد صار صلداً كالحجر تنشج من شدة الألم وهي تنازع الموت. أوصت على أطفالها ثم أسلمت الروح في عنبر «الملوّنين» في المشفى.

بعد مضي وقت قصير على وفاة هنرييتا، بدأ التخطيط لتشييد معمل (هيلا) في توسكيجي. وهو مشروع ضخم من شأنه أن ينتج التريليونات من خلايا هيلا كلّ أسبوع. وقد بُني ليخدم غرضاً واحداً وهو المساعدة في الحدّ من شلل الأطفال.

سافرت خلايا هنرييتا عبر برنامج الفضاء الروسي في عام 1960، كما أطلقت ناسا العديد من قوارير هيلا في الفضاء داخل القمر الصناعي ديسكوفرير الثامن عشر، في عام 1965، استخدم العالمان البريطانيان، هنري هاريس وجون واتكينز، خلايا هيلا في دراساتهما للجينات البشرية التي ساهمت في تخطيط خريطة الجينوم البشري المعروفة اليوم، كما واستخدمت الخلايا في بعض العمليات ولتحديد فئات الدم وزراعة الأعضاء، وكذلك استخدمت في اختبار القنبلة الذرية، كما أن إحدى الشركات البيولوجية صارت تبيع منتجات هيلا التي تكلفتها من 100 إلى ما يقرب من 10000 دولار للقارورة الواحدة. وجدير القول إنه قد سجّل مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية في الولايات المتحدة، ولغاية اليوم، أكثر من سبعة عشر ألف براءة اختراع تتضمن خلايا هيلا.

يقول سوني ابن هنرييتا إن المشفى لم يقدّم لهم أية معلومات، وإن هذا كان أسوأ ما في الأمر، لأنهم كانوا يكسبون المال من أُمه، وأرادوا أن يُبقوا عليهم جاهلين بشأن هذا الموضوع، إنهم يبيعون خلاياها في جميع أنحاء العالم ويربحون الملايين من الدولارات. يقول أخوه لورانس: «إذا كانت والدتنا مهمة جداً للعلم، فلماذا لا يمكننا الحصول حتى على تأمين صحي؟». يعتقد آل لاكس أن مشفى هوبكنز يختطفون السود لإجراء التجارب عليهم منذ القرن التاسع عشر، يسمّونهم «أطباء الليل». ثمة اعتقاد أفريقي راسخ بأن الأشباح تسبب المرض والموت. استغلّ أصحاب المزارع البيض هذا الاعتقاد ووظفوه لثني العبيد عن الهرب، فقد روى ملّاك العبيد حكايات عن أبحاث مروعة أُجريت على أجساد السود، بعدها قام هؤلاء بارتداء أغطية بيض وتسللوا في الليل متظاهرين بأنهم أرواح قادمة لإصابة السود بالمرض واختطافهم من أجل الأبحاث. هذه الملاءات صارت في نهاية المطاف عباءات ذات قلانس بيض ترتديها جماعة كوكلوكس كلان (KKK). تقول ريبيكا إن أطباء الليل ليسوا مجرد خيالات. فقد أُجريت فعلاً بحوث على العبيد لاختبار الأدوية وتطوير تقنيات جراحية جديدة، غالباً من دون تخدير. كما ونُبشت جثث السود من القبور لإجراء البحوث عليها ولبيعها لمعاهد علم التشريح.

«أعلن أنّ السبب الرسمي لوفاة هنرييتا هو (يوريميا) نهائية: تسمم الدم من جراء تراكم السموم التي يتخلص الجسم منها عادةً عن طريق البول. كانت الأورام قد سدّت مجرى البول تماماً، مما جعل أطباءها غير قادرين على تمرير القسطرة إلى مثانتها لتفريغها. وكادت الأورام التي بلغ حجم كلّ منها كرة البيسبول أن تحل محل كليتيها ومثانتها ومبايضها ورحمها. كما غطت أعضائها الأخرى أورامٌ بيض صغيرة بدت كما لو أن أحدهم ملأ جسم هنرييتا باللؤلؤ». كتبت ديبورا في مذكراتها: «كيف مرّت والدتي بكل هذا الألم لوحدها مع أولئك الأطباء ذوي القلوب الحجرية. يقول والدي إنهم كانوا يطهون جسدها وهي على قيد الحياة باستخدام تلك العلاجات الإشعاعية. ما كان يدور في ذهنها في غضون تلك الأشهر القصيرة. آلامها تتفاقم وبعيدة عن عائلتها... منزوية في ذلك الجناح البارد في مستشفى جون هوبكين، الجناح الخاص بالملونين فقط... عندما جاء ذلك اليوم، وماتت والدتي، سرقوا خلاياها وعرفوا في مستشفى جون هوبكنز بشأن تلك الخلايا واحتفظوا بها لأنفسهم، وأعطوها لمن أرادوا وحتى غيروا الاسم إلى خلية هيلا وأخفوها عنا لأكثر من عشرين عاماً. يقولون إنها تبرعت بها. لا، لا، لا، بل سرقوها».

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالصور| تظاهرات حاشدة أمام وزارة التخطيط للمطالبة بتعديل سلم الرواتب

805 قتلى وجرحى بأعمال شغب مستمرة في بنغلاديش

مجلس النواب يعقد جلسته برئاسة المندلاوي

خبراء يحذرون: أغطية الوسائد "أقذر من المرحاض" في الصيف

القبض على 7 تجار مخدرات في بغداد وبابل  

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram