اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > نقد التراث ونسيجهُ السلطوي يُشبه الماسك جمرة ! .. قراءة في كتاب الأربعاء في الأسلام السياسي والتنوير لرشيد الخيون

نقد التراث ونسيجهُ السلطوي يُشبه الماسك جمرة ! .. قراءة في كتاب الأربعاء في الأسلام السياسي والتنوير لرشيد الخيون

نشر في: 11 مارس, 2023: 10:39 م

سعدون هليّل

"كل الأصوليات معادية للديمقراطية والعلمانية، لأن الأصولية، ترفض الأصلاح الديني والتنويروالتسامح"

مراد وهبة

ليس من السهل نقد التراث أو تفكيك أنسجته السلطوية فتراثنا العربي الأسلامي متداخل مع مصالح السلطة، سواء كانت سلطة سياسية أو دينية، والسلطة الدينية لاتظهر في أكثر الأحايين الى السطح، لكنها تتخفى وتتستر بين العقيدة الدينية وبين العقيدة كسلطة، وهنا تكمن مشكلة معقدة، إن لم تكن خطرة فالناقد أو المشتغل بحقول التراث وقضايا الفكر الأسلامي، كالماسك جمرة من نار، أو أنه يسير في حقول من ألغام السلطة.

هناك دائماً خطوط حمر أو حقول ألغام لا يمكن تخطيها.. إنك تقف في حضرة المقدس، كفيف البصر، مكتف الأيدي.

الى ذلك، صدر حديثاً عن دار المدى، كتاب المفكر د. رشيد الخيون بعنوان" كتاب الأربعاء في الأسلام السياسي والتنوير والمذهبية".

يشير الباحث الى ان عبارة " كتاب الأربعاء" لربما احتاجت الى توضيح، فالاربعاء من الأيام التي شهدت أحداثاً جساماً، وتكاد مخالفة لمنطق المصادفة، في التشابه بين حادثات الماضي والحاضر، ولكثرة النحواس فيها، حيث كثافة التفجيرات داخل بغداد في أيام الأربعاء.

ويتوقف الخيون قائلاَ: ان رشيد الدين الهمداني مؤرخ وطبيب المغول قال بأنه: " كان بدء القتل العام والنهب في يوم الأربعاء فاندفع الجند مرة واحدة الى بغداد، وأخذوا يحرقون الأخضر واليابس ما عدا القليل من منازل الرعاة وبعض الغرباء."

يتألف الكتاب من مقدمة موجزة وخمسة أبواب، وجاء ب 568 صفحة من الحجم المتوسط،

ويحتوي على بعض من كثير من المباحث والدراسات القيمة في التراث والعقائد والأفكار، ويمتاز اسلوب رشيد الخيون بطابعه الأدبي المثير ومنهجه السلس والقويم، وبعلمية وثائقية رصينة، والباحث بقدر ماهو كذلك، هومفكر قدير ومؤرخ دقيق معاً.

والخيون، يعمل بحقول التراث والفكر الأسلامي فلابد ان يكون على قدر كبير من المسؤولية والوعي والحذر أيضاً، فأنه سيواجه حتماً مداخلات ومطبات شائكة.

والتراثيون من فقهاء ورجال دين، وحراس الشريعة، يرفضون رفضاً قطعياً التفريق بين مصالحهم الدنيوية وبين مبادىء الشريعة أو حقائق العقيدة البحتة، فهي لديهم كل تراثي مقدس، محاط بخطوط حمر، ويرفضون الاعتراف بما هو زمني أو تاريخي.

كما يناقش الباحث الاسلام السياسي تطبيق الشريعة، في عصر تبدل فيه كل شيء، إلا الثوابت الدينية التي لا تتعارض مع العصر، ثم يورد قول النهضوي عبد الرحمن الكواكبي" تضافرت آراء أكثر العلماء من الناظرين في التاريخ الطبيعي للأديان، على ان الأستبداد السياسي متوالد من الأستعباد الديني، والبعض يقول ان لم يكن هناك توليد فهما أخوان وأبوهما التغلب والرياسة، أو هما صنوان قويان بينهما رابطة الحاجة الى التعاون لتذليل الأنسان، والمشاكلة بينهما.. إنهما حاكمان، أحدهما في مملكة الأجسام والآخر في عالم القلوب".

ثم يورد على لسان المجتهد الشيعي محمد حسين النائيني عن طبيعة الاستبداد في الجانب الديني، ويعد علاج هذه القوة بعد علاج سابقتها من أعسر الأمور وأصعبها،وذلك لشدة رسوخها بالاذهان والقلوب اولاً).وكان النائيني عالمًا ومرجعاً للمذهب الشيعي، يسكن النجف حينذاك وله اتباع كثيرون في ايران ووضع كتاباً حول مناصرة الديمقراطيين، (المشروطة) بعنوان((تنبيه الامة وتنزيه الملة))والسؤال إذًا لماذا تعثرت مشاريع التحديث والتنوير والتغيير على ارض الواقع؟لأنهم هناك بأستمرار يضعون المطلق او الآلهي في مقابل الزمني او التاريخي،وما هو تاريخي انهم لا يدركون ان العالم يتغير من حولهم، ويعالج المؤلف موضوع آخر عن الأسلام السياسي الذي لا يعترف بتقدمية ولا ثورية وانه مجرد مرسل حنك الأمامة السياسية والحزبية ومع ذلك ينتظر اليسار مستقبلًا زاهراً معه.

لهذا نقول انهم بأصرار شديد يتجاهلون الزمن،ويتغاضون عن الادراك او فهم لوازم التاريخ،ومنطق التغيير او التبدل،كل ما يمس مصالحهم وافكارهم ومذاهبهم العقائدية غير قابلة للنقاش او التفاوض او الجدل.

ويناقش الباحث أيضاً (الخوراج والدواعش …كلُ في زمنه)وتطرق الى ان حركة الخوارج كانت قبلية قبل ان تكون دينية وسياسية.

ان الذين تكتلوا في ما سماهم خصومهم ب((الخوارج))ليس قرشيين،هم بالتحديد من الأحناف والتميم والأزد،وكأن الأمر عودة الى ما حصل في الإمامة …ثم يورد،كأن الازارقة اصحاب عنف وتكفير كجماعة ظهرت بين ((الشرارة))او ((الحوريين))حسب ما يقدمه الخوارج انفسهم،وظهرت حاكمية المودودي وبأثره سيد قطب (أعدم عام ١٩٦٦)ومن نحل منهما من قاعدة ونصر وداعش، انها مستلة من حاكمية الخوارج،لكن اعتبار الحكم لله كان مفهوما دينيًا عامة،والخلفاء اعلنوا انهم يحكمون بأمر الله،والذي يطلع على نقوش اختامهم،حتى اخر خليفة عباسي يجد هذا جلياً.

ونؤكد ان الخيون ذلك الباحث العراقي الذي اقتحم حقول التراث والفكر الأسلامي باحثًا،منقباً،ناقدًا،وقارئاً،تناول الكثير من حقول التراث والفكر،وعقل نقدي يقظ وهو يعلم جيدًا اين يضع قدمه، وكيف يمس قلمه جروح التراث.

كتب الخيون الكثير من الدراسات ووضع عشرات المقالات والكتب وصنف الكثير من الكتب القيمة في هذا الميدان وعلى سبيل المثال، كتابه الاخير في الاديان والمذاهب في العراق وكتاب المعتزلة في البصرة وبغداد وغيرهما.

وهذا الكتاب الذي بين ايدينا كتاب "الاربعاء في الأسلام السياسي والتنوير" يناقش الكثر من القضايا الفكرية والتراثية والعلمانية والطائفية، يمتاز منهجه النقدي بالتحليل الموضوعي والوثائقي.

والطابع الذي يسود اكثر كتابات وابحاث رشيد الخيون يمتاز بالرؤية العقلانية المتبصرة والحياد في الطرح فيما تبقى الرؤية العقلانية المتسيدة لمنهجيات الخيون هي الجوهر في قدرته في الاقناع.والحقيقة ان مباحث وكتابات رشيد الخيون تغلق الفجوة التاريخية لمرحلة ما بعد ٢٠٠٣،ففي كتابة الناجح،((لاهوت السياسة))يوفر الخيون افكارا ومعلومات للمرحلة الممتدة منذ نهايات القرن المنصرم،وخواتيم العهد المباد حتى عام ٢٠٠٨،حيث يتعرض الخيون لظاهرة نشوء الاحزاب الدينية،ذات الطابع السياسي المصاحب لنظرية ولاية الفقيه الايرانية،وطبعًا هذا الأمر لا يقتصر على طائفة بعينها بل يمتد ليشمل ظاهرة الاسلام السياسي كلهُ منذ نهاية عصر الاحزاب القومية العربية وحتى عهد ما بعد عام ٢٠٠٣..ويمكن ان نقارن هذا المقياس اكثر في كتبه التي تعالج قضايا الاسلام السياسي او العقائد او تخوض في قضايا التراث.

ان كتابه الاربعاء هوعبارة عن مجموعة مقالات تعالج قضايا الاسلام السياسي الفكري وقضايا التنوير والمذهبية، وكذلك لا ننسى قضايا التراث الاساسية وغيرها الكثير.

وقد نشر الخيون تلك الابحاث على شكل مقالات،في صحف عربية عديدة مثل جريدة (الشرق الاوسط)وكذلك جريدة (الاتحاد الظبيانيه)،وذلك بين اعوام ٢٠٠٩-٢٠٢٢، يذكر الباحث ان الاحزاب الدينية او الاسلام السياسي، اخذه الغرور بالجمهور،وامكنة العبادة والمواسم الدينية والجمعيات الخيرية، وما يعبرون عنه بالاصلاح والصلاح الا ان فوزها جاء باهتًا قياسًا بالدين والدنيا لجذب الاصوات في بيئة يسود فيها الجهل والتخلف.فهتاف ((تطبيق شرائع الله))و((الدين يا محمد في حال مصر))و((يا حسين يا مظلوم))كحال العراق شعارات كاسبة للجمهور.

ويناقش الباحث في مبحث اخر (الانجيل والقرآن)قائلًا: عندما طرح عالم الفيزياء البريطاني ستيفن هوكينج عن نشأة الكون، كانت عفوية،لم تجب العالم الاسلامي ولا المسيحي التظاهرات الصاخبة،ولم يستصرخ فقهاء الدين المتشددون العامة ضده والصحيفة التي روجت لصدور كتابه في ذلك الشأن والسبب على ما يبدو ان عالم الفيزياء لم يقصد دينًا من الاديان،ولم يسيس فكرته،وكتاب القران حث على النظر في نشأة هذا الكون،وللناس الخيار ان أمنوا او جحدوا وأيات (فلا تعقلون)و ((لعلكم تعقلون))وترددت كثيرا في الكتاب وقيل ان الاشياء التي تذهب هباء (دين بلا عقل …)

وعالج المؤلف موضوع،ظاهرة التطرف الديني والمذهبي،كوصفة جاهزة لا تحتاج الا من يرفعها راية وشعارا في تصاعد الكراهية الطائفية في العقود الاخيرة ثم يناقش في موضوع اخر ظاهرة المفكر(نصر حامد ابو زيد)او قضية تكفير كادت ان تودي بحياته، انما المئات قبله،مذ صار الحرف يعني النور،وصار التكفير وظيفة،فالدين ليس له اعداء لكنه اذا ما رفع راية لحزب سياسي،واتخذ اسم الله عنوان للمليشا،ان تعرض التدين السياسي الى النقد لكن اهل ذلك المنحى يأخذون النقد جحداً بالدين.فما يحتكم اليه الدين السياسي هو تفسير النص لا النص نفسه،بدليل ان العديد من علماء الدين يرفضون التدين السياسي،وما حاوله ابو زيد ليس اكثر من القول بالاجتهاد في تفسير النص، بعلمه ان كل مسلم يتحصل العلم له الحق بالتفسير،وهذا ما يقرأ في كتابه ((الأمام الشافعي وتأسيس الأيديو لوجية الوسيطة))و(داراسة في قضية المجاز في القران عند المعتزلة)و (اشكاليات القراءة وآليات التأويل).يمكن ان يكون ابو زيد اخطأ او تجاوز واغفل،لكن لا يبرر ذلك حرمانه من حق اكاديمي،وهوالباحث الدؤوب،ثم تكبر القضية الى الحكم بالردة،واطلاق زوجته.ويضيف الباحث،ليس كتاب ((ابي ادم))للشيخ صاحب التقرير ضد ابو زيد،كان اجتهاداً في النص،حيث توصل ان ادم النبي غير ادم الذي تناسل منه البشر،وهذا عين ما ذهبت اليه فلسفات قبل الاسلام،وهو القول بالانسان القديم،فلماذا يحل الاجتهاد في النص لهذا ويحرم على ذاك.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالصور| تظاهرات حاشدة أمام وزارة التخطيط للمطالبة بتعديل سلم الرواتب

805 قتلى وجرحى بأعمال شغب مستمرة في بنغلاديش

مجلس النواب يعقد جلسته برئاسة المندلاوي

خبراء يحذرون: أغطية الوسائد "أقذر من المرحاض" في الصيف

القبض على 7 تجار مخدرات في بغداد وبابل  

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram