ثائر صالح

- 1 -

أحسب أن فيلكس مندلسون - بارتولدي (1809 - 1847) هو أحد أبرز الموسيقيين الألمان الذين جاءوا بعد بيتهوفن، ويحتل موقعاً متقدماً بين مجايليه من رواد الموسيقى الرومانتيكية روبرت شومان وفريدريك شوبان وفرانس ليست وريشارد فاغنر إن ذكرنا أهمهم.

كانت عائلة مندلسون الثرية من اليهود الذين اعتنقوا البروتستانتية، ويحتل جده الفيلسوف موزس (موسى) مندلسون (1729 - 1786) موقعاً هاماً بسبب دعوته إلى التسامح الديني واندماج اليهود الألمان في الثقافة الألمانية. وقد صفه الشاعر هاينريش هاينه «مثلما أطاح لوثر بالبابوية، أطاح مندلسون بالتلمود» في تعبير مجازي عن أهمية الحركة التي أطلقها مندلسون الجد بين اليهود الألمان. اعتنق ابنه آبراهام البروتستانتية، وعمّد أولاده في كنيسة بروتستانتية مبكراً. أسس الأخوان آبراهام ويوزف مصرف مندلسون في برلين وكان له فرع في هامبورغ أداره آبراهام وهناك ولد فيلكس. لكن العائلة انتقلت من هامبورغ إلى برلين تحوّطاً بسبب دور البنك في كسر العقوبات التي فرضها نابليون على بريطانيا في ذلك الوقت.

عاش مندلسون في ورشة فنية وثقافية يندر وجودها، وكانت أمّه لَيا بارتولدي عازفة بيانو ممتازة تحب باخ وموتسارت وهايدن وكانت أول معلم موسيقى لهم. كما امتلكت العائلة عدداً من أدوات ستراديفاري الراقية واستعملتها فعلا في تقديم حفلات بيتية في الأمسيات التي ارتادها الشاعر هاينريش هاينه والفيلسوف هيغل والعالم الكساندر فون هومبولدت (أطلق اسمه على جامعة برلين) وغيرهم، والتقى مندلسون بشاعر ألمانيا الكبير غوته الذي أعجب بموهبة الطفل النابغة. وكانت للعائلة ارتباطات وثيقة وعديدة بموسيقى باخ، عبر الصلة بأبنائه وتلامذته واحتفاظها بعدد من أعماله المخطوطة والمطبوعة، هذا انطبع على ذوق الصبي فيلكس وحياته اللاحقة، فكان أول من أحيا أعمال باخ بتقديمه عمله الأساسي «آلام المسيح حسب إنجيل متى» سنة 1829. وكان هذا نقطة الانطلاق لما يمكن تسميته «حمى باخ» التي بدأت في 1829 ولم تنته حتى اليوم (ولو أنها تأخذ أشكالاً جديدة الآن).

بدأ فيلكس التأليف مبكراً، وأظهر نضجاً فنياً مبكراً كذلك. فقد ألف 13 سيمفونية للوتريات قبل أن يبلغ الخامسة عشرة. من أشهر أعماله «الطفولية» التي ألفها في السابعة عشرة افتتاحية «حلم ليلة صيف» التي تعد حتى اليوم من بين أكثر الأعمال تقديماً، ويستخدم جزء منها في مراسيم عقد الزواج (وقد أُبدل هذا المقطع بموسيقى اخرى في الرايخ الثالث ضمن محاولة النازية محو كل أثر للموسيقى «المنحطة» وقتها). وأعتبر رباعيته الوترية في لا الصغير (رقم 2) التي ألفها تحية لبيتهوفن بعد وفاته بأشهر سنة 1827 من أعماله المهمة.

لا يمكن فصل مندلسون عن اخته فانّي على الإطلاق، ويعتقد البعض أن فانّي التي تكبره بأربعة أعوام كانت تفوقه في العبقرية الموسيقية. مع ذلك، لم تبرز كمؤلفة وعازفة بيانو كبيرة بالذات بسبب كونها امرأة في مجتمع النصف الأول من القرن التاسع عشر. فقد قدمت كتاب باخ 24 مقدمة وفوغا كاملاً من الذاكرة وهي في الثالثة عشرة من العمر. نشرت بعض أعمالها إلى جانب عدد من الأعمال التي نشرتها بأسم أخيها الصغير بالذات بسبب كونها امرأة.