حازم رعد
واضح عند المهتم بالدراسات الفلسفية انها انها تضع على رأس اولوياتها القصوى هي طرح السؤال وطلب التعرف لنفسه بلا توسط غاية اخرى كمهمة وغاية اساسية، وتعد هذه العملية وهي “السؤال” الخاصية الاولى ومفتتح قارة التفكير الفلسفي فان سوال الوجود “الميتافيزيقا” كان في حقيقته الظاهرة التي تفاعل معها الانسان في بواكير “في هذا المجال المعرفي الاهم من بين المجالات الاخرى” والسؤال تحرير للانسان من سلطة الانساق المألوفة والساذج والسائد وهي تحتاج الى الفهم والتفحص
ان جوهر السؤال هو ممارسة للانتظار “ترقب ماهو جديد ومختلف” مع انتظام البحث والتنقيب بحثاً عن معرفة اخرى وصولاً الى الحكمة في الحياة ويعرف لنا ابن سينا الحكمة بأنها [الحكمة استكمال النفس الإنسانية بتصور الأمور والتصديق بالحقائق النظرية والعملية على قدر الطاقة الإنسانية ] اذن هي مرحلة في سلم الكمال البشري وما الفلسفة الا وسيلة لبلوغها والسؤال اولى تلك المقدمات في هذا السير والتصرف،
ومن الجدير ان نفهم ان مجرد السؤال واثارة الاشكالات هو لا يبقي بنياناً راكزاً وراسخاً بحيث يصير بمرور الوقت مسلمة راسخة لا يمكن محاكمتها ونقدها والاعتراض عليها اذا بان فيها خلل، واما الاجابات فليس بتلك الاهمية القصوى للفعل الفلسفي، فالاجابات دائماً تخرج التفلسف عن مجاله وتدخله في اخر هو مجال العلوم
ولذا تكمن اهمية المعرفة الفلسفية في كونها دائماً تجعل الاشياء والنصوص والاحداث موضع شك وتردد وعدم التسليم المطلق بلا تفحص ومراجعات وبلا وضوح تام يميز الاشياء عن بعضها ويفرق بين خطئها وصوابها، تقدم بطرح السؤال مهما تجده شاذاً ومهما تجده مخالفاً للسائد [ المألوف والموروث ذميم حتى في الحقائق الدينية] السؤال هو ما يثور الافكار ويبث الحياة في العقل وينعشه ويفصح عن مدثوراته، من ذلك يقال في التعريف بالفلسفة من انها تبدأ بالسؤال وانه اولى خصائصها وليس ذلك فقط فهي تستمر ما دام السؤال مستمراً، واذا قدر للتساؤل ان يتوقف فذلك يعني توقف العقل عن الاشتغال والفلسفة عن التجدد والنمو، ان السؤال الفلسفي بمعنى من المعاني ثورة على الرتابة والرثاثة والمألوف، وكان اول حدث ثوري في تاريخ الفكر البشري هو التحول الذي حصل في القرن السادس قبل الميلاد، فقد افضى سؤال طاليس عن الاصل عن تحويل مسار التفكير الانساني من المثيوس “الاسطورة” الى اللوغوس وبدأ اشتغال جديد اكثر مقبولية هذا الفتح كان النافذة لدخول عالم الفلسفة العاكزة على العقل الانساني ونتائجه،
ولذا نلحظ ان تمام المسار الفلسفي بني على السؤال الراغب في معرفة جديدة نسق من التفكير ليس على غرار السابق والسائد والمألوف، وان اعادة طرح السؤال تنمي عند الانسان افاق الحس النقدي وتفتح مناشئ جديدة للفهم والتحديد وتنتج لنا مفردات حديدة نحن بحاجة ماسة اليها في كل وقت وفي مختلف المراحل لتأسيس حياتنا العامة والخاصة على رؤيتها ونظرتها العقلانية للعالم والاشياء، اذن فان [ السؤال خطوة هامة في رحلة البحث عن حقيقة الاشياء وجوهرها العميق ] كما يقول معاذ بن عامر
وعليه يكون السكوت عن طرح السؤال يعني توقف العقل وكفكفته عن التفكير وعجزه عن ممارسه النظر والتفكير لينمو الحمق، فلذا تعني الفلسفة فيما تعنيه، انها مقاومة للحمق وتوفر مناعة ضد الافكار الساذجة والهامشية، فالفلسفة بأعادتها طرح السؤال بصيغة اشكال، او حين تقدم مساقً من الشكوك التي توتر النسق، هي ذا تمارس عملية النقد على الاحداث والنصوص وتفترض عدم استيفائها تمام المعرفة والفهم بالاشياء، فهي عندما تعيد استخدام طريقة المراجعة النقدية ترغب بمزيد من الفهم تنهد الى شكل عميق من المعرفة والكشف، هي والوضع ذاك لا ترتضي بالافكار الساذجة التي تبقى على الهامش التي تمخضت عن ذات النتائج الاولية فسهولة القضايا التي تتناولها الفلسفة والاشكالات العميقة التي تطرحها تعني انها ضد مقاومة للحمق الذي يستنكفه الهامش والسهل البسيط.










