TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > لا أسلحة لأوكرانيا.. الرغبة في الخضوع

لا أسلحة لأوكرانيا.. الرغبة في الخضوع

نشر في: 14 مارس, 2023: 10:56 م

مقال بقلم كلوديوس سيدل

ترجمة: عصام الياسري

مقدمة

كانت قد نشرت قبل أيام ساهرا فاجنكنيشت Sahra Wagenknecht وآليسا شفارتسر Alice Schwarzer und خلال تظاهرة جماهيرية حاشدة في برلين (بيان السلام)، دعوة لايقاف الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا.

* [[أليس صوفي شفارتسر صحفية ودعاية ألمانية وناشطة نسوية معروفة. هي مؤسسة ورئيسة تحرير المجلة النسائية "إيما" EMMA في عام 1977 ولا تزال ناشر ورئيس تحريرها النشط حتى يومنا هذا. صدر لها العديد من الكتب منذ عام 1971: مثل "فارق صغير" السيرة الذاتية للفنانة "رومي شنايدر". وكتاب عن واحدة من أهم الصحفيين في ألمانيا الغربية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية الناشرة ورئيسة تحرير صحيفة دي تسايت الأسبوعية الألمانية "ماريون دونهوف". كذلك تقارير ومقالات مثيرة كـ "الصدمة" حول ليلة رأس السنة 2015 في كولونيا و "عائلتي الجزائرية".

ساهرا فاجنكنخت سياسية ودعاية ألمانية. عضوا في اللجنة التنفيذية الوطنية لحزب PDS حزب الاشتراكية الديمقراطية من 1991 إلى 1995. وبعد التوحيد مع حركة WASG حيث تشكل منهما لاحقا حزب اليسار.Die Linke من 2000 إلى 2007 تمكنت من توسيع نفوذها، وتعتبر بطلا في الجناح اليساري للحزب. من 2004 إلى 2009 كانت عضوة في البرلمان الأوروبي ومن 2010 إلى 2014 كانت أحد نواب قادة الحزب في البوندستاغ الألماني ونائبة رئيس فصيل اليسار هناك.]] المترجم

أولئك الذين يخشون الحرب النووية اليوم لديهم أسباب وجيهة للقيام بذلك. من يعتقد اليوم أن أسباب هذا الخوف يمكن محاربتها بالوسائل السياسية فهو بالتأكيد ليس متشائما. لكن أي شخص يعتقد أن الخوف سوف يتبدد وخطر الحرب النووية أيضا، إذا دعا المتظاهرون الألمان الحكومة الألمانية فقط إلى التوقف عن إمداد أوكرانيا بالأسلحة ودعوا الأوكرانيين إلى عدم المبالغة في المقاومة، لأنه بعد ذلك يأمل أن فلاديمير بوتين لم يعد لديه أي ذريعة للقيام "بأقصى هجوما مضادا" كما جاء في ما يسمى بـ (بيان السلام) الذي نشرته ساهرا فاجنكنيشت Sahra Wagenknecht وآليسا شفارتسرAlice Schwarzer: ومن المرجح أن يحقق ذلك العكس مع توقيع ما يقرب المليون حتى الآن.

فقط الصلوات يمكن أن تساعد في مواجهة التهديد النووي. أحد مستشاري البنتاغون، وهو خبير في الأسلحة النووية، تحدث لـ "النيويورك تايمس" قبل ست سنوات ما يشبه ذلك التخوف قائلا، أنه لم تكن عقلانية الردع هي التي أنقذت البشرية من الكارثة النووية خلال الحرب الباردة: لقد كانت المهارة والحظ، أنما قبل كل شيء، التدخل الإلهي. كان هناك أيضا أبطال الحكمة من كلا الجانبين الذين، عندما أبلغت أنظمة الإنذار عن هجوم لم يجعلهم يجنون لفناء البشرية.

التخلي عن الأسهم القديمة

ومع ذلك، فقد تم النظر إلى الأسلحة النووية على أنها نقيض بندقية تشيخوف- السلاح الذي إذا تم تعليقه على الحائط في الفصل الأول من المسرحية، يجب إطلاقه في الفصل الأخير. فإذا ما يتم عرض الأسلحة النووية، يعني ذلك، حتى لا يتم إطلاقها.

ومن المفارقات أنه في السنوات التي أعقبت الحرب الباردة وقبل الغزو الروسي، قدر العديد من الخبراء خطر الضربة النووية بأنه أكبر من أي وقتا مضى: لقد تم عرض الأسلحة الخطيرة؛ لكن الآن لديهم مخاوف أخرى، هموم المال قبل كل شيء. واليقين بأن الأمور لم تكن مختلفة كثيرا بالنسبة للخصم السابق. في عقد العشرينيات من القرن الماضي، تضاعفت قصص الرعب عن ترسانات نووية سيئة الحراسة، مهملة، متعفنة، وأفراد غير مدربين، ووسائل نقل منظمة بطريقة قذرة، ومعدات إلكترونية كانت أحدث ما توصلت إليه السبعينيات بين الروس والأمريكيين على حد سواء. السرقة، أو إطلاق النار، أو حتى فقدان أحد الرؤوس الحربية أثناء النقل، وأخيرا قنبلة مملوكة للإرهابيين أو إطلاق صاروخ عرضي، كانت هذه هي الأخطار التي يجب أن نخشى على أرض الواقع.

منذ ذلك الحين، والآن بوتين يهدد باستخدام القنبلة. في عام 2014، حدث التحديث في كل مكان- لكن هذا لم يقلل من الخطر. على العكس من ذلك: فمن ناحية، يبدو أن إهمال المخزون القديم لم يتوقف لفترة طويلة. من ناحية أخرى، لا تهدد الأسلحة الحديثة فقط القوى النووية الخمس الكلاسيكية. كما تعمل الهند وباكستان وإسرائيل وكوريا الشمالية على توسيع ترساناتها. ومع كل قوة نووية جديدة تأتي، يزداد الخطر من أن شخصا ما سوف يضغط على الأزرار المناسب. في مثل هكذا ظروف يجب على أي شخص لا يخاف من أن يكون لديه عقل ملموس. لكن أي شخص يسأل كيف يمكن لخوفه أن يغذي العمل السياسي، بيد أنه لن يجد إجابة سهلة: فهل المظاهرات الألمانية أن يكون لها تأثير على وقف تسليح كوريا الشمالية؟.

خلال الحرب الباردة، كان الخوف حجة صحيحة

كانت آخر مرة كان فيها الخوف من الألمان بمثابة حجة خلال الحرب الباردة، في فترة إعادة التسلح، عندما كان المتظاهرون هم حكومتهم وحلفائهم في ذلك الوقت، في ذروة حركة السلام، كان من المفهوم، حتى لو كان لدى المرء رأيا مختلفا، أن الناس القلقين طالبوا الغرب بألا يستمر في تسليح نفسه، وإلا فإن الشرق سيسلح نفسه أيضا.- ومع كل حرب نووية إضافية بصواريخ كروز تزداد احتمالية. لم تكن هناك حرب حينها، فقط احتمالها، الذي ينبغي التقليل منه. وكان هناك خصم يمكن افتراض أنه مستعد للتفاوض ولديه منطق معين للتصعيد. في ذلك الوقت، كانت إستراتيجية الناتو، بمعنى استراتيجية شعبه، هي التي ترقى إلى مستوى التهديد بضربة أولى: إذا أرادت قوات حلف وارسو، التي كانت تعتبر متفوقة، الهجوم، فقد احتفظوا بخيار التوقف عن صناعة أسلحة نووية تكتيكية. لأن الدفاع عن ألمانيا كان يعني تدمير ألمانيا.

في ذلك الوقت، كان الخوف مبررا- بينما اليوم، في عام 1991، عندما شنت الولايات المتحدة حربها الأولى ضد العراق لتحرير الكويت. وعندما أطلق صدام حسين صواريخه على تل أبيب وهدد بأنه „سيحول إسرائيل إلى محرقة". لم يعرف نشطاء السلام أنفسهم من يريد إعلان حرب نووية على ألمانيا. الشيء الرئيسي هو أنهم كانوا خائفين منه وأظهروا استعدادهم للاستسلام.

قبل عشرة أيام، في تجمع مؤيدي بيانها للسلام في برلين، قالت ساهرا فاجنكنيشت: "أي شخص يقبل بخطر جحيم نووي ليس في الجانب الصحيح من التاريخ. وإذا لم تفعل كل ما في وسعك لتجنب خطر مثل هذا التصعيد، فأنت لا تقاتل من أجل الخير أيضا". عندما ناقضت "فاجنكنيشت" في وقت سابق كل شخص ممن اعتقدوا أن عليه أن يكون شجاعا ببضع جمل، فإنها تكشف عن تمجيدها الكامل للخوف على أبعد الحدود.

من الواضح كونك ألمانيا، يعني أن تضع خوفك فوق كل شيء آخر- حتى لو كان البيان المزعوم، بحيث يبدو ضيق الأفق، لكنه في الحقيقة يتحدث عن خوف الناس في جميع أنحاء أوروبا. مارجوت كاسمان Margot Käßmann عبرت عن الأمر بهذه الطريقة: "أعتقد أن الخوف من الحرب النووية أمر واقعي". ولكن ماذا يعني إذن المطالبة بفعل كل ما يصد التصعيد؟ نظرا لأنه لم يهدد أحدا بشن هجوم نووي إلا بوتين، وعلى ما يبدو أن بوتين بحاجة إلى الاسترضاء. بما أن الحكومة الألمانية هي الجهة المواجهة للاحتجاج، فإنها هي وحلفاؤها هم الذين يجب عليهم عدم استفزازه. وربما سيجعل الغرب بوتين سلميا، كما يقول "البيان"، إذا لم يسمح لأوكرانيا باستعادة شبه جزيرة القرم وامتنع تماما عن تسليم الأسلحة التي تدفع بوتين إلى مزاج القنابل النووية.

أعطه ما يريد

في هذا الخط من الحجج، ليس الألمان وحدهم هم الضحايا والجناة الأوكرانيون (الرئيس زيلينسكي لا يخفي أهدافه). كل هذا يتلخص في مطلب الخضوع لبوتين: يهدد بالأسلحة النووية؟ ثم التنازل له وإعطائه ما يشاء! لكن إذا ما أفلت بوتين من العقاب، فسوف يستمر في التهديد. لديه طموحات أكبر. كل الحكام المستبدين الآخرين الذين لديهم ترسانات نووية سوف يحذو حذوه. وأولئك الذين ليس لديهم أسلحة نووية سوف يسارعون للحصول عليها. هذه هي نتيجة خطابات "ساهرا فاجنكنيشت " و "بيان السلام" وشعارات كل الآخرين الذين يتخذون الآن خوفهم حجة: إذا تحققت رغباتهم، فلن يختفي الخطر؛ إنما يكبر.

لا يكاد أحد يعرف عالم تفكير بوتين مثل ماشا جيسن Masha Gessen، التي ولدت في موسكو وهاجرت لاحقا إلى نيويورك. في مقال لها نشرته صحيفة نيويورك في الخريف الماضي، حاولت جيسن دحض حجج كل أولئك الذين يريدون التنازل عن بقايا عقلانية لبوتين، وبالتالي لا يعتقدون أنه سيجرؤ على شن هجوم نووي على أوكرانيا. سيقبل مقتل آلاف الجنود الروس وتدمير مدن بأكملها حسب زعمه لروسيا؛ إنه لا يفعل شيء آخر الآن، تماما دون أسلحة نووية. إنه يعتقد أن له الحق في إلقاء القنبلة، تماما كما كان لأمريكا ذلك الحق في عام 1945. يرى نفسه في المعركة النهائية ضد الانحطاط والانحلال. لا ينبغي أن يظهر أي ضعف، ولديه مخابئ فخمة شيدت له ولعشيرته، هناك سينجو من نهاية العالم، عنوان مقال "لماذا يستخدم فلاديمير بوتين الأسلحة النووية في أوكرانيا".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. عصام الصفار

    ممكن معرفة المطبوع الذي نشر فيه المقال واللغة الأصلية.. مع جزيل الشكر

ملحق منارات

الأكثر قراءة

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

 علي حسين إذن، وبوضوحٍ شديدٍ، ومن غير لفٍّ أو دوران، لا تنتظروا إصلاحات ديمقراطية ولا حلاً للأزمات السياسية التي ما أن تنتهي واحدة حتى تحاصرنا واحدة جديدة ، ولا تطمئنوا لأن الإعلام يزعج...
علي حسين

قناطر: السَّرّاجي: القرية والنهر والجسر

طالب عبد العزيز " ثمة قليل من الاغريق في سان بطرسبورغ "جوزيف برودسكيكثيراً ما أسأل نفسي: أيمكن أنْ يكون الشاعر مؤرخاً، أو كاتباً لسيرة مدينته؟ فأجيبُ: أنْ نعمْ. ولعلي الى الثانية أقربَ، فأنا ممسوس...
طالب عبد العزيز

في طبيعة المجتمع المدني في الدولة الديمقراطية ومهامه

د. فالح الحمـراني تطرح قضية تفعيل المجتمع المدني في العراق اليوم نفسها بصورة حادة، لا سيما على خلفية تقصير المؤسسات المنتخبة وأجهزة الدولة في أداء دورها المطلوب حتى في إطار القوانين المتعارف عليها في...
د. فالح الحمراني

الاقتصاد الهندي من التخلف إلى القوة الاقتصادية

موهيت أناند ترجمة: عدوية الهلالي منذ أن بدأت الإصلاحات الاقتصادية في عام 1991، عندما تخلت عن نموذجها الاقتصادي الحمائي والاشتراكي، أصبحت الهند ثالث أكبر اقتصاد (بعد الصين والولايات المتحدة) من حيث الناتج المحلي الإجمالي.،...
موهيت أناند
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram